الإيزيديون في شنكال بين مطرقة سياسة PDK وسندان الإبادة

يعاني الإيزيديون في جنوب كردستان، وخاصة في قضاء شنكال بشكل كبير من تداعيات سياسة الحزب الديمقراطي الكردستاني، فمن جهة يقرب بعض الشخصيات المحسوبة على حزبه من مناصب قيادية، ويحيك المؤامرات ضدهم ويتسبب بالمجازر بحقهم، ومنذ الفرمان (مجزرة) الأخير عام 2014، لم تتوقف محاولات الإبادة بطرق مختلفة، يسميها الإيزيديون "بالفرمان الأبيض والقانوني".

الإيزيديون في شنكال بين مطرقة سياسة PDK وسندان الإبادة
16 آب 2024   06:20
مركز الأخبار 
سيبان سلو

ما زلنا، نعيش أحداث شهر آب عام 2014، الذي يصفه المجتمع الإيزيدي بالأسود، كونه كان شاهداً على أكثر المجازر وحشية في القرن الواحد والعشرين، مجزرة يعرفها الإيزيديون بالفرمان الـ "74"، راح ضحيتها الآلاف من الإيزيديين، واختطفت أكثر من 6 آلاف امرأة وطفل إيزيدي على يد مرتزقة داعش بعد هجومهم على قضاء شنكال في الـ 3 من آب 2014، بعدما فرّت بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني وتخلّت عن مسؤولية حماية القضاء.

مجزرتان في شهر واحد وعامان مختلفان

ورغم أن قيادات البيشمركة ومسؤولي الفرع 17 للحزب الديمقراطي الكردستاني وقبل أيام من الفرمان، كانوا يروجون أن البيشمركة مستعدة للدفاع وأن داعش لن يهاجم، لكن ما حدث كان عكس ذلك؛ فالبيشمركة فرّت قبل أن تهاجم داعش شنكال بساعات.

وفي مقاطع صُوّرت من قبل الأهالي، لعناصر من البيشمركة أثناء فرارهم، تؤكد أن الأوامر جاءت من القيادة العليا للانسحاب دون مقاومة.

ولم تكن هذه المجزرة الوحيدة التي ارتكبت بحق الإيزيديين خلال شهر آب، ففي الـ 14 من آب عام 2007 حدثت انفجارات وكان الممهد لها الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث دخلت 4 شاحنات تحت مسمى تبرعات غذائية لقريتي سيبا شيخ خدر، وتل عزير، وكانت محملة بالمتفجرات، ورغم وجود حاجز لقوات الحزب الديمقراطي الكردستاني إلا أنها دخلت دون تفتيش.

وتسببت هذه الانفجارات باستشهاد ما يقارب 800 شخص وإصابة أكثر من 1500، وحدوث دمار كبير في منازل القريتين.

وبالعودة إلى ما حدث بعد هذه المجازر، وخاصة ما بعد 2014، وبدلاً من أن يخطو الحزب الديمقراطي الكردستاني خطوات ولو حتى إنسانية تجاه المجتمع الإيزيدي الذي عانى الكثير، إلا أن ما حدث بيّن استمرار تآمره على الإيزيديين وتنفيذ المخططات ضدهم.

أكذوبة تحرير شنكال وخلق انتصار وهمي

في الـ 13 من تشرين الثاني عام 2015، تمكنت وحدات مقاومة شنكال وقوات الدفاع الشعبي من تحرير مدينة شنكال بالكامل من مرتزقة داعش، ولأن PDK، أراد خلق انتصار وهمي، سارع مسعود البرزاني في يومها بالتوجه لقضاء شنكال، والوقوف بمقربة من مركز المدينة، وعقد مؤتمر صحفي، قال فيه "جئت إلى هنا لأعلن تحرير شنكال".

ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف محاولات بيشمركة الحزب الديمقراطي من التوغل في شنكال، واستشهد وأصيب عدد من الإيزيديين برصاصاتهم لأنهم منعوا ذلك، ورفضوا عودة البيشمركة.

هجوم وشهداء برصاص قوات PDK

في الـ 3 من آذار عام 2017، شنت قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني هجوماً على ناحية خانصور، أسفر عن استشهاد مقاتلين من وحدات مقاومة شنكال وقوات الدفاع الشعبي والصحفية نوجيان أرهان، وعضوة حركة المرأة الإيزيدية ناز نايف، ووقف الأمهات الإيزيديات أمامهم ورفضوا دخولهم بشدة.

ولأن البيشمركة لم تستطع تنفيذ سياسة تركيا الاحتلالية في شنكال، فقد تعرض القضاء لأول هجوم جوي من قبل طائرات الاحتلال في الـ 25 من نيسان 2017 أي بعد هجوم خانصور بفترة قصيرة، ومنذ ذاك الوقت تستمر هجمات الاحتلال التركي على القضاء ووصلت إلى أكثر من 30 هجوماً جوياً، إلى جانب محاولات مستمرة من PDK  التوغل في شنكال.

اتفاقية بغداد وهولير

بتاريخ الـ 9 من تشرين الأول عام 2020، أعلنت حكومة مصطفى الكاظمي وسلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني في هولير، عن اتفاقية ضد المجتمع الإيزيدي في القضاء، تحت مسمى تنظيم الأمور الأمنية والإدارية في قضاء شنكال.

الاتفاقية جاءت في ذات التاريخ الذي بدأت فيه المؤامرة الدولية بحق القائد عبد الله أوجلان منذ بداية إخراجه من الشرق الأوسط في الـ 9 من تشرين الأول عام 1998، واستمرت حتى اعتقاله في 15 شباط 1999، لتشير التواريخ المتطابقة إلى أن المتآمرين يسعون لتجديد المؤامرة بأوجه كثيرة، وفي هذه المرة استهدفوا المجتمع الإيزيدي بعد الإبادة التي تعرض لها عام 2014.

ووفق نص الاتفاقية التي تم الإعلان عنها، فإنها تتألف من 3 بنود (ظاهرية)، وتضمن البند الأول "تشكيل إدارة مشتركة بالتعاون بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان"، والثاني "الترتيبات الأمنية والتي توكل مهمة الأمن للشرطة الاتحادية بالتعاون مع إقليم كردستان عبر إرسال 2500 من عناصر قوى الأمن الداخلي وإنهاء وجود باقي القوى الأمنية الموجودة فيها"، والثالث شمل "تقديم الخدمات بالتعاون بين الطرفين".

مجلس الإدارة الذاتية الديمقراطية لشنكال، وفي بيان بتاريخ الـ 23 من تشرين الثاني عام 2020 أوضح الهدف من هذه الاتفاقية:

1- القضاء على إرادة الشعب الإيزيدي، هزيمة قوات حماية الإيزيديين.

2- اعتقال الإيزيديين الذين حاربوا ضد داعش.

3- من خلال عمليات مداهمة المنازل الاستيلاء على أسلحة الدفاع عن النفس العائدة لأهالي شنكال.

4- السيطرة على الطرق الواصلة بين المدن والقرى والمجمعات ووضع حواجز تفتيش وإعاقة حركة تنقل الأهالي.

5- إغلاق حدود شنكال ومحاصرتها، وإحضار قوات مسلحة غير معروفة إلى هذه المناطق.

6- بهذا الشكل ستتم إعادة الذين ساندوا داعش وكانوا سبباً في خطف وبيع وقتل الإيزيديين في شنكال إلى المنطقة".

وتابع المجلس "تطبيق هذه البنود نسميه الفرمان الـ 75 على المجتمع الإيزيدي. الآن شنكال والشعب الإيزيدي تحت خطر إبادة تتم باسم القانون. الأشياء التي لم يستطع مرتزقة داعش فعلها في شنكال تحاول العراق القيام بها ضد الإيزيديين تحت مسمى فرض القانون".

ومنذ الـ 9 من تشرين الأول عام 2020 بقي المجتمع الإيزيدي في قضاء شنكال في حالة مقاومة مستمرة ضد الاتفاقية والموقعين عليها.

ولم يغب الدور التركي عن هذه الاتفاقية أبداً، فمنذ أن فشلت تركيا في إنهاء الوجود الإيزيدي في شنكال، والتي كانت الداعم الأساسي لداعش، لم يهدأ أردوغان، وبدأ بالتهديد المستمر وسط الهجمات الجوية التي استهدفت شنكال.

وحاول الاحتلال التركي من خلال استهداف القياديين والنخبة الإيزيدية توجيه ضربات مباشرة للمقاومة والإدارة الإيزيدية، وكان التهديد المباشر لأردوغان، والذي جاء بعد فشل العراق وهولير في تنفيذ سياستهم في شنكال، قوله "قد نأتي على حين غرة ذات ليلة"، في إشارة إلى إمكانية تنفيذ هجوم تركي على شنكال.

'فشل تنفيذ الاتفاقية والعمل على تشتيت المجتمع الإيزيدي من الداخل'

تلاها، محاولة الإبادة الثقافية، عبر استهداف جوهر الإيزداتية ومحاولة خلق الفتنة بين أبناء المجتمع الإيزيدي داخل قضاء شنكال.

ولأن بنود الاتفاقية لم تنفذ، فما كان من الموقّعين إلا التوجه لتشتيت المجتمع الإيزيدي من الداخل، عبر التدخل في الشؤون الدينية للإيزيديين.

ولطالما كانت فكرة "فرّق تسد" هي الأساس لغالبية الأنظمة الحاكمة، لتسهّل على نفسها إجبار أي شعب أو مجتمع أو حتى مكوّن ديني على تأييدها وتسيير سياساتها ومخططاتها بما يخدم مصالحها.

الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي فشل في مهمته في إبادة الإيزيديين، يحاول بشتى الطرق والبحث عن "أزقة" جديدة ليعود منها إلى شنكال ويتحكم بالمشهد الإيزيدي من جديد.

بداية هذه السياسة كانت عبر اختيار حازم تحسين بك أميراً خلفاً لوالده، دون الرجوع إلى رأي عموم الإيزيديين كما العادة.

وكانت وكالتنا نشرت تقريراً في وقت سابق تحدثت فيه عن محاولات تشتيت الإيزيديين والاستعانة ببعض الشخصيات الإيزيدية لتنفيذ ذلك تحت عنوان "تحريض مستمر ولعبة من PDK.. ماذا يجري على الإيزيديين؟"

لبابا شيخ والأمير في الديانة الإيزيدية قدسية كبيرة لدى معتنقي الديانة الإيزيدية ولهما مكانة روحية خاصة في نفوسهم.

وكيل الإمارة الإيزيدية أثناء فترة الهجوم على شنكال، والأمير الإيزيدي الحالي حازم تحسين بك، وآل ششو "قاسم وحيدر ششو" اللذان كانا من الموالين للاتحاد الوطني الكردستاني سابقاً، كانوا من الذين أخلصوا للحزب الديمقراطي الكردستاني وفضّلوا مصالحهم على مصالح مجتمعهم بعد فرمان 2014.

وكانت وفاة الأمير تحسين بك والشيخ خرتو إسماعيل "بابا الشيخ" عام 2020، فرصة للحزب الديمقراطي الكردستاني كي يستفيد من موضوع إيجاد البديل وانتخاب أمير جديد وبابا شيخ جديد، لإحداث المزيد من الشرخ في المجتمع الإيزيدي، وذلك من خلال خلق رأي معارض بين قاسم وحيدر ششو من جهة، وحازم تحسين بك وعلي بافي شيخ "بابا الشيخ الجديد" من جهة أخرى.

وبالنظر إلى مرحلة ما بعد توقيع الاتفاقية الثنائية بين بغداد وهولير في الـ 9 من تشرين الأول عام 2020، فإن الحاجة إلى خلخلة المجتمع الإيزيدي، وضربه في أهم مراكزه الدينية (الإمارة وبافي شيخ) حتى لا يكون للإيزيديين أي مرجعية موحدة ومقدسة وبذلك يمكن السيطرة عليهم بسهولة، ويجعل الديانة الإيزيدية فارغة من مضمونها الديني والثقافي، ويضرب بجميع التقاليد والعادات الدينية المتجذرة عرض الحائط، ليتحكم بها أشخاص موالون له، ويفقد المجلس الروحاني الإيزيدي قدسيته التي يعرفها الإيزيديون.

وبالعودة إلى مراسم تنصيب بابا شيخ خرتو إسماعيل "المتوفى" في لالش صيف 1995 نجد أن الحاضرين هم أعضاء المجلس الروحاني والأمير آنذاك وبعض رجال الدين الإيزيديين فقط، إلا أن الحشد الغفير من الموالين للحزب الديمقراطي الذي تجمّع في لالش والوسائل الإعلامية التابعة له، التي نقلت حدث تنصيب علي بابا شيخ، يؤكد ما ينوي إليه الحزب الديمقراطي الكردستاني.

حتى أن رجالات وشيوخ جبل شنكال لم يكونوا حاضرين في مراسم التنصيب، في لعبة سعى من خلالها الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى ضرب العلاقة بين الإيزيديين في جبل شنكال وفي مناطق شيخان وباعدري القريبة من معبد لالش.

بعد ذلك ظهر على الساحة الشنكالية خلال شهر نيسان عام 2021، فرد آخر من عائلة الإمارة، وكانت هناك معلومات تؤكد أن الحكومة العراقية تنوي اختياره كأمير ممثل للديانة الإيزيدية معترفاً به لدى العراق، ما يجعل للإيزيديين 3 أمراء، وكله باتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.

خلق الفوضى ولعبة الانتخابات البرلمانية

خلال الانتخابات النيابية العراقية في الـ 10 من تشرين الأول عام 2021 والتي كان يشارك فيها حينها مرشح من حزب الحرية والديمقراطية الإيزيدي PADE، كأول حزب سياسي يمثل الإيزيديين في العراق، ومرخص من وزارة الداخلية العراقية، حدث تلاعب كبير في المراكز الانتخابية في قضاء شنكال.

وتوقفت الأجهزة الإلكترونية الخاصة بالبطاقات بشكل مفاجئ في كثير من المراكز، في حين أن العديد من الإيزيديين لم يحصلوا على أسمائهم في المراكز الانتخابية التابعين لها، في حين بقي الكثير من النازحين الموجودين في المخيمات تحت ضغط الحزب الديمقراطي الكردستاني لانتخاب مرشحيهم، وفي النهاية لم يحصل مرشح PADE على عدد كافٍ من الأصوات لتمثيل شنكال وبقي الأمر محصوراً في مرشحين اثنين من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني.

التحريض باسم الدين الإسلامي ضد الإيزيديين

وككل مرة، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبر بعض الموالين له من أشخاص يزعمون أنهم رجال دين مسلمين، حاول الاستفادة من حالة التحريض ضد الإيزيديين في شنكال، وجنوب كردستان، ولأكثر من مرة انتشرت دعوات في جنوب كردستان تدعو لمحاربة الإيزيديين، تحت مسميات مختلفة، وكان آخرها ما حدث في الـ 3 من آب الجاري، بالتزامن مع سنوية "الفرمان".

حيث انتشرت حملة تحريض شديدة ضد الإيزيديين في جنوب كردستان على مواقع التواصل الافتراضي، بعد كلمة ألقاها قائد ما يسمى "بيشمركة شنكال" قاسم ششو، وروّج لها على أنها إساءة للإسلام.

لكن ما حدث في جنوب كردستان وبتحريض منظم أثبت أن من يقف خلف ذلك هي السلطة في جنوب كردستان، والهدف هو إيجاد ثغرة للتدخل في قضاء شنكال وخلق حالة من التحريض ليظهر الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه بعد ذلك أمام الإيزيديين أنه لا يقبل بما يحدث ضدهم.

وما فعله مسؤولو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وعبر جمع شخصيات إيزيدية موالية لهم مع رجال دين مسلمين ومسيحيين في اجتماعات والإدلاء ببيانات، أثبت أن المخطط كان واضحاً وهو إظهار نفسه المدافع عن حقوقهم.

لكن موجة العودة للمئات من العوائل النازحة في مخيمات جنوب كردستان نحو شنكال بعد التحريض والخوف من النعرات الطائفية والدينية، أثبت خطورة سياسية الحزب الديمقراطي الكردستاني على المتبقين في المخيمات.

وتوضح المعطيات المذكورة آنفة، أن الإبادة بحق الإيزيديين مستمرة والمتآمرون على المجتمع الإيزيدي وعلى رأسهم الحزب الديمقراطي الكردستاني يحاولون بشتى الوسائل استهداف جوهر الدين الإيزيدي  وتنفيذ مخططاتهم المعادية.

(أم)