الشهيدة ديالا محمد سليمان.. روحٌ تغنّي للحياة رغم غيابها

وسط ضجيج الحياة وصخب الأحداث، هناك أسماء تبقى خالدة، لا تمحى بغياب أصحابها، بل تحفر في ذاكرة الزمن وقلب الوطن، الشهيدة ديالا محمد سليمان كانت إحدى هذه الأرواح التي لم تعرف الاستسلام، بل اختارت طريق النضال، متسلحة بالفن والأمل والإرادة.

الشهيدة ديالا محمد سليمان.. روحٌ تغنّي للحياة رغم غيابها
الشهيدة ديالا محمد سليمان.. روحٌ تغنّي للحياة رغم غيابها
الشهيدة ديالا محمد سليمان.. روحٌ تغنّي للحياة رغم غيابها
الإثنين 5 مايو, 2025   03:40
الرقة
مزكين علي

في أحد أحياء مدينة كوباني في إقليم شمال وشرق سوريا، أبصرت النور ديالا سليمان عام 2004. كانت طفلة لا تفارق الابتسامة ملامح وجهها البشوش، متخذة المحبة للجميع أساساً لحياتها.

في ظلّ التحديات الكبيرة التي تواجهها إقليم شمال وشرق سوريا، يظلّ اسم كل شهيد وشهيدة حيّاً في ضمير الشعب، رمزاً لقيم آمنوا بها حتى آخر نفس، وتبقى دماؤهم هي الشعلة التي تضيء درب الحرية والكرامة. هذه التضحيات تذكر الأجيال بأن الوطن ليس أرضاً فحسب، بل دم يسفك، وعهد لا ينكث.

ولدت ديالا محمد سليمان في مدينة كوباني في الأول من كانون الثاني من عام 2004، لتنشأ لاحقاً في الرقة وسط عائلة عرفت بالتزامها بالقيم الإنسانية والأخلاقية.

درست المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدرسة البحتري الواقعة في مدينة الرقة. لم تكن ديالا مجرد شابة تحمل حلماً عادياً، بل كانت شعلة إبداعٍ وعطاء، قررت أن تخصص حياتها لخدمة مجتمعها، حاملة معها آلة الطنبور (البزق) وكلمات الأمل.

انضمت ديالا عام 2023 إلى حركة هلال زيرين لثقافة المرأة بإقليم شمال وشرق سوريا، لتصبح واحدة من المؤسسات الأوائل للمشروع الثقافي والإنساني الذي يهدف إلى بناء جيل واعٍ من خلال الفن والتراث. شاركت بفعالية في الاحتفالات والندوات، وتميزت بشجاعتها ووجودها الدائم في مقدمة الصفوف. 

لم تكتف بتعلم العزف على آلة الطنبور، بل حولت موهبتها في الغناء والعزف إلى جسر للتواصل مع الشابات والشباب، في مركز هلال زيرين.

وصفها زملاؤها بـ "القوية صاحبة الإرادة الصارمة"، والتي كانت تدخل البهجة إلى قلوب من حولها بأسلوبها الخلوق وطريقة تعاملها الحنونة.

حرصت على المشاركة في فعاليات تدعم المجتمع والدفاع عنه من جميع التهديدات الخارجية، لتشارك في المناوبة على سد تشرين لأكثر من مرة مع أهالي إقليم شمال وشرق سوريا.

رافقت أهالي مقاطعة الرقة والطبقة ودير الزور عدة مرات من أجل الاحتجاج على سد تشرين والوقوف مع قوات سوريا الديمقراطية المرابطة على جسم السد.

كان صوتها دائماً يصدح بالأغاني الثورية والفلكلورية الداعمة للمقاومة ضمن المحتجين، وتصر من خلالها على استمرار المقاومة.

في مشاركتها الأخيرة مع أهالي مقاطعة الرقة والطبقة ودير الزور في الاحتجاج على سد تشرين، استشهدت ديالا سليمان في 23 نيسان لتكون إحدى شهيدات مقاومة سد تشرين، وذلك جراء سقوط أحد جدران السد عليها.

والدة الشهيدة ديالا محمد سليمان فردة شيخو قالت: "فخورون بابنتنا، وفخورون باستشهادها، فقد كانت تتمنى هذا اليوم لتنال أسمى آيات الشهادة في سبيل حرية روج آفا وشعبها".

وأكدت فريدة شيخو أن ابنتها انطلقت إلى ساحة المواجهة بإرادتها الكاملة، قائلةً: "كانت تملك روحاً رفاقيةً عالية، لم يمنعها أحد، ولم يقوَ عليها سوى الموت".

وأضافت بحزن يمتزج بالفخر: "ديالا حرقت قلبي، ولن أتمناها لأي أم... لكنني أحمد الله أنها استشهدت أثناء الدفاع عن أرضها وشعبها".

إرث لا ينسى

ترك رحيل ديالا صدمة في أوساط مجتمع الرقة وكوباني، لكنها خلفت وراءها إرثاً من النضال الهادئ، تقول والدتها: "ديالا لم تمت، بل صارت ذكرى تتناقلها الأجيال".

في مركز "هلال زيرين"، ما زالت صورتها معلقة بجانب آلة الطنبور، وكأنها تذكر الجميع بأن الروح الإنسانية أقوى من الموت.

اليوم، تحولت قصة ديالا إلى رمز للفتاة الكادحة التي حولت أحلامها الصغيرة إلى مشروعٍ كبير، وبرغم رحيلها المبكر، إلا أنها نجحت في أن تسكن قلوب الناس، لا بيوتهم، كما أرادت.

واختتمت والدة الشهيدة ديالا والدمعة في عينيها "سوف أسير على درب الشهداء حتى إنهاء الإرهاب في عموم سوريا، ومساندة قوات سوريا الديمقراطية.

شغف بالفن، وإصرار على البذل

ملاك شيخ محمد، عضوة في مركز هلال زيرين وصديقة الشهيدة ديالا، قالت عنها: "عرفت ديالا بحبها العميق للحياة، وبمحاولاتها الدؤوبة لخلق مساحة للجمال وسط الظروف الصعبة".

وكانت تؤمن بأن الفن سلاح لتغيير الواقع لم تفارق آلة الطنبور يدها، وكثيراً ما كانت تحيي الأمسيات بألحانها الشجية، وكلماتها التي تحمل رغبة جامحة في إسعاد الآخرين، تعبّر صديقتها.

واليوم، أصبحت قصة ديالا رمزاً للفتاة الكادحة التي حولت أحلامها الصغيرة إلى مشروع كبير. ورغم رحيلها المبكر، إلا أنها نجحت في أن تسكن قلوب الناس، وليس بيوتهم، كما كانت تريد.

(أ)

ANHA