في ذكرى الهجوم على كوباني.. حربٌ شاملة ضد شعب المنطقة لا تزال مستمرة - 2
بعد 9 أعوام من إعلان داعش الحرب على كوباني، تشير الأوضاع على الأرض اليوم إلى أن الحرب المعلنة ضد المنطقة من جميع الجهات والأطراف، لا تقتصر على الهجمات العسكرية، وإنما تتعرض المنطقة لأنواع خطيرة وقذرة من الحرب الخاصة تديرها العديد من القوى بهدف إضعاف قسد والإدارة الذاتية وإفشال هذه التجربة.

نكمل اليوم في سياق حديثنا عن الذكرى السنوية التاسعة لبدء داعش الحرب على مدينة كوباني في الـ15 من أيلول/سبتمبر عام 2014، إذ يأتي هذا الملف كجزءٍ ثانٍ لملف آخر نشرناه يوم أمس.
نهاية داعش
بعد إكمال تحرير قرى كوباني والبلدات المحيطة، أعلن في شمال وشرق سوريا عن تشكيل قوات سوريا الديمقراطية، لتضم وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة إلى جانب تشكيلات عسكرية أخرى عربية وسريانية وانضم إليها أبناء مناطق شمال وشرق سوريا.
وتولت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مهام تحرير مدن شمال وشرق سوريا من داعش، فكانت أبرز المدن التي جرى تحريرها منبج والرقة والطبقة وريف دير الزور الشمالي والشرقي، حتى القضاء على وجوده الجغرافي في آخر معاقله بالباغوز في ريف دير الزور الشرقي في آذار/مارس عام 2019.
وشكل تحرير منبج في آب/أغسطس عام 2016، بعد نحو عام ونصف من تحرير كوباني، ضربة قاضية لداعش، إذ كانت المدينة عاصمة المرتزقة الأجانب القادمين من خارج سوريا، كما مكّن تحرير منبج من فصل مناطق احتلال داعش عن الحدود التركية، وكان ذلك بمثابة قطع شريان الحياة عن المرتزقة الذين بدأوا بالانهيار يوماً بعد آخر بعد الابتعاد عن صانعتهم تركيا.
لكن بقي خطر داعش مستمراً، ولا زالت خلاياه النائمة حتى يومنا هذا تهدد حياة السكان، بالإضافة إلى قيام المرتزقة بشن هجمات على قرى ومدن المنطقة، لعل أبرزها كان الهجوم على سجن الصناعة في الحسكة مطلع عام 2022 ومحاولة إخراج الآلاف من مرتزقة داعش المعتقلين، وهو ما كان سيعني عودة المرتزقة لتنظيم صفوفهم وإعادة الانتشار في سوريا والعراق، لولا سيطرة قسد على الأمور.
الحرب مستمرة
كان استهداف داعش لثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا حلقة من الحرب الشاملة المعلنة ضد المنطقة وشعبها الثائر. ولم تكن هذه المعارك هي الوحيدة، فبالتزامن مع استمرار الحرب الهادفة للقضاء على المرتزقة، وعندما استشعرت تركيا أن حربها بالوكالة عن طريق داعش توشك على الانتهاء، ورهانها يخسر، أعدت العدة لشن هجمات مباشرة ضد روج آفا.
إذ شنت تركيا هجوماً برياً وجوياً على مقاطعة عفرين شمال غرب سوريا، مطلع عام 2018، واحتلت المدينة في الـ18 من آذار/مارس، بعد 58 يوماً من المعارك الضارية التي خاضتها قوات سوريا الديمقراطية دفاعاً عن عفرين.
بعد عام ونصف من احتلال عفرين، وجهت تركيا فوهة الحرب صوب مناطق كري سبي/تل أبيض وسري كانية/رأس العين التي حررت في أعوام سابقة من النصرة وداعش، واحتلت تركيا المنطقتين في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 بعد نحو 6 أشهر من إعلان قسد القضاء على الوجود الجغرافي لداعش.
لقد بدا واضحاً أن تركيا بدأت السير على خطى داعش وتنفيذ ما لم يستطع داعش تحقيقه، أي احتلال كامل الجغرافية على امتداد الحدود السورية – التركية بعمق يزيد عن 30 كيلو متراً.
إذ كانت تركيا قد احتلت في 2016 مدن جرابلس، الراعي، إعزاز والباب بريف حلب الشمالي الشرقي، ثم عفرين عام 2018 ثم كري سبي وسري كانية عام 2019، ولا تزال تحتفظ بنوايا احتلال باقي المناطق الحدودية لإقامة ما تسمى بـ"المنطقة الآمنة"، التي ستشكل لاحقاً أرضية لتنفيذ الميثاق الملي الذي تدّعي تركيا بموجبه أن لها ملكية على شمال سوريا والعراق من حلب حتى الموصل وكركوك كإرث عثماني غابر.
لذلك تواصل تركيا دون توقف شن الهجمات على شمال وشرق سوريا، برفقة مجموعاتها المرتزقة الذين انضم إليهم لاحقاً عناصر داعش الهاربين من المعارك التي قادتها قسد، وارتدوا العباءة التركية للعودة إلى المناطق التي طردوا منها.
إرادة الشعوب تنتصر
ليست تركيا وحدها من تحارب ثورة روج آفا ومكتسباتها، هنالك حكومة دمشق ومعها إيران وروسيا الذين يريدون إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل العام 2011، إذ تحاول هذه الأطراف مجتمعة ضرب الثورة والإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التي تشكلت بعد اندلاعها.
لذلك، فإن الأوضاع على الأرض تشير اليوم إلى أن الحرب المعلنة ضد المنطقة من جميع الجهات والأطراف، لا تقتصر على الهجمات العسكرية فحسب، إنما تتعرض المنطقة لأنواع خطيرة وقذرة من الحرب الخاصة تديرها هذه القوى بهدف إضعاف قسد والإدارة الذاتية وإفشال هذه التجربة.
ولعل أبرز وجوه هذه الحرب الخاصة، هي مساعي بث الفتنة بين المكونات، وبشكل خاص السعي لإشعال فتيل صراع كردي – عربي، وكانت الأحداث الأخيرة في دير الزور ومحاولة تأليب العشائر العربية ضد قسد خير مثال على ذلك.
إلى جانب الحصار المفروض على المنطقة من جميع الجهات، وكان إغلاق معبر تل كوجر/اليعربية أمام المساعدات الدولية القادمة إلى مناطق شمال وشرق سوريا أبرز حلقات هذا الحصار على المنطقة التي تأوي مئات الآلاف من المهجرين والنازحين من المناطق السورية والعراق.
كما تحبس تركيا حصة سوريا والعراق من نهر الفرات الذي يعتبر شريان الحياة بالنسبة لمناطق شمال وشرق سوريا، ويجري الاعتماد عليه لتأمين مياه الشرب لمدن كبيرة مثل حلب والرقة ودير الزور وكوباني والطبقة وغيرها العديد من المدن وآلاف القرى، كما يعتمد على النهر لتوليد الكهرباء عبر 3 سدود تديرها الإدارة الذاتية، إلى جانب تأمين مياه الري لمئات الآلاف من هكتارات الأراضي الزراعية في منطقة تعتبر السلة الغذائية لسوريا.
كل ذلك إلى جانب حبس مياه الشرب عن المليون نصف المليون نسمة في مقاطعة الحسكة.
كما أن تركيا ومعها الأطراف الأخرى المعادية للإدارة الذاتية، تصب كل جهودها في سبيل فرض عزلة دولية على الإدارة من خلال عدم إشراكها في اجتماعات ونشاطات تناقش سبل إيجاد حل للأزمة السورية، وأبرزها اجتماعات اللجنة الدستورية واللقاءات الدولية الأخرى.
كما جندت تركيا والأطراف المعادية الأخرى شبكة من العملاء في المنطقة يعملون على نشر القلاقل والفوضى في المنطقة ويحاولون إضعاف ثقة شعوب المنطقة بالإدارة الذاتية.
إضافة إلى مساعي نشر المخدرات بين صفوف المجتمع، وهو ما يريد من خلاله الأعداء دفع السكان إلى الهلاك وإشغاله عن قضاياه الأساسية المتمثلة بالدفاع عن الهوية والوجود والعمل من أجل الديمقراطية وتحقيق الحرية.
وأخيراً، بدأ الترويج لموضوع الهجرة مع فتح الحدود على مصراعيه، من جانبي حكومة دمشق وتركيا، لإفراغ المنطقة من السكان وخاصة الفئة الشابة.
وعند الجمع فيما بين كل هذه الأساليب المعتمدة في سياق الحرب ضد المنطقة، والتي يتعايش السكان معها بشكل يومي، يمكن رؤية أن الحرب ضد روج آفا وشمال وشرق سوريا لم تتوقف، وهي لا تزال بذات الوتيرة التي كانت عليها إبان معركة كوباني، ولكن الأساليب مختلفة.
وتضع هذه التطورات شعب المنطقة أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما انتهاج المقاومة والاعتماد على الذات كما حصل إبان معركة كوباني وتحقيق نصر ساحق، أو الاستسلام والسير نحو الزوال.
ولا بد من الإشارة إلى أن القوى الدولية مطالبة بدعم مناطق شمال وشرق سوريا في وجه آلة الحرب متعددة الأوجه، كما أبدى دعمه قبل 9 أعوام عندما حارب أبناء روج آفا وشمال وشرق سوريا داعش نيابة عن العالم والإنسانية جمعاء، وأنهى خطر داعش الذي كان يستعرض إرهابه في المدن والعواصم الغربية ويسفك الدماء ويزهق الأرواح.
فاليوم، يواجه هؤلاء الذين أنقذوا العالم قبل أعوام حرباً تهدد وجودهم، لذلك فإن الواجب الأخلاقي والإنساني يحتم على الجميع التحرك سريعاً.
لكن على الرغم من كل ذلك، لا تزال شعوب المنطقة ثابتة وصامدة ولم تنجح الحرب الشاملة بكل أساليبها من تحقيق أهدافها، لتنتصر إرادة الشعوب على استبداد الأعداء.
(د)
ANHA