آكار يتحدى دمشق من إدلب وباحث سوري يؤكد: تركيا تطبق التجربة القبرصية
رأى الباحث السوري الدكتور أحمد الدرزي، أن التصريحات التركية بشأن لواء اسكندون، تمثل العقل السياسي التركي الجامع، وأشار إلى أنها "تأتي كرسائل في سياق الدفاع عما أنجزته من احتلال إدلب ومناطق واسعة؛ لتؤكد أن مصير هذه المناطق سيكون كمصير لواء اسكندرون، وهي لن تخرج منها كما حدث في التجربة القبرصية".
وأعلنت دولة الاحتلال التركي رفضها بيان مجلس الشعب السوري الذي أصدره في الذكرى الـ82 لإعلان تركيا ضم لواء اسكندرون، واعتبرت أن اللواء جزء لا يتجزأ من سوريا.
وقال مجلس الشعب السوري بمناسبة الذكرى الثانية والثمانين لسلخ لواء اسكندرون، إن "الاتفاق الثلاثي بين الاحتلالين الفرنسي والبريطاني وتركيا عام 1939 لسلخ اللواء هو اتفاق عارٍ وخرقٌ فاضح لالتزامات فرنسا كدولة، وانتهاك واضح وصريح للمعاهدة التي وقّعتها مع الحكومة السورية عام 1936، وتنص حرفياً على أن تأخذ سوريا على عاتقها جميع الالتزامات التي كانت زمن الانتداب بما فيها مناطق الاستقلال الإداري".
وأضاف مجلس الشعب السوري، إن "الدور التركي المشبوه لأحفاد العثمانيين وأعوانه من المرتزقة والإرهابيين، يستمر بعد كل تلك السنين من خلال الاعتداءات الإرهابية المتكررة على الأراضي السورية واحتلال بعض أجزائها وتفكيك معاملها ومنشآتها ومصانعها وسرقتها وتهريبها إلى الداخل التركي".
نظرة دونية من تركيا لدمشق
وحملت ردود مسؤولي الدولة التركية نظرة دونية لحكومة دمشق، حيث وصف المتحدث باسم الخارجية التركية، تانجو بيلجيتش، بيان مجلس الشعب السوري بـ"الوقح وغير القانوني".
وقال بيلجيتش، في بيان أصدره بعد أيام من البيان السوري: "نرفض بشدة البيان الوقح وغير القانوني الصادر عن مجلس الشعب، الذي لا يمثل الشعب السوري بأي شكل من الأشكال، ويفتقر إلى الشرعية الديمقراطية، والذي يستهدف وحدة أراضي بلادنا".
وتابع: "كما كانت في الماضي، تمتلك تركيا العزيمة والتصميم في الوقت الحالي، وفي المستقبل، للانتقام من الأطماع الدنيئة التي تستهدف وحدة أراضيها والرد على جميع أنواع التهديدات التي تهدد مصالحها الوطنية".
وتشير تصريحات المسؤولين الأتراك إلى تمسكهم بالاحتلال المباشر للأراضي السورية وعدم اكتراثهم بالقوانين الدولية والوقائع التاريخية.
الناشط والباحث السياسي السوري والمقيم في دمشق الدكتور أحمد الدرزي، تحدث حول ذلك قائلًا: "قبل كل شيء ينبغي لنا أن نفهم كيف يفكر العقل السياسي التركي، كي نستطيع أن ندرك حدود السياسات المتبعة تاريخيًّا وفي العصر الحديث، وهو بالأساس نتاج تجربة إمبراطورية عمرها أكثر من خمسمائة عام، بالإضافة إلى السيطرة المباشرة على القرار السياسي للمنطقة الممتدة حتى شمال أفريقيا منذ القرن الهجري الثاني حتى مطلع القرن العشرين".
وأضاف: "هذا أشعر العقل السياسي التركي بأن اتفاقية سايكس بيكو واتفاقية لوزان قد نزعت من الأتراك مناطق يعتبرونها حقًّا طبيعيًّا لهم، وجزءًا لا يتجزأ من دولتهم ومن هنا تأتي حدة الهجوم على الدولة السورية، التي يعتبرونها الجزء الأهم من امبراطوريتهم المتوخاة وبوابتهم إلى الخليج وشمال أفريقيا".
وأوضح الدرزي أن "الصدمة أدت إلى تقليص وجود الدولة العثمانية بعد التدخل الغربي الواسع الذي استند إلى تآكل الإمبراطورية داخليًّا، بفعل السياسات التي أُتبِعت على المستوى الاقتصادي والذهاب نحو التتريك، بالإضافة إلى الصراعات الداخلية الدموية بين الإخوة والأعمام، وسيطرة الجواري على القرار السياسي للدولة".
وتابع: "هذا ما دفع بالعقل السياسي التركي الذي تبنّى المسألة القومية كأيديولوجيا، إلى النظر نحو الشعوب التي يعتبرها بأنها قد ساهمت كخونة في تمزيق الدولة؛ لأن يأخذ المنحى الشوفيني العنصري الاستعلائي تجاه الأرمن والعرب والكرد واليونانيين بشكل أساسي، ولم يقاربوا مسؤوليتهم عما وصلته الإمبراطورية، ومن هنا يمكننا أن ننظر إلى تصريحات وزير الدفاع التركي من منطلق الاستعلاء على دول وشعوب المنطقة وليس الدولة السورية فقط".
بُعدٌ سياسي للعقل التركي
وحول ما تمثله هذه التصريحات، قال الدرزي: "إنها تمثّل البعد السياسي للعقل السياسي التركي، بغض النظر عن الانتماء الحزبي وأنماط التفكير، وهي سياسات لا تعبّر عن سلوك الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية فقط، بل عن أغلب السياسيين الترك، مع الاختلاف البسيط حول استثمار ما تم تحقيقه في لواء اسكندرون، وبقية المناطق، بما في ذلك المكاسب التي حققوها في القوقاز، وهم لن يسمحوا لأحد بالتفكير وليس العمل على ما فعلوه في هذه المناطق، خاصةً أن الدول الغربية لا تمانع حقيقةً سياسات الاحتلال التي تتبعها تركيا في المنطقة طالما أنها تصب في مصالحها على المستوى الاستراتيجي".
لماذا أطلق آكار تصريحاته من إدلب؟
الرد الأكثر قسوة، كان من وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، حيث قال: "بيان مجلس الشعب السوري متهور ولا فرق بينه وبين هذيان شخص في غيبوبة".
وقال آكار: "نسمع بعض التصريحات الطائشة التي لا معنى لها حول (مقاطعتنا هاتاي)، وهناك بعض التصريحات التي أدلى بها جهلة"، مضيفًا: "هذه التصريحات لا تختلف عن هذيان شخص في غيبوبة، وهذا ليس له قيمة".
الرسائل التركية الأبرز لم تكن بمضمون هذه التصريحات، لكن بشكلها والمكان الذي تقصد وزير الدفاع التركي إطلاقها منه وهي المناطق التي تحتلها تركيا في إدلب.
وتحتل تركيا مناطق سورية عدة (أرياف إدلب وحلب واللاذقية وحماة، وعفرين، وسري كانيه، وكري سبي).
الدرزي، قال في هذا السياق: "تأتي هذه التصريحات كرسائل لدول الجوار، في سياق الدفاع عما أنجزته أنقرة من احتلال إدلب ومناطق واسعة من الشمال السوري؛ لتؤكد أن مصير المناطق التي احتلتها سيكون كمصير لواء اسكندرون، وهي لن تخرج منها، أبدًا كما هي التجربة السابقة في سوريا وكما هي التجربة الأقرب في قبرص، التي غزتها عام 1974، وقسمت الجزيرة من الناحية الفعلية، وعلى الرغم من عدم اعتراف أي دولة بالشمال القبرصي التركي، فإنها لم تتلقَ طلبًا جديًّا ضاغطًا للخروج من قبرص".
وفي 1974، غزت تركيا، قبرص، ردًّا على انقلاب عسكري لم يدم طويلًا من قبل القبارصة اليونانيين بهدف توحيد البلاد مع اليونان.
وظلت الجزيرة منذ ذلك الحين مقسمة بين جنوب يسيطر عليه القبارصة اليونانيون، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، وشمال قبرصي تركي تعترف به تركيا فقط.
وأكد الدرزي أن تركيا "تعتمد على تكرار نفس التجربة في إدلب والشمال السوري، بالاستناد إلى أهمية تركيا الاستراتيجية للدول الغربية، بالإضافة إلى الاستثمارات الغربية الكبيرة فيها، والتي تمنعها من اتخاذ موقف حقوقي تجاه السياسات التركية بشكل عام".
واحتلت تركيا مدن جرابلس والباب وإعزاز باتفاق ومقايضة مع روسيا عام 2016 مقابل إفراغ حلب من مرتزقتها وتسليمها لروسيا، ومن ثم احتلت عفرين عام 2018 أيضًا بمقايضة مع روسيا أخلت فيها ريف دمشق من مجموعاتها المرتزقة، وفي عام 2019 احتلت سري كانيه وكري سبي بعد ضوء أخضر أميركي. ومنذ ذلك الحين تتبع تركيا سياسة تتريك ممنهجة في هذه المناطق.
وطالت مظاهر التتريك مختلف مناحي الحياة وأطرها شمال سوريا، لدرجة فرض اللغة والعملة التركيتين في المدارس والأسواق في تلك المناطق، بغية تحويل التتريك لأمر واقع ملموس وبشكل يمس حياة الناس اليومية، وبما يكرس مع مرور الوقت الاحتلال التركي للشمال السوري على غرار الشمال القبرصي.
الأمر يتطلب تقوية الجبهة الداخلية
وفي ختام حديثه، قال الدكتور أحمد الدرزي: "الأمر يتطلب من الدولة السورية ومن كل القوى السياسية التي تمتلك وجودًا على الأرض، العمل على تقوية الجبهة الداخلية، وتحديد الأولويات تجاه التهديدات الوجودية، وهي تتمثل بإسرائيل وتركيا بالدرجة الأولى، وهذا لن يتم في ظل السياسات المتبعة من قبل الجميع، الذين عليهم الذهاب نحو حوار حول سوريا المستقبل بعد أن تضعضعت قيمها الوطنية إثر الحرب عليها".
(ح)
ANHA