السيناريوهات المحتملة للحرب بين إسرائيل وحماس في غزة
وضع مركز البحوث والاستشارات الدبلوماسية في شمال وشرق سوريا، خلال بحث له، 6 سيناريوهات محتملة للحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل، محذراً من السيناريو السادس.

منذ الـ 7 من تشرين الأول الجاري، اندلعت بين إسرائيل وحماس حرب ستؤثر على البلدان المجاورة وعلى عدة ملفات، وعن السيناريوهات المحتملة لهذه الحرب، أعدّ مركز البحوث والاستشارات الدبلوماسية في شمال وشرق سوريا بحثاً، وصلتنا نسخة منه، جاء فيها:
أدى شنّ حماس لعملية عسكرية مفاجئة على المستوطنات القريبة من الحدود في 7 تشرين الأول الجاري إلى اندلاع الاشتباكات بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، إذ ردّت إسرائيل بشنّ قصفٍ جوي وبري عنيف على غزة، أسفر عن مقتل وإصابة آلاف المدنيين الفلسطينيين ودمار البنية التحتية والمرافق الحيوية في القطاع. ولم تقتصر الحرب بين إسرائيل وحماس على الطرفين المتصارعين، بل امتدت إلى العديد من الدول والقوى الإقليمية والدولية التي لها مصالح ومواقف مختلفة في المنطقة، ولهذه الحرب انعكاسات سياسية وأمنية وإنسانية على شرق البحر المتوسط وشمال أفريقيا والخليج وإيران. فهي تقع في منطقة حساسة ومعقدة وتشهد تغيّرات جيوسياسية وجيو استراتيجية مهمة؛ مثل اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط والاتفاقيات الثنائية بين إسرائيل والدول العربية، لذا ستؤثر هذه الحرب بشكلٍ أو بآخر على عدة ملفات، وهي تعمق الأزمة بين إسرائيل وتركيا التي تدعم حماس سياسياً وإعلامياً، وتسعى إلى التوسط لوقف إطلاق النار، وهذا ما يضعف أيضاً موقف مصر التي تلعب دوراً رئيساً في المصالحة الفلسطينية والتي تدافع عن اتفاق السلام مع إسرائيل على الرغم من الضغوط الشعبية، وتتعرض الدول التي وقّعت اتفاقيات تطبيعٍ مع إسرائيل كالإمارات والبحرين والمغرب لانتقادات بعض الدول والحركات الإسلامية، إذ يعتبرونها خيانة للقضية الفلسطينية.
السيناريوهات المحتملة:
من الصعب التنبؤ بالمستقبل فيما يخص الحرب بين إسرائيل وحماس، وهناك عدة عوامل يمكن أن تؤثر على مجريات الأحداث، لكن هناك بعض السيناريوهات المحتملة، وتبدو هذه السيناريوهات معقدة ومنفتحة على كل الاحتمالات، كموقف المجتمع الدولي والقوى المحلية:
السيناريو الأول: الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة
ويُعد هذا السيناريو الأرجح، حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين يؤكدون أن هدفهم هو القضاء على حماس وتدمير قدراتها العسكرية. وشهدت حدود غزة حشداً عسكرياً إسرائيلياً ضخماً استعداداً لاجتياح بري قد يكون مشابهاً لعملية الجرف الصامد التي نفذتها إسرائيل عام 2014، والتي أسفرت عن مقتل 2200 فلسطينياً معظمهم من المدنيين. لكن هذا السيناريو يحمل مخاطر كبيرة على إسرائيل، فقد أظهرت حماس قدرتها العالية على مواجهة الهجمات البرية، باتباع أساليب متقدمة كالأنفاق والقنابل والمسيّرات، ويؤدي هذا السيناريو أيضاً إلى تزايد التضامن مع غزة في المجتمع الدولي وزعزعة استقرار المنطقة.
السيناريو الثاني: تقسيم قطاع غزة
يمكن في هذا السيناريو ملاحظة أن قطاع غزة مقسم إلى ثلاث مناطق عملياتية وأن الهجمات البرية تنطلق من المناطق الثلاث المحاصرة في غزة باتجاه الشمال والشرق والجنوب، وهذا يعني أن كل منطقة من العملية ستشمل محاور حربية عدة في منطقة العمليات، وستحتشد القدرات إسرائيل الهجومية ومهمتها هو الضغط على مدن ومخيمات قطاع غزة ومنع التنقل بين المدن، ومنع حماس من تلقي أي دعم من الشمال والوسط والجنوب، وتزايد الأضرار البشرية والمادية في صفوفهم وبين المدنيين. وإذا تمكنت القوات الإسرائيلية من تحقيق هذه الرؤية، فإن ذلك سيساعدها على تحقيق مكاسب سياسية عن طريق ضمان انتشار قواتها في مواقع محددة، خاصة إذا كانت لديها قاعدة جوية وبرية لحمايتها وإبقاء خطوط إمدادها مفتوحة. وتشير التوقعات إلى أنه إذا تحرك الجيش الإسرائيلي وفقاً لهذا الوضع، فإنه سيدرس استعدادات الأطراف، كتكثيف الهجمات على مواقع تمركز قواته، أو الخيارات العسكرية اللازمة على الأرض لتقليص سرعة العمليات وإغلاق الخيارات العسكرية اللازمة على الأرض والبحث.
السيناريو الثالث: التقدم المحدود
ويتصور هذا السيناريو أن يكون هناك تقدماً برياً محدوداً، يمكن فيها للقوات الإسرائيلية عبور السياج الحدودي والتمركز والانتشار غربه وتشكيل خط دفاعي للقوات الإسرائيلية بدعم جوي، وذلك من خلال ترميم السياج القديم الذي تضرر أثناء عملية "طوفان الأقصى"، نظراً للآثار المحتملة للعمليات التي نفذتها حماس في تلك العملية.
السيناريو الرابع: التأني بوساطة إقليمية ودولية
ويفيد هذا السيناريو، بمحاولة الوسطاء الإقليميين والدوليين إقناع الطرفين بوقف الصراع والتفاوض على تبادل الأسرى، وتعلن حماس أن أهدافها من هذه العملية قد تحققت وأنها مستعدة لحرب طويلة الأمد وتعرب في الوقت ذاته عن انفتاحها على مقترحات وقف إطلاق النار وشروط بدء هذه العملية، وقد يمنع مفاوضات تبادل الأسرى أي هجوم إسرائيلي، لكن في المقابل، فإن هذا السيناريو غير وارد بعد وغير ممكن الآن، نظراً لتزايد الخسائر البشرية والمعنوية لإسرائيل نتيجة عملية الأقصى، فضلاً عن الصورة المهتزة للجيش والاستخبارات الإسرائيلية لدى الرأي العام الإسرائيلي، وقد يكون هذا السيناريو وارداً ويتم قبوله بعد فترة أو بعد عدة أسابيع، وذلك عندما تشعر (إسرائيل) أنها قد حققت شيئاً وحسنّت من صورتها وموقفها قليلاً.
السيناريو الخامس: وقف إطلاق النار بوساطة مصرية
يُعد هذا السيناريو الأكثر رغبة لدى حماس التي تطالب برفع الحصار عن غزة وقف الاستيطان والهجمات في القدس والضفة الغربية. وتلقت حماس عروض مصر للتوسط بينها وبين إسرائيل، لكنها رفضتها بسبب عدم تلبية مطالبها. ونجحت مصر في التوسط لإنهاء الحروب السابقة بين الطرفين كحرب 2012 وحرب 2014، لكن هذا السيناريو يواجه صعوبات كبيرة؛ لأن إسرائيل ترفض التفاوض مع حماس، وتعتبرها منظمة إرهابية، وضرورة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار كامل ودائم من قبل حماس. فضلاً عن ذلك، فإن موقف مصر ليس محايداً، لأن علاقات مصر مع حماس متأزمة، نظراً لانتمائها لجناح الإخوان المسلمين، ولا يتمتع المجتمع الدولي بتأثير كافٍ على الجانبين لإجبارهما على قبول وقف إطلاق النار.
السيناريو السادس: نحو حربٍ إقليمية
ويُعد هذا السيناريو الأخطر والأقل احتمالاً، ويفيد بامتداد الحرب إلى مناطق أخرى كالضفة الغربية ولبنان، ومن شأنه أن يؤدي إلى حرب شاملة وواسعة النطاق بين إسرائيل وحماس ويمكن أن تمتد إلى دول الجوار أيضاً.
لكن هذا السيناريو يتطلب تحقيق شروط صعبة، إذ لا يزال هناك تفاهم استراتيجي بين إسرائيل وحزب الله في لبنان لتفادي تكرار حرب 2006. المواجهة المسلحة مع إسرائيل خشية فقدان سلطتها، كما أن لدول المنطقة مصالح أخرى أهم من الانخراط في حرب ضد إسرائيل.
تقييم النتائج:
يُعد الصراع بين حماس وإسرائيل جزءاً من الصراع الأوسع بين فلسطين وإسرائيل، الذي يستمر منذ عقود ويتأثر بعوامل إقليمية ودولية. لكن بشكلٍ عام، تُحلل النتائج الحالية المتوقعة لهذا الصراع من ثلاث جوانب؛ سياسية واقتصادية واستراتيجية:
من الناحية السياسية؛ يمكن للصراع أن يغيّر ميزان القوى بين الأطراف الفلسطينية وبين إسرائيل وحلفائها في المنطقة، فمن ناحية، يمكن أن تزداد شعبية حماس بين الفلسطينيين وتحظى بدعم أكبر من دول مثل تركيا وإيران وقطر التي تعتبرها قوة مقاومة ضد إسرائيل، كما قد تستفيد حماس من التغيّرات السياسية في الدول العربية كالسودان، الجزائر والأردن والتي شهدت مؤخراً احتجاجات شعبية. ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن أن تتضرر سلطة رميلان التي تدير الضفة الغربية، بسبب الفشل في حماية المدنيين في غزة والقدس وتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في أيار المنصرم، كما يمكن أيضاً أن تفقد دعم بعض الدول العربية التي وقعت عام 2020 اتفاقيات تطبيعٍ مع إسرائيل كالإمارات، البحرين والمغرب، أما إسرائيل فقد تواجه صعوباتٍ في تشكيل حكومة جديدة بعد فشل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الفوز بثقة البرلمان بعد الانتخابات التي أُجريت في آذار المنصرم، وقد تتأثر غزة بالقوة المفرطة ضد المدنيين.
من الناحية الاقتصادية؛ يمكن أن يتسبّب الصراع بخسائر مادية كبيرة لكلا الطرفين ولاقتصادات الجوار أيضاً، وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل قد خسرت نحو 40 مليات شيكل (12.3 مليار دولار) بسبب توقف أنشطتها التجارية والصناعية والسياحية وزيادة الإنفاق العسكري والأمني، أما غزة فقد تعرضت لدمار هائل في البنى التحتية والمرافق الحيوية مثل الطرق والكهرباء والمياه والصحة والتعليم، ما يؤدي إلى تفاقم معاناة سكانها الذين يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي منذ عام 2007، كما تأثّرت بعض الدول المجاورة لإسرائيل كمصر والأردن ولبنان بالصراع أيضاً، فبالإضافة إلى الضغوط السياسية والشعبية، تراجعت أيضاً الحركة التجارية والسياحية والاستثمارية فيها.
من الناحية الاستراتيجية؛ يمكن أن يؤدي الصراع إلى تغيير على الساحة الإقليمية والدولية ويخلق تحديات أمنية جديدة، فمن ناحية قد تؤدي هذه المعضلة إلى التفاوض على حل سياسي شامل للقضية الفلسطينية، بمشاركة جميع الأطراف المعنية بما فيها حماس والتي تعتبرها إسرائيل وبعض الدول الغربية منظمة إرهابية، كما يدفع الصراع أيضاً بعض الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى استخدام نفوذها للضغط على إسرائيل لوقف هجومها على غزة وإنهاء سياساتها الاستفزازية في أورشليم، ومن ناحية أخرى، قد يتسبّب الصراع بين إسرائيل وإيران التي تدعم حماس والجهاد الإسلامي والتي تعمل على تطوير برنامجها النووي على الرغم من المفاوضات مع القوى العظمى، بأزمة، كما قد يتسبّب الصراع بتأجج صراعات أخرى في المنطقة كسوريا ولبنان واليمن.
(ر)