اختزال حل الأزمة السورية ضمن رهانات القوى المتصارعة على الهيمنة

اختزال حل الأزمة السورية ضمن رهانات القوى المتصارعة على الهيمنة
اختزال حل الأزمة السورية ضمن رهانات القوى المتصارعة على الهيمنة
22 آب 2024   07:30
مركز الأخبار
كيفارا شيخ نور

تواصل حكومة دمشق رفض دعوات السوريين لإطلاق حوار سوري يحل أزمة البلاد ويواجه أطماع القوى الخارجية، ومن بينها دعوات الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا للحوار.

الدوافع وراء تعنت حكومة دمشق

يشير السياسي السوري المعارض، فراس قصاص إلى أن ما يدفع للتعنت في رفض الحوار "موانع قبول النظام لأي حوار بنيوي تماماً، فطبيعته المجسّدة لا المؤسسة وشكل سطوته وعلاقته بالشأن العام التي تقوم على الاستفراد والاستحواذ، نظرته لنفسه ولموقعه في سوريا بوصفه مالكاً لها ولمقدراتها، ثم كيفية وصوله إلى السلطة من خلال التوريث عن نظام حازه بالقوة وكيفية حفاظه عليها من خلال أساليب العنف والحرب التي لا تقف عند حدود".

وعدّه القصاص، رئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، أن كل ما ذُكر أعلاه، يمنع حكومة دمشق من إيلاء الحوار مع أي طرف أي أهمية "كيف لنظام سياسي أن يؤمن بآليات الحوار طالما لا يعترف إلا بطبقته ومصالحه وخطته الإيديولوجية كمحددات سياسية للبلد؟ كيف له أن يؤمن بالحوار وهو لا يعترف بأي طرف سياسي آخر، ولا يسمح له بالوجود إلا لأغراض تخدم استبداده ووجوده بالسلطة؟".

مستقبل مساعي دخول الإدارة الذاتية الديمقراطية في حوار مع حكومة دمشق

ويستبعد القصاص، دخول حكومة دمشق التي تنتهج ذهنية أمنية عسكرية بحتة في التعامل مع السوريين، مستشهداً بما لحق البلاد من تدمير منذ بدء الأزمة السورية، في حوار مع الإدارة الذاتية او أي طرف سوري آخر، رامياً الاستجابة لإرادة الشعب ومكونات البلد في الحرية والتعددية واللا مركزية الديمقراطية، مؤكداً ضرورة عدم التعويل على ذلك لحل الأزمة السورية.

وعن مصير الأزمة السورية في ظل تصاعد الأزمات في الشرق الأوسط، ومدى قدرة حل الأزمة في سوريا على حلحلة قضايا الشرق الأوسط، أشار القصاص إلى أن "أزمات الشرق الأوسط معقدة ومتجذرة في الإقليم، منذ بدء ظهور الدولة الحديثة في المنطقة وبسبب البيئة السياسية والدولية التي ظهرت فيها هذه الدولة، وقبل ذلك وربما على نحو أعمق، بسبب البنية المعرفية للشخصية السائدة في منطقة الشرق الأوسط".

وأضاف: "ولعل تفجّر الأزمة السورية على هذا النحو الصارخ والصعب إنما يعود في جزء كبير منه إلى أزمة الابستمي (المعرفي) التي يعاني منها الوجود السوري وتظهر فيه بشكل مكثف؛ بسبب التنوع السوسيولوجي الذي يميز هذا الوجود، على أن مسار الأزمة السورية وطريق الحل الممكن لها بات بنسبة غالبة فيه، محكوماً بعوامل لا تنتمي للشرق الأوسط، وغير مرتبطة بالصراع الرئيس في المنطقة".

دلائل عن صراع الهيمنة على حساب السوريين

ومن بين ما تقدّم به المعارض السوري، يظهر كذلك ما يتم الحديث عنه، من مسار تقارب دولة الاحتلال التركي وحكومة دمشق، وعلى الرغم من الترويج للخلافات، فإن دمشق وخلال سياستها على الأرض وخاصة من خلال مهاجمة مناطق الإدارة الذاتية، تتجاوب مع المساعي التركية، متخلية عن شروطها السابقة حول ضرورة انسحاب تركيا من الأراضي السورية، على ما يراه المراقبون.

ويرى رئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا فراس قصاص، أن حل الأزمة السورية غير مرتبط بالتقارب بين النظامين، بل على العكس تماماً، فرهان كليهما على أن يعود بسوريا إلى البيئة التي فجّرت الأزمة، وكلاهما يراهن على تحقيق مصلحة نظامه وتدعيم وجوده على سدة السلطة كلٌّ في بلده، ولا يهمهما دفع الوضع السوري إلى انفراجة فعلية بوصلتها الأساسية تحقيق إرادة الشعب السوري في الحرية والكرامة والكفاية.

وعن طبيعة النظامين (دمشق وأنقرة) ومساعي التقارب، قال إن: "تركيا التي تحتل أراض سورية وتتدخل في الشأن السوري من زاوية عصاباتية، تتحكم بها عقدة راسخة في اجتماعها السياسي، عقدة كانت قد ظهرت وترسخت منذ أن تأسست تركيا كوريثة للإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى إثر هزيمة الأخيرة وانهيارها اللاحق على ذلك".

ويرى فراس قصاص أن: "النظام السوري لم يكن يرفض التطبيع مع النظام التركي في الفترة الماضية لأسباب مبدئية عالية، باعتبار الأخير نظاماً يحتل جزءاً من الأراضي السورية وما يعنيه ذلك من أبعاد وطنية، بل لأنه يتصارع مع النظام التركي على الهيمنة، وفي إطار هذا الصراع قام التركي بسلبه مساحة مما كان، ولا يزال يعدّه مزرعة يمتلكها ويمتلك مصيرها ومواردها وشؤونها".

وأشار رئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا إلى أنه: "لا فرق جوهري يمكن أن يحدده المرء بين رأسي النظام في سورية وتركيا، كلتا الشخصيتين تريان أن لهما دوراً تاريخياً في منطقتهما وأن مصيرهما الشخصي هو ذاته مصير بلادهما، لا مساحة تفصل في وعي كل منهما بين الدولة وبينهما، كل منهما يحاول أن يجسد السلطة كلها في شخصه، كل منهما مستبد وفاشي بحسب ما تسمح له البيئة الدستورية والقانونية وتوزع مراكز القوة في بلاده ومدى حيازتها وعلاقتها به".

"الصراع شخصي على الهيمنة بين مستبدين"

وأكد فراس قصاص أن: "التطبيع سيحصل بين النظامين وأن امتناع النظام السوري في المرحلة السابقة عن المضي على طريق إعادة العلاقات الطبيعية مع النظام التركي، كان هدفه إضعاف الأخير أمام المعارضة في بلاده قبل الانتخابات الرئاسية، ورغبته في أن يصبح رئيس النظام التركي خارج معادلة السلطة في بلاده، وذلك كله في سياق الصراع الشخصي على الهيمنة بين مستبدين".

ويعتقد المعارض السوري: "بأنه وخلافاً للضغط الذي تمارسه روسيا على النظام السوري لحصول مثل هذا التقارب، أصبح لهذا النظام مصلحة إضافية ومستجدة في التطبيع مع أردوغان، مصلحة تتعلق بإعادة هندسة علاقاته الخارجية بشكل يسمح له باستعادة زمام السلطة والنفوذ داخل سورية من تغول إيران وميليشياتها على نحو خاص وعلى المدى القريب والمباشر، بالطبع إعادة تدوير النظام وتعويمه خارجياً يقويه وينعكس بشكل كبير على قدرته في استعادة وزنه الداخلي وسلطته إزاء كل من ينافسه عليها كائناً من كان".

وأوضح قصاص: "يريد النظام السوري العودة بسورية إلى ما قبل 15 آذار من عام 2011، لتعود سطوته على البلد إلى ما كانت عليه في ذلك التاريخ، ولا يمانع التركي بدوره في ذلك بل لعل التركي يحرص أكثر على العودة بالوضع في سورية إلى ما قبل ثورة شمال وشرق سورية، التي رفعت مبادئ الديمقراطية والتعدد واللا مركزية والاعتراف بالآخر. والتي تخيفها وتتناقض مع قيم الدولة التركية ومبادئها الطورانية والقومية الاقصائية، وهي حريصة بشدة إلى العودة بالتاريخ إلى ما قبل مرحلة اللجوء التي بات يعاني آثارها ويريد التخلص من تبعاتها في الداخل التركي".

"النظام التركي أثبت أن لا مبادئ له"

وأكد فراس قصاص أن النظام التركي أثبت أن لا مبادئ له، وأنه مستعد لعمل كل شيء وأي شيء طالما تطلبت ليس مصلحة تركيا ذلك، بل مصلحة بقائه في السلطة وحسب، وقال: "لذلك أعود وأقول الرهان على تعميق الأزمة السورية هو ما يمكن أن يحمله التطبيع بين النظامين لبلدنا".

أما بخصوص ماهية الوضع الطبيعي بين البلدين يعتقد القصاص أنه: "لا يمكن لأحد الحديث عن وضع طبيعي يجمع البلدين إلا بحصول تغيير في طبقة السلطة فيهما، إذ كيف يمكن لدولتين ترزحان تحت وطأة نظامي حكم غير معنيين إلا بمصالحهما أن يحققا مصالح شعبيهما وهما خارج دائرة حساباتهما الأساسية وتتناقض مع المصلحة العامة لبلديهما، لذلك فاتفاقهما الذي سيقوي كل منهما سيكون بشكل طبيعي ضد مصلحة بلديهما، لأنهما سيكونان أكثر قدرة على إحكام قبضتيهما عليهما كلِ من طرفه، فكل منهما سيساعد الآخر في إحكام قبضته على بلده بصورة جدلية، في حين أن اختلافهما والحال هذه سيشعل صراعاً سيخسر منه البلدان معاً".

ويرى رئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، فراس قصاص أنه سواء اتفق هذان النظامان أو اختلفا، في كلا الحالتين سيسبب وجودهما على سدة السلطة في بلديهما الخسارة لشعبا البلدين دائماً وحتماً.

(أم)