الشغور الرئاسي في لبنان مستمر وحرب غزة تعقّد المشهد

منذ تشرين الأول 2022 ولبنان يعاني من أزمة الشغور الرئاسي، رغم جميع المبادرات الداخلية والخارجية، ويرى اللبنانيون بأن لا أحد من الفرق السياسية يملك القرار الذاتي الحر، فكل طرف سياسي مرتبط بأجنداته الخارجية ومصالحه الشخصية.

الشغور الرئاسي في لبنان مستمر وحرب غزة تعقّد المشهد
22 حزيران 2024   06:30
بيروت
رانيا عبيد

على الرغم من المبادرات والمباحثات والجولات والوفود الخارجية التي تسعى إلى فكّ المعضلة الرئاسية، وانتخاب رئيسٍ للبلاد في لبنان، إلا أن المشهد السائد يبقى لإقفال أبواب المجلس النيابي أمام انتخاب رئيس؛ وما زاد الوضع تعقيداً، الاشتباكات على الجبهة الجنوبية اللبنانية بين حزب الله وإسرائيل منذ اندلاع حرب غزة، ما يضع الحلحلة في الملف الرئاسي إلى ما بعد هذه الحرب.

هذا، منذ انتهت ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون في 31 تشرين الأول 2022، وعقد المجلس النيابي لعشرات الجلسات لانتخاب رئيس جديد دون أن ينجح في ذلك.

على أرض الواقع، رئيس مجلس النواب نبيه بري يصرّ على أن الحل يكمن بحوارٍ بين الأطراف السياسية، لإيجاد تسوية معينة أو مرشح ثالث يكون توافقياً قبل الدعوة إلى عقد جلسات جديدة، وهذا ما ترفضه المعارضة بوصفه ضرباً للدستور وخروجاً عن القوانين.

انتخاب رئيس في لبنان مرتبط مباشرةً بوقف حرب غزة

على الرغم من المواقف اللبنانية الداعية إلى عدم ربط الملف الرئاسي بالحرب بين إسرائيل وحماس، إلا أن حزب الله يساند غزة منذ الثامن من تشرين الأول، في حربها من خلال العمليات العسكرية والقتالية اليومية بينه وبين إسرائيل في الجنوب، ما ينعكس على الداخل اللبناني سلباً في الملفات كافة، لاسيما في الملف الرئاسي.

لا شك بأن دول المنطقة تأثرت بالحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، إلا أن لبنان يخسر كل يوم في فتحه لجبهة الجنوب، ويتمثل ذلك بدمار القرى الجنوبية وقتل المدنيين وتهجير أهل الجنوب؛ تقول مصادر سياسية لوكالتنا أن استمرار الحرب على جبهة الجنوب لن يخرج الاستحقاق الرئاسي من مأزقه، بل سيضعه في قالب العرقلة المستمرة، أما المبادرات الرئاسية المطروحة فهي شكلية ولن تغير في الواقع المأزوم.

العميد الركن الطيار المتقاعد أندريه بو معشر، تحدث في هذا السياق لوكالتنا، رابطاً الحل في غزة ولبنان بثلاثة مستويات؛ في المستوى العسكري، قال بو معشر: "لا يمكن تحقيق وقف إطلاق النار من قبل حماس دون موافقة إيران".

في مستوى التفاوض، يرى بو معشر أن التوصل إلى التفاوض لا يمكن أن يتحقق من دون قطر ومصر، أما المسار السياسي، فمربوط بالتدخل السعودي، إذ لا يمكن التوصل إلى حل سياسي من دون السعودية.

وأضاف بو معشر أن وقف إطلاق النار يجب أن يؤدي إلى بدء الحل السياسي، وإلا سيراوح الوضع مكانه، ونوّه: "يجب إنجاز التوافق ما بين السعودية وقطر ومصر وإيران للتوصل إلى حل، وإلا سنبقى في حالة من التخبط، وبالتالي ستستفيد إسرائيل من الوضع لتعزيز شروطها وحظوظها التفاوضية".

المعركة أيدلوجية أكثر مما هي عسكرية

بو معشر رأى أن الانتصار لا يمكن أن يتحقق مع كل هذه الخسائر في الأرواح والممتلكات، وتبقى الغاية النهائية للمعركة أيديولوجية أكثر مما هي عسكرية.

في الرئاسة، يرى بو معشر أن حزب الله يستمر في دعمه للمرشح سليمان فرنجية، بما يتماشى مع مصالحه وضماناته على الساحة السياسية والعسكرية والاستراتيجية، أما الذهاب نحو الحوار أو نحو مرشح ثالث؛ فهو غير جاهز لهذه الخطوة وليست لصالحه في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، فهو لن يمضي بمرشح تكون سياسته مخالفة لسياسة ونهج "المقاومة".

وأكد بو معشر أن لبنان حكماً مرتبط بجبهة غزة، وحزب الله قد يفصل ملف الرئاسة عن الجنوب في حال تمت التسوية على انتخاب مرشحه سليمان فرنجية، وغير ذلك هو مضيعة للوقت.

وفي سؤال حول من يملك القرار في لبنان، نوه بو معشر: "لا أحد من الفرق السياسية يملك القرار الذاتي الحر، فكل طرف سياسي مرتبط بأجنداته الخارجية ومصالحه الشخصية".

هل السعودية مفتاح الحل الرئاسي؟

يرى بو معشر أن المسار السياسي يبقى للسعودية، فتدخّلها بشكل مباشر في الملف الرئاسي يمكن أن يدفع نحو التوصل إلى انتخاب رئيس من خلال إعطائها حوافز وضمانات للأطراف السياسية كلٍ بحسب مصالحه، فما من لاعب إقليمي يمكنه أن يضمن التسوية الرئاسية إلا السعودية.

بو معشر عدَّ أن الإشكالية الأساسية هي أن اللاعبين المسيحيين في لبنان، أي حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، فشلا في إيجاد مرشح لإقناع الأطراف الأخرى، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن، مما سيعرقل الوصول إلى انتخاب رئيس في اللعبة الديمقراطية.

وبيّن بو معشر أن: "التيار الوطني الحر يمكنه أن يمضي بترشيح فرنجيه بما يتماشى مع ضمانات معينه وحوافز معينه، يمكنها أن توازي حجم هذا التنازل، كذلك الأمر لدى القوات اللبنانية والأحزاب الأخرى التي تعارض وصول فرنجية إلى الرئاسة".

بو معشر يعتقد أن حزب الله لديه منطقين وهما الرفض والفرض، فهو لا يستطيع أن يفرض رئيساً، لكنه يستطيع أن يرفض مرشحاً معيناً، وبالتالي من يستطيع أن يفرض الرئيس فهو السعودية وأمريكا من خلال تقديم ضمانات معينة للأطراف السياسية.

وعن الحوار الذي يقترحه رئيس المجلس النيابي نبيه بري لحل الأزمة الرئاسية، يرى بو معشر أن برّي هو الممسك الوحيد بإيقاع الحوار، وهو من يقرر نتائج أي حراك سياسي.

أندريه بو معشر أوضح: "أنه في تاريخ لبنان لم يأتِ أي رئيس إلا من خلال غطاء إقليمي وجهد دولي، فالتدخل الخارجي يبقى العامل الأكبر لانتخاب الرئيس، وهذا يدل على أن لبنان فاقد للسيادة والكرامة، أما التحركات والجهود والوفود والمبادرات فتبقى في إطار الشكليات، وعلينا النظر إلى الكواليس الرئاسية، حيث الضمانات الشخصية لإنجاز هذه التسوية الرئاسية وفق مصالح كل فريق سياسي".

(أ ب)

ANHA