الفخ الذي نصبوه للكرد بالمؤامرة- 3 رؤوف كاراكوجان

أدركت القوى التي أرادت تحقيق النتيجة التي ترجوها بالمؤامرة، أنّها كانت مخطئة جداً، وكان الحل الأخير المتبقي أمامهم هو عزل القائد عبد الله أوجلان تماماً، وتُعدّ العزلة المستمرة لسنوات بمثابة قتلٍ صامت، لذا كانت العزلة هي المرحلة الأخيرة للمؤامرة التي لجأ إليها المهيمنون العاجزون.
ومجرّد قول اسم سجن إمرالي الانفرادي شديد الحراسة من النوع F يثير الرعب والخوف، فحتّى المناخ الرطب لهذه الجزيرة الصغيرة كافٍ لكسر صمود الإنسان عليها وكفاحه من أجل الحياة بسرعة ويسبّب العديد من الأمراض، لذا فإنّ الصمود في زنزانة انفراديّة أشبه بالتابوت، وفي جزيرة منعزلة لـ 26 عاماً يُعدّ حكاية مقاومة عظيمة.
تُفرض العزلة في إمرالي منذ سنوات، وتوقّفت لقاءات المحامين بالقائد عبد الله أوجلان على الصعيد القانوني في عام 2011، ولم يمتكّن المحامون من زيارة القائد في إمرالي سوى 5 مرات فقط منذ عام 2019 لأسباب مختلفة منها "الضغط في أوروبا، وتركيا وكردستان وفعاليات الإضراب عن الطعام في السجون التركية، وصيام الموت وفعالية ليلى غوفن)، ورغم قرارات مجلس أوروبا والمؤسسات الأخرى، لا تلتزم تركيا بهذه القرارات والمعاهدات التي تُعدّ عضوة فيها، ويُمنع زيارة المحامين لسجن إمرالي منذ الـ 7 من آب عام 2019.
ونتيجة القلق الشعبي حيال الوضع الصحي للقائد عبد الله أوجلان وسلامته، سُمح له بإجراء مكالمة هاتفية في الـ 25 من آذار عام 2021، واستمرّت المكالمة آنذاك 4 دقائق ونصف ثّم قُطع الاتصال قبل أن يكمل القائد حديثه، ولم ترد عنه أي معلومات منذ ذلك الوقت، وقطع هذا الاتصال الهاتفي الذي يُعد الاتصال الثاني الذي يجريه القائد خلال 26 عاماً من اعتقاله، يدلّ على أنّه يُطبّق ضدّه نظام تعذيب منهجي.
وتستمرّ العزلة المشدّدة في السجن الذي لا يوجد معه أي تواصل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر منذ ذلك اليوم، ولم تتم الاستجابة لمئات الطلبات التي قدّموها محامو القائد وعائلته بغية مقابلته (أكثر من 300 طلب)، وهناك تصريحات تفيد بفرض عقوبة الزنزانة الانفرادية عليه، ولا تُعرف أسباب فرض عقوبة الزنزانة الانفرادية في سجن انفرادي بطبيعة الحال.
إنّ نظام العزلة معقّد للغاية، لدرجة أنّه سيمتد وينعكس على جميع المشكلات الأساسيّة في تركيا، ويجب القول بوضوح إنّه من دون فهم نظام التعذيب والعزلة في إمرالي، لا يمكن حلّ أي مشكلة في تركيا، لكن للأسف فإنّ النهج السياسي الذي يتجاهل هذه القضية، سواء كان الحزب الحاكم أو كتلة المعارضة، لا يفهم هذا أو يدّعي عدم فهمه.
ويُسمع صدى صوت العزلة المفروضة في إمرالي من قبل السلطة الفاشية في الخارج على أنّه مجزرة بحقّ الكرد، فالهدف هو القضاء على منجزات الكرد، والقضاء على حركة التحرّر الكردستانية من خلال الهجمات الاحتلاليّة وهجمات التدمير والأسلحة الثقيلة والقذائف التي تستهدف الحدود يومياً، أي أنّهم ينفذون مخططات العزلة في إمرالي والتدمير والإبادة في الجبال معاً.
ويقف القائد عبد الله أوجلان والإرادة الشعبية التي يمثّلها مع أولئك الأشخاص الذين يقاومون ويناضلون ضدّ سلطة حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية الفاشية في تركيا ويمثلون الديمقراطية الراديكالية في المقدمة، وعلى المرء أن يرى مقاومة الكرد ضدّ الفاشية الاستبدادية في تركيا، فبفضل مقاومة القائد عبد الله أوجلان في إمرالي الموقف الفدائي للكريلا، يتّجه نظام حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية الفاشي نحو الهاوية، والسبب الرئيس لفشل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات هو سياساته العدائيّة ضدّ الكرد، وكما يتبين من تجربة 50 عاماً من الحرب، فإنّ الذين يعادون حزب العمال الكردستاني والكرد محكومون بالخسارة في السياسة، والآن حان دور انهيار حزب العدالة والتنمية وإفلاسه سياسياً، ومن الوهم أن يرى أي حزب سياسي الهزيمة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية انتصاراً له.
على جميع الهياكل الديمقراطية والاشتراكية الديمقراطية واليسارية ذات التقليد اليساري، والتي تقدّم نفسها كمعارضة للنظام الفاشي، التعرّف على مقاومة الكرد وحقيقة إمرالي والاعتراف بهما، ومن دون فهم هذه المقاومة، لن يستطيعوا معارضة الفاشية، وفي الحقيقة يُعدّ نضال القائد عبد الله أوجلان الذي قاوم نظام التعذيب في إمرالي ونضال الشعب الكردي الذي خاض المقاومة ضدّ السلطة الفاشية في تركيا على جميع الجبهات، نضالاً من أجل الكرامة، عدا عن ذلك، أين هي الإرادة السياسية أو ما هي الحركات المنظمة الموجودة في ساحة المقاومة، باستثناء القائد عبدالله أوجلان، حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي المقاوم؟ حتّى العثور على إجابة لهذا السؤال صعبٌ جداً.
أولئك الذين ينادون بـ "الخبز والعدالة" لا يتجاوز نضالهم ضدّ الظلم والفاشية الكلمات، ولم يدرك أصحاب الجناح اليساري المعارض ولا سيما حزب الشعب الجمهوري أنّ الكلمات لا تفعل أي شيء، ففي أي منطقة في العالم شُهدت هزيمة الحكومات الفاشية بالكلمات؟ هل انهارت أو هُزمت أي حكومة فاشية في دولة من الدول عبر صناديق الاقتراع، هل حدثت مثل هذه التجربة أم لا؟
إنّ تطبيق العزلة يعني الموت الصامت للقائد عبد الله أوجلان والشعب الكردي، ولم تتلفّظ مجموعات المعارضة ولو بكلمة واحدة ضدّ العزلة أو هجمات الإبادة على الكريلا والشعب الكردي، وكما في حادثة ديلارا وديلروبا، لم ترد في عناوين الصحف اليومية والقنوات التلفزيونية كلمة واحدة عن العزلة في إمرالي، ولا تتمتّع المعارضة التي تقول إنها تناضل في سبيل العدالة ومحاولات المعارضة السياسية كلّها بالأهميّة التي يحظى بها نضال الأم أمينة شانيشار في سبيل العدالة، وحقيقة أنّ النضال ضدّ الفاشية مقتصر على الكلمات فقط، دون أن يتحوّل لنضال منظّم ويتّخذ خطوات ملموسة يمنح الجرأة للنظام الفاشي.
وأولئك الذين لا يرفعون صوتهم ضدّ العزلة ومحاولات التصفية والإبادة، والذين يتركون الكرد وحدهم في النضال ضدّ الفاشية، يريدون أصوات الكرد، إنّ الكرد يخوضون حرب وجود؛ حرب بقاء أو دمار، لكن متى ستفهم المعارضة أمثال حزب الشعب الجمهوري أنّه لا يمكن ممارسة السياسة والكسب فيها من خلال تحية الديمقراطيين الكرد فقط؟ فأي ديمقراطية هذه، إن لم يكن بإمكان الديمقراطيين الكرد قول شيء حيال قتل الكرد ومحاولات القضاء على الكريلا والعزلة المشدّدة المفروضة على القائد عبد الله أوجلان؟
وليست لدى أولئك الذين يتجاهلون القضية الكردية التي تُعدّ أصل جميع المشكلات في تركيا ويرتكبون جريمة ضدّ الإنسانية كالعزلة البعيدة كل البعد عن القانون والضمير والأخلاق، ليست لديهم أي فرصة في الفوز أو النجاح في السياسة في الظروف الحالية التي تشهدها تركيا، سوف يخسرون جميع فرصهم فقط، باختصار، عدم رؤية القضية الكردية وعدم أخذها بعين الاعتبار يُعدّ ضعفاً وعائقاً في السياسة.
إن لم تُكسر العزلة في إمرالي، وحدثت عواقب سلبية غير متوقعة، سيحاسب الكرد هؤلاء المسؤولين في الوقت المناسب سواء بالحرب أو عبر صناديق الاقتراع، وفي هذا السياق، يوجّه القائد عبد الله أوجلان دعوة عملية بهذا الخصوص، فمقولة: "إن لم تُحل القضية الكردية بالطرق الديمقراطية، فعلى الشعب الكردي الاستعداد لحرب قد تمتد لقرن، إن تطلّب ذلك"، تُعدّ الحقيقة الأنسب في مواجهة الحكومة الفاشية اليوم، ويجب أن تكون الحسابات المستقبلية والخطط مبنية على هذه الحقيقة.
(ر)