ثورة المرأة في روج آفا من أصالة الآلهة - 4

مع هيمنة الإمبراطوريات الذكورية؛ تعرّض الأساس الرئيس للمعتقدات العريقة والعبادات الأقدم المتمثلة بعبادة الآلهة في شرق وغرب الفرات للتدمير، وجرى السعي للقضاء على نمط الحياة القائم على عبادة الآلهة.
لقد امتدّت جذور الإلهة كوبابا عميقاً على طول الخط الممتد بين جرابلس وإعزاز ومارع، وتُعدّ الإلهة العظمى لمملكة قرقمش والإلهة الهورية (الحورية) الأم كيبل، كما تُعرف بأنّها إلهة البركة والحرب وأمّ العديد من الآلهة في الأناضول، ويعود أصل اسمها إلى الكلمة السومرية (كوغ) والتي تعني "الأم".
كانت كوبابا الإلهة والمعبودة الرئيسة لمملكة قرقميش التي عمل سكانها في التجارة والزراعة لنحو 800 عام، وتأثّرت العديد من الحضارات بثقافة كوبابا؛ منها الفريجية (فريجيا: إقليم قديم في الوسط الغربي من الأناضول) والحثيّة. وتشير الحفريات الأثرية وعمليات التنقيب الحالية إلى أن ثقافة الإلهة الأم في ميزوبوتاميا العليا والأناضول والمتمثلة بكيبل قد انتشرت في مناطق عديدة بإلهام من الإلهة كوبابا وتغيّر اسمها.
في روج آفا
يقع جزء كبير من الأراضي التي حكمتها الإلهة كوبابا ضمن حدود روج آفا وشمال وشرق سوريا، فمملكة قرقميش وهي مركز معتقد كوبابا تشمل الآن منطقة الشهباء، وجرابلس، والباب، وكوباني وكلس وديلوك.
تُظهر البقايا الأثرية التي عُثر عليها في مارع، وإعزاز، وجرابلس والآثار المستخرجة من تشرين، أسماء كتلة إنانا، ومغارة البنات، والآثار القديمة، بالإضافة إلى آثار ثقافة الإلهة الأم على هذه الأرض والتي عُثر عليها على أنقاض ممالك علالة، إيبلا وماري؛ وآثار ثقافة الآلهة العظمى في هذه المناطق.
سعت العقلية الأبوية الذكورية إلى القضاء عليها
تكشف المعلومات الموجودة على الأثريات الباقية من ممالك علالة وإيبلا وماري، أن قرقميش كانت تابعة لمارع وهي حالياً عبارة عن بلدة في الشهباء، فقدت قرقميش استقلالها في القرن 9 قبل الميلاد وخضعت لسيطرة الآشوريين والبابليين ثمّ الرومان الذين يمثّلون الإمبراطوريات الأبوية الذكورية، وقد تم إسقاط وتدمير نظام عبادة كوبابا وجرى السعي إلى القضاء على الحياة القائمة على ثقافة الآلهة، وتم التخلي عن هذه المنطقة (قرقميش) نهائياً بعد العصور الوسطى.
رموز كوبابا ومعانيها
تُعرف الإلهة كوبابا باسم كيبل أيضاً، لكن لا يُعرف متى ظهرت بالتحديد، وكثيراً ما تُصوّر كوبابا في العديد من المنحوتات والألواح الأثرية وهي تحمل في إحدى يديها رمانة وفي اليد الأخرى مرآة، وفي قدميها حذاء مقدمته مدببة، وترمز ثمرة الرمان إلى البركة، والازدهار، والإنتاج، وعدم الهزيمة والقوة، فيما ترمز المرآة إلى الجمال. ومن أهم رموزها القمر والأسد، إذ يمثّل الأسد القوة والإرادة والعدالة، فيما يمثّل القمر التغيّر المستمر والموت والحياة.
يُذكر أن اسم كوبابا اكتُشف لأول مرة على الألواح الأثرية الآشورية الخاصة بالتجار الآشوريين، فقد عُثر على لوح منقوش عليه صورة كوبابا وهي تحمل في إحدى يديها رمانة وفي اليد الأخرى مرآة.
ويُعتقد أنّ هذا اللوح الذي يعود لأعوام 850-750 قبل الميلاد، نُقشت عليه صورة للإلهة كوبابا.
علماء الآثار يسرقون التحف والقطع الأثرية
بدأ علماء الآثار البريطانيون عام 1910 بأعمال الحفر والتنقيب في مناطق حضارة قرقميش، وهرّبوا التماثيل والقطع الأثرية الباقية من المعابد إلى لندن، وعُثر على أولى المعلومات والدلائل الأثرية عن الإلهة كوبابا وحضارتها عام 1986، وقد قامت حكومة دمشق أيضاً بين عامي 2006-2010 بأعمال الحفر والتنقيب في كل من إعزاز والباب وجرابلس وعثروا على بعض تماثيل الإلهة كوبابا وعلى العديد من النقود التي نُقشت عليها صورها.
احتلّوا أرض الإلهة كوبابا
تعرّضت حدود الإلهة كوبابا الممتدّة بين جرابلس وإعزاز ومارع للهجمات، فقد تعرّضت مدينة جرابلس وهي إحدى مدن الإلهة كوبابا عام 2012، لهجمات مرتزقة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) لتسقط بيد مرتزقة داعش عام 2014 إثر اتفاق بينه وبين مرتزقة "هيئة تحرير الشام"، وفي الذكرى السنويّة الـ 500 لمعركة مرج دابق التي قامت بين العثمانيين والمماليك عام 1516، (في 24 من آب عام 2016)، أبرمت الدولة التركيّة مع داعش اتفاقاً احتلّت على إثره جرابلس ثمّ مدينتي الباب وإعزاز.
وفي 20 كانون الثاني عام 2018، هاجمت دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها عفرين، حيث امتدت إليها ثقافة الآلهة، واستمرت مقاومة عفرين وأهلها وصمودهم أمام الهجمات 58 يوماً، وسُطّرت في صفحات التاريخ باسم "مقاومة العصر"، استُشهد خلال هذه المقاومة 1500 مواطن ومواطنة.
إلهة العصر التي ضحّت بروحها دفاعاً عن أصلها وجذورها
أوصل الموقف الفدائي لمقاتلات وحدات حماية المرأة (YPJ) المقاومة إلى مستوىً آخر، فقد نفّذت المقاتلة في وحدات حماية المرأة زلوخ حمو (الاسم الحركي: آفيستا خابور) والتي كانت تدافع عن أرضها وجذورها، في 27 كانون الثاني عام 2018 عملية فدائية ضد جيش الاحتلال التركي في قرية حمام التابعة لناحية جندريسه، وسُجّلت هذه العملية في صفحات التاريخ كرمز لمقاومة عفرين والشهيدة آفيستا كالإلهة لهذه المقاومة.
مع احتلال بلدة مارع، دمّر المحتلون جذور وآثار ثقافة كوبابا تماماً، وحفاظاً على ثقافة الإلهة الأم، نزح أهالي عفرين المهجّرون إلى منطقة الشهباء وبنوا مخيمات النزوح ليواصلوا مقاومتهم فيها حتى تحرير منطقتهم.
(ر)
ANHA