لماذا صعد اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية؟ - هيفيدار خالد

لماذا صعد اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية؟ - هيفيدار خالد
14 حزيران 2024   07:30

شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي تصدّر اليمين المتطرّف والشعبوي في عددٍ من الدول، واكتفاءَه بالمركز الثاني والثالث في دول هي الأكثر سكاناً كألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا، بالإضافة إلى المجر وهولندا، ما أدّى إلى ترجيح كفّة ميزان هذه القوى في البرلمان، فيما تراجع في عددٍ من الدول أبرزها دول الشمال الإسكندنافي، حيث احتفظت أحزاب يمين الوسط بالعدد الأكبر من المقاعد.

تصدّرُ اليمينِ المتطرّف في المؤسّسات التشريعية الأوروبية بعد أن نال أكثر من 30 في المئة من مقاعد البرلمان الأوروبي البالغ مجموعها 720 مقعداً، رغم أنه منقسم إلى كتلتين بسبب ملفات خلافية معقّدة بينهم، أثار العديد من التساؤلات في الأوساط السياسية الأوروبية، تمحورت حول كيفية تنفيذ اليمين أجنداته خلال السنوات القادمة ومدى تأثير هذه النتائج الكارثية على صنع القرار في أوروبا، بعد أن أدّت نتائج الانتخابات إلى وقوع زلزالٍ سياسيٍّ ربما يفتح الطريق أمام المزيد من التغييرات الجوهرية في دول الاتحاد الأوروبي وحصول العديد من التحوّلات.

بطبيعة الحال، فوز الأحزاب اليمينية المتطرفة والقومية كان أمراً متوقعاً، ففي فرنسا خاصّةً حققت مكاسبَ مهمّةً؛ وذلك نتيجة الأوضاع الداخلية الصعبة التي تمرّ بها البلاد، لا سيما الأوضاع الاقتصادية السيئة والغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار، ومشكلات البطالة ومعوقات الصحّة وصعوبات التعليم، وعدم زيادة الرواتب وتكلفة التحوّل نحو الطاقة المتجددة، والشعور بالانزعاج من التوتّرات الجيوسياسية المتزايدة، ومشكلات قطاع الزراعة الذي يعاني من ضغوطٍ شديدة، بسبب سياسات الاتحاد الأوروبي باهظة التكاليف التي تحدّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما ألقت الحرب الأوكرانية الروسية بظلالٍ سوداءَ على هذا البلد، والعديد من الأسباب الأخرى التي أسهمت في صعود اليمين بقوةٍ أكثر في هذه الانتخابات مقارنةً بالمرّات السابقة.

تحليلات مراكز دراسات كانت لها مقاربة مختلفة بشأن فوز اليمين المتطرّف، فبعض الآراء ذهبت إلى أنّ الجميع في أنحاء الاتحاد الأوروبي يشكون منذ سنواتٍ من عملية صنع القرار في بروكسل، بأنّها معقدةٌ ومتباعدة ومنفصلة عن الواقع اليومي، وهو ما يفسّر في كثير من الأحيان انخفاض نسبة المشاركة في انتخابات الاتحاد الأوروبي نسبياً.

يوصف اليمين المتطرّف بالشعبوي الذي يستغلّ العديد من الملفّات التي تهمّ الشعب الأوروبي، خاصّةً في ظل تراجع مستوى معيشة الشعوب ورفاهيتها هناك، إلا أنّه لا يستطيع طرح الحلول الحقيقية والجذرية لمشاكل الشعب الأوروبي عامة، بل يعمل بشكلٍ متواصل على إثارة النعرات القومية فيقول مثلاً، إنّ الاتحاد الأوروبي يعدّ مشكلة فرنسا الكبرى، فهي الخاسرة أوّلاً وأخيراً من سياساته؛ إذ لا يعطي فرنسا حق قدرها، ولا يولي أهمّية لسياساتها الخارجية، ولا يركّز على مدى قوتها الخارجية والاقتصادية، وكذلك هو أمر ألمانيا.

طبعاً كل هذه التقييمات تدخل في خانة الخطابات الشعبوية التي يرددها اليمين المتطرف في الوقت الحالي وخاصة في فرنسا، لكنه ليس لديه حلولٌ عملية للقضايا العالقة في البلاد وخاصّةً ملفَّ اللاجئين المهم والحساس، ففي حال تم طرد اللاجئين من فرنسا سيتضرر الاقتصاد الأوروبي بشكلٍ عامٍّ ولن يقتصر ذلك على فرنسا فحسب بحسب جهاتٍ تُعنى بهذا الشأن.

ومن التداعيات التي ستواجهها القارة الأوروبية مع صعود اليمين المتطرف في الانتخابات، تراجع الجهود والمساعي المبذولة من أجل تحسين الملف البيئي الذي كان يتصدر أجندة الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة، الأمر الذي سيؤثر سلباً على هذا المجال الحيوي؛ إذ إن سيطرته على مراكز صنع القرار الأوروبي ستؤدي إلى صدور تشريعات أكثر قسوة في الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة واللاجئين، وبالتالي الحد من مساعي بعض الدول للانضمام إلى التكتل الأوروبي ما يعني عملياً عرقلة توسيعه.

صعود اليمين شكّل انتكاسة مريرة للمستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن حل الجمعية الفرنسية، ودعا لانتخابات تشريعية في الـ 30 من حزيران الجاري، بحسب مختصين في الشأن الدولي والقضايا السياسية. وكانت للرئيس الفرنسي بهذا الخصوص تصريحاتٌ مهمّة، حيث قال إن نتيجة الانتخابات الأوروبية "ليست جيدة للأحزاب التي تدافع عن أوروبا"، مضيفاً أن صعود القوميين والديماغوجيين يشكّل خطراً على أمتهم وأيضاً على أوروبا، وعلى مكانة فرنسا في أوروبا وفي العالم.

ولا ننسى بأن صعود اليمين المتطرف أصبح يشكل بداية مرحلة جديدة من الصعوبات والتحديات والمعوقات، التي تواجه الجاليات العربية والإفريقية في الفترة الأخيرة، والتي تزايدت بشكل ملحوظ بعد الحرب الروسية الأوكرانية والحرب بين حماس وإسرائيل، وما شهدته القارة الأوروبية على أثرها من مظاهرات ووقفات احتجاجية تضامنية مع غزة. الصعود الذي يعدّ بمثابة تحقيق نصر على طبق من ذهب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد سنوات من محاربة الأنظمة الأوروبية له ودعمها لأوكرانيا، إلى جانب التخوفات من وصول ترامب إلى الحكم في أمريكيا، وبالتالي نجاح سياسته في إضعاف قوة الغرب الأوروبي، وتحقيق مكاسب روسية أخرى في أوكرانيا.

مشهد سياسي معقّد للغاية يخيّم على أجواء السياسة والدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي بعد نتائج الانتخابات الأوروبية، ربما يغرق القارة الأوروبية في غموض سياسي يصعب التكهن فيه، بما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل المتوسط والبعيد، خاصة فيما يتعلق بمصير الدول الأوروبية مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي عمدت أمريكا إلى توريطها فيها لتحقيق أهداف خاصة تتعلّق بتوسيع رقعة نفوذها.

نعم؛ هذا الاكتساح لليمين المتطرف سيكون له تأثير سلبي على المهاجرين، بالتزامن مع تنامي خطر الفاشية الصاعدة وخطاب الكراهية ضد اللاجئين في عموم الدول الأوروبية، خاصّة وأن اليمين يرفض كل مظاهر التدين في الشوارع الأوروبية، وسيتجه لسنّ قوانين صارمة ضد الهجرة. ويرى مراقبون أن صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية ستكون له تداعيات خطيرة على العالم أجمع، لا سيما إذا ما اقترن بفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية المقبلة.