دكتور في جامعة جوانزو الصّينيّة لـ "هاوار": كورونا كارثة ويجب على الشّعوب التّحلّي بالمسؤوليّة
أكّد الدّكتور في علم المناعة بجامعة جوانزو الصّينيّة محمود العزب أنّ أوروبّا أصبحت الآن أكبر بؤرة لانتشار وباء كورونا, وأشار إلى أنّ كلّ التّجارب التي أجراها العلماء حول العالم لم تتوصّل حتّى الآن إلى دواء نوعي متخصّص للعلاج, ودعا الشّعوب للتحلّي بروح المسؤولية.
يعيش العالم على صفيح ساخن، وسط مخاوف متصاعدة من تفشّي فيروس كورونا المستجدّ بعد انتشاره في عدد كبير من الدول، ما دفع الحكومات والمسؤولين إلى إصدار أوامر للمواطنين بالبقاء في المنازل، ومنع حظر التّجوال في الكثير من البلاد.
وحول ذلك أجرت وكالة أنباء "هاوار" حواراً مع الدكتور اليمنيّ محمود العزب، وهو الحاصل على دكتوراه في علم المناعة من جامعة جوانزو الطبّية بالصّين، والمقيم فيها الآن.
وجاء نصّ الحوار كالتّالي:
*كيف تقيّم المستوى الّذي تمّ التّوصّل إليه في العالم لمواجهة فيروس كورونا؟
لا نستطيع أن نقول إنّ العالم قد قطع أشواطاً كبيرة في مواجهة كورونا، ولكنّنا يمكننا القول أنّ العالم تجاوز عنصر المباغتة والمفاجأة التي بدأها كورونا في الصين، ثمّ انتقل إلى إيران وأوروبّا، ولكن الشّوط الوحيد الذي قطعه العالم هو أنّه تجاوز مرحلة الصدمة، وللأسف لازال أمامنا مواجهات كبيرة مع هذا الفيروس، ولكن كنجاحات نستطيع أن نسجّل نجاح كوريا الجنوبية وسنغافورة والصين وتايلاند، والدول الأسيوية التي أبلت بلاءً حسناً في مواجهة الوباء، ولكن هناك مشكلة كبيرة في أوروبا.
*ما هي الدول التي انتشر فيها كورونا بشكل كبير؟
أوروبا أصبحت الآن أكبر منطقة موبوءة، وأكبر بؤرة لانتشار الوباء، فمثلاً إيطاليا رغم أنّها تتميّز بنظام صحّيّ متطوّر إلّا أنّ نسبة انتشار المرض عندهم مقارنة بنسبة عدد السّكّان تصل إلى 26 ضعف انتشار الصّين، ولذلك نستطيع أن نقول إنّ تعامل الأنظمة الصّحّيّة لهذه الدول لم يكن متوقّعاً أن يسبّب انتشار للفيروس بهذا المستوى.
*وماذا عن الدّول العربيّة؟
الأنظمة الصّحّيّة في الوطن العربيّ لديها مشكلة كبيرة، إذا ما أجرينا مقارنة بينها وبين إيطاليا والصين وغيرها من الدول المتقدّمة، فنحن متأخّرون بمراحل عنهم، وحتّى إذا ما قارنّاها بالنّظام الصّحّيّ الإيرانيّ، فالأنظمة الصّحية لدولنا العربيّة أقلّ تطوّراً من النّظام الصّحّي الإيراني، فالدّول العربيّة بشكل عامّ لا تولي اهتمامات كبيرة بالصّحّة والبحث العلمي للأسف.
*وماذا عن مصر؟
مصر لديها مشكلة كبيرة في زيادة عدد السكّان وازدحامهم، وهذا الفيروس يغتال المجتمعات ويضربها، معتمداً على ازدحام المواطنين وعدم توزيعهم توزيعاً صحيحاً، وبالتّالي فإنّ مصر أكبر بلد مُقلق في الدول العربية، نظراً لازدحام سكّانها، وثقافتنا كعرب التي لا تلتزم بالتوجيهات الصارمة التي توجّهها الأنظمة الصحية والأنظمة الحاكمة، فالالتزام هو العنصر الأهم في منع تفشّي الوباء الذي ينتشر بسبب التواصل والاحتكاك المباشر.
*ما مستوى الخطر الذي يشكّله هذا الوباء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ ولماذا؟
كورونا فيروس جديد، وكلّ التجارب التي أجراها العلماء حول العالم لم تتوصّل حتّى الآن أو تفصح عن دواء نوعي متخصّص للعلاج من هذا الفيروس، وكلّ الأدوية المستخدمة كانت تستخدم لأمراض سابقة نظراً لتشابهها مع أعراض فيروس كورونا، وبالتّالي يمكن استخدامها للتخفيف من حدّة المرض، لكن كدواء أو لقاح خاصّ بكورونا لا يوجد، ومن هنا تأتي خطورته، الخطورة الثانية هي سرعة انتشاره العالية، مقارنة بكلّ الأوبئة التي سبقته من عائلة كورونا سواء سارس الذي انتشر في الصّين عام 2002 أو ميرس الذي انتشر في السّعودية عام 2016 فإنّ كورونا يعدّ أكثرهم انتشاراً.
كما أنّ أغلب دول منطقة الشرق الأوسط هي دول نامية تعيش مشاكل مجتمعية وسياسية وحروباً، كلّ هذه الأسباب ستؤثّر سلباً على موضوع انتشار المرض، وربّما تتسبّب في كارثة.
*هل التّدابير المتّخذة من قبل دول المنطقة كافية أم لا؟
من خلال متابعتي للإجراءات التي اتّخذت في مصر والكويت والسعودية والبحرين والجزائر والمغرب وتونس، لا يمكننا أن ننكر أنّ هناك استجابة سريعة خاصّة في المملكة العربية السعودية الّتي سارعت بإغلاق الحرم والمسجد النّبويّ للالتزام بالحجر الصّحّيّ، كلّ هذه إجراءات موفّقة، وجاءت في الوقت الصّحيح، والمهمّ دائماً في مثل هذه الحالات هو الإجراءات الاستباقية، وللحقيقة معظمهم قام بالإجراءات المتاحة الكافية.
ولكن مشكلتنا مع فيروس كورونا أنّه جديد، ولا يوجد علاج معتمد له، ولا منظومة صحّيّة تتكيف للتعامل معه، لكن جميع الإجراءات كانت جيّدة يشكرون عليها، ونحن نشدّ على أيديهم لمواصلة هذه الجهود، ومنها تعليق الدراسة في معظم الدول، حتّى اليمن وليبيا وسوريا بدؤوا الآن تطبيق بعض الإجراءات كحلّ استباقي جميعها في الاتّجاه الصّحيح.
*ما هو المطلوب من الأنظمة الصّحّيّة العربيّة؟
المطلوب من الأنظمة الصّحّيّة القائمة هو الاهتمام بالبحث العلميّ، خاصّة نحن في منطقة الشرق الأوسط اهتمامنا بالبحث العلمي ضعيف جدّاً جدّاً، وهو ما جعلنا عاجزين عن البحث عن علاج أو لقاح في الوقت الّذي يعمل فيه كلّ العالم لإيجاد لقاح مناسب، وكأنّ منطقتنا لا تهتمّ بهذا الموضوع، وبالتّالي نؤكّد أنّ الاهتمام بالجانب البحثي مهمّ للغاية، وسيساهم في كبح جماح أيّ وباء مهما كان غريباً أو جديداً.
*هل القطاع الصّحّيّ في الدّول العربيّة مستعدّ لمواجهة هذا الوباء؟
القطاعات الصّحّية العربية لديها استعداد على أشدّه، وأغلب الدول أعلنت استنفارها للتعامل مع هذه الأزمة، ولكن الموضوع يختلف من دولة إلى أخرى، فأكثر دولتين قامت بإجراءات كافية هما المملكة العربية السّعودية والكويت، خاصّة وأنّ أنظمتهم الصّحّيّة وبنيتهم التّحتية الصّحّيّة مكّنتهم من ذلك، ولكن الدول المزدحمة سكّانيّاً مثل مصر واليمن وسوريا والجزائر، فالتّجمعات السّكّانية فيها تكون عشوائية وغير مرتّبة، ويصعب سيطرة النّظام الحاكم عليها رغم وجود الاستعدادات.
*كيف يجب على الشّعب أن يتصرّف في ظلّ وجود بعض المستهترين؟
ينبغي على شعوب منطقتنا أن تتحلّى بأعلى درجات المسؤولية، فهذا وباء جديد لا يعرف له العالم قراراً ولا علاجاً، وهذه كارثة كبيرة، وأيّ مستهتر يجب أن يتعامل معه الشّعب قبل أن يتعامل معه النّظام، لأنّه يعرّض حياة المجتمع بالكامل للخطر، الأمراض الوبائيّة سُمّيت بهذا الاسم لأنّها تنتشر وسارية، وبالتالي فهي لا تعتبر أمراضاً شخصيّة، ولكنّها مجتمعية تضرّ المجتمع بأكمله.
يجب على كلّ الشعوب أن تتحمّل المسؤولية، وتنهي المستهترين عن سلوكياتهم الأنانية، فإن كان الشّخص المستهتر يظنّ أنّ جهازه المناعي قد يحميه، فهناك نساء وشيوخ وأطفال أجهزتهم المناعية لا تتحمّل وهو يعرّض حياتهم للخطر، وتصرّفه يعتبر سعياً لقتل الآخرين، وينبغي للشعوب أن توقفهم عند حدّهم.
ما هي النّصيحة الّتي توجّهها للشّعوب؟
ضرورة الالتزام بكلّ التوجيهات الصّحية التي تطلقها الأنظمة الصحية والأنظمة الحاكمة، بالإضافة إلى الابتعاد عن حالة الرّعب والهستيريا والفوبيا؛ لأنّها تفاقم الأزمة، فالمطلوب هنا هو التّحلي بالمسؤولية، وليس بثّ الخوف والهلع والرعب بين الناس.
كورونا كارثة حلّت على الكوكب بشكل جماعي، وأصبح وباءً عالميّاً اجتاح جميع الدول، وما ينبغي علينا كأفراد هو التّحلّي بالمسؤولية، وتحمّل مسؤولية مجتمعنا الذي أصبح استمراره أو قتله مرتبطاً بمصير كلّ واحد منّا، لذلك يجب على أيّ شخص الالتزام بقواعد الحجر الصحّي، وحجر نفسه 14 يوماً في حال حكم عليه بذلك، ولا يتعامل معه كجريمة، ولكنّه فرصة للخلوة مع النّفس ومحاسبتها والقراءة والاطّلاع والاستمتاع مع الأسرة.
*ما هي الإجراءات الّتي أدّت إلى انحصار المرض في الصين باعتبار أنّك مقيم فيها؟
تطبيق إجراءات حجر صحّي صارمة لا تستثني أحد، وساعد في ذلك عاملان، عامل رئيسيّ وهو الحكومة التي اهتمّت بشكل كبير جدّاً بالمستشفيات والبحث العلميّ، وطبّقت إجراءات الحجر الصّحّي، وعملت على وضع مسافات كبيرة بين الناس، فأوقفت الدراسة والعمل في جميع المؤسّسات وأيّ تجمعات، كما أوقفت في مدينة ووهان المترو والمطار والمواصلات، ومنعت المغادرة حتّى من أبواب البيوت، والعامل الثّاني الشّعب الذي يستجيب بسهولة لكلّ التّوجيهات الحكومية طواعيّة، دون أيّ مخالفات ممّا تسبّب في نجاح محاصرة المرض.
كما تحلّت الحكومة الصّينيّة بقدر كبير من المسؤوليّة من حيث توفير الكمّامات والمطهّرات وكلّ ما يساهم في الوقاية من الفيروس، الآن وصلنا إلى صفر حالة خلال الأيّام الأخيرة، وجميع الحالات الجديدة الّتي تظهر في الصّين الآن مستوردة من الخارج، والوضع أصبح تحت السّيطرة.
ANHA