رفع العقوبات الأميركية عن سوريا.. التفاؤل يصطدم بتحديات الواقع
أنهى الرئيس الأميركي القطيعة مع دمشق ورفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة مفاجئة تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية واسعة. يرى خبراء اقتصاديون أن هذا التطور قد يسهم في إنعاش الاقتصاد السوري الذي يعاني منذ عقود، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي (13 أيار)، من الرياض، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، عقب مشاورات أجراها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفق ما جاء في خطابه.
تتوالى التحليلات بشأن تداعيات هذا القرار، وسط تساؤلات حول تأثيره المحتمل على الوضع الاقتصادي السوري المتدهور، وما إذا كان سيمهد الطريق لتعافٍ اقتصادي حقيقي أم سيواجه تحديات سياسية وإقليمية تعرقل تنفيذه.
رفع العائق القانوني لكن الأثر غير فوري
يرى الباحث الاقتصادي السوري، محمد السلوم، خلال حديث لوكالتنا، بأن: "إعلان رفع العقوبات عن سوريا، يمثّل تطوراً نوعياً في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي معاً، وعلينا أن نقرأه كبوصلة سياسية تعيد تموضع سوريا ضمن النظام الدولي، قبل أن يكون مجرد إجراء تقني اقتصادي. هذا القرار يفتح نافذة أمل حقيقية للاقتصاد السوري، لا سيما في مجالات التحويلات المالية، التجارة الخارجية، والمساعدات التنموية. إنه بمثابة "رفع العائق القانوني" الذي كان يمنع الكثير من المبادرات الاقتصادية من التبلور والانطلاق".
لكن السلوم أشار إلى أنه "بالرغم من أهمية القرار الأميركي، فإن أثره لن يكون فورياً، فالاقتصاد لا يعمل كبندول سياسي، بل يحتاج إلى وقت، وإشارات متكررة من الثقة. المستثمر لا يكتفي بإعلان سياسي، بل يبحث عن بيئة قانونية واضحة، مؤسسات فاعلة، وحالة استقرار داخلي مستدام. لذلك، فالقرار اليوم هو بمثابة انطلاقة، وليس خط نهاية. لكن المؤشرات الأولى – إذا ما استُثمرت بحكمة – يمكن أن تُترجم إلى انتعاش تدريجي في قطاعات التجارة، الشحن، الزراعة والصناعة الخفيفة".
وأكد السلوم بأن "أي رئيس أميركي – حتى ترامب – لا يستطيع رفع جميع العقوبات الأميركية دفعة واحدة، فبعضها صادر بقرارات تنفيذية، وبعضها الآخر تشريعي من الكونغرس. ومع ذلك، فإن رفع العقوبات الأكثر تأثيراً على التحويلات البنكية والتعاملات التجارية، يمكن أن يُحدث فارقاً فورياً في تدفق الموارد والسيولة من الخارج إلى الداخل، وهذا ما نأمله ونتابعه من كثب".
الباحث الاقتصادي رأى بأن "رفع العقوبات الأميركية خطوة مهمة، لكنها ليست كافية ما لم تتبعها أوروبا بخطوات مماثلة. فالسوق الأوروبية تمثّل ثقلاً اقتصادياً كبيراً، وشراكة استراتيجية في قطاعات عدة. كما أن إنعاش الاقتصاد السوري لا يمكن أن يتحقق فقط برفع القيود، بل يتطلب إصلاحاً داخلياً شاملاً: من تحديث قوانين الاستثمار، إلى تمكين المصارف، وتحفيز الصناعات، وتأمين البنية التحتية".
وشدد خلال حديثه على أن "العقوبات كانت قيداً، لكن إزالة القيد لا تعني أن الجسم سليم تلقائياً. نحتاج إلى إعادة تأهيل الاقتصاد، واستعادة ثقة المواطن والمستثمر معاً. إن المرحلة المقبلة تتطلب عملاً جدياً ومستمراً، لكن المؤشرات إيجابية. والقرار الأميركي يمكن وصفه بالشرارة الأولى لقطار الانفتاح الاقتصادي، بشرط أن نُحسن قيادته داخلياً، ونصيغ شراكاتنا بذكاء مع الخارج".
تحول سياسي مهم لكنها خطوة اقتصادية رمزية
وبدوره، الدكتور عبدالرحمن محمد وهو نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب في جامعة حماه، أكد خلال حديث لوكالتنا أن "رفع العقوبات عن سوريا يُعدّ تحولاً محتملاً في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، خاصة بعد سنوات من العزلة الاقتصادية التي زادت من تدهور الاقتصاد السوري وبصراحة هذه الخطوة قد تفتح أبواباً جديدة لإعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الإنسانية، لكنها تبقى مرتبطة بتفاعلات سياسية ودولية معقدة ورفع العقوبات الأمريكية خطوة رمزية قد تُخفف بعض المعاناة، لكنها غير كافية لإنقاذ الاقتصاد السوري دون رفع العقوبات الأوروبية وإجراء إصلاحات هيكلية".
الدكتور في الاقتصاد وضع رؤى اقتصادية عديدة لتوضيح هذه الخطوة الأميركية، ومنها، تأثيرات إعلان ترامب عن رفع العقوبات فمن جهة قد يُسهّل هذا الإعلان تدفق الاستثمارات الخارجية (خاصة من حلفاء أمريكا)، ويخفف الأعباء الإنسانية، ويسمح بتحسين محدود في القطاعات الخدمية والبنية التحتية، ومن جهة ثانية فإن التأثير قد يكون رمزياً، إذا لم تُرفع العقوبات الأوروبية أو العقوبات الأمريكية الأخرى (مثل قانون قيصر).
كما أن نتائج هذه الخطوة وفقاً للدكتور عبد الرحمن تحتاج إلى وقت، بسبب تدمير البنية التحتية وتراكم المشكلات الهيكلية (مثل انهيار الليرة، ونقص الطاقة، والفساد المتراكم) على الرغم من أنه قد تظهر تحسينات أولية في القطاع الخاص والتحويلات المالية، لكن التعافي الشامل يتطلب سنوات.
وفي السياق نفسه أشار إلى أن ترامب وبصلاحياته التنفيذية يمكنه تعليق عقوبات معينة (مثل تلك المفروضة بمراسيم رئاسية)، لكن عقوبات أخرى مثل "قيصر" تحتاج موافقة الكونغرس، مما يصعّب إلغاءها بالكامل.
وذكر أن فائدة الخطوة الأمريكية دون أوروبا، تُعد محدودة، لأن الشركات الأوروبية هي الأكثر قدرة على المشاركة في إعادة الإعمار (وقد يعزى ذلك إلى القرب الجغرافي والخبرات السابقة)، وفي وقت قد تستفيد سوريا من تحويلات المغتربين عبر قنوات مالية أمريكية، أو استيراد سلع تقنية أمريكية، لكن التأثير الاقتصادي الكبير يحتاج إلى انفتاح أوروبي، وذلك بحسب الدكتور عبد الرحمن.
الدكتور في الاقتصاد أكد بأن العقوبات ليست العائق الوحيد أمام إنعاش الاقتصادي السوري، بل هناك عدة عوامل ومنها (فساد ممنهج أنهكت آثاره الاقتصاد السوري - انهيار القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة - عقوبات دولية أخرى مثل الاتحاد الأوروبي-عدم استقرار سياسي واستمرار النزاعات المحلية).
الإنعاش الحقيقي يتطلب إصلاحات هيكلية
واختتم الدكتور في الاقتصاد حديثه، بالقول: "الإنعاش الحقيقي يتطلب إصلاحات هيكلية داخلية شاملة وتمويلاً دولياً كبيراً، وهو ما يبدو صعباً في المدى المنظور".
(آ)
ANHA