"قضية المرأة هي منبع كل القضايا"

يقول القائد عبد الله أوجلان في تقييمه لأزمات الشرق الأوسط: "قضيةُ المرأةِ تكمن في منبع كلِّ القضايا. فنُلاحِظُ أنَّ هرميةً ذكوريةً (النظام الأبوي) صارمةً قد سيطرت وتمأسسَت على المرأة". ويؤكد أنه "ينبغي معرفة أنه يستحيلُ عيشُ حياةٍ ذاتِ معنى وقيمة، ما لَم يتحقَّق عيشٌ سليمٌ مع المرأةِ ضمن المجتمع".

"قضية المرأة هي منبع كل القضايا"
5 آب 2024   05:30
مركز الأخبار

قيّم القائد عبد الله أوجلان في المجلد الرابع لـ "مانيفستو الحضارة الديمقراطية" والمعنون بـ (أزمة المدنية وحل الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط) ما يجري في الشرق الأوسط، وأولى أهمية كبيرة لقضية المرأة ضمنها، حيث جاء في الفصل الثالث (قضية المرأة في مجتمع الشرقِ الأوسط) ما يلي:

"إنّ تقييمَ القضايا التي تعاني منها المرأةُ بالدرجةِ الأولى داخل المجتمعِ ضمن أبعادِها التاريخيةِ والاجتماعيةِ يتحلى بالأهمية. فقضيةُ المرأةِ تكمن في منبع كلِّ القضايا. إذ نُلاحِظُ أنَّ هرميةً ذكوريةً (النظام الأبوي) صارمةً قد سيطرت وتمأسسَت على المرأة، حتى قبلَ العبورِ إلى المجتمعِ الطبقيِّ والدولتيّ. وقد تمّ اللجوء إلى الكثيرِ من الصياغاتِ الميثولوجيةِ والدينيةِ لتمويهِ حاكميةِ الرجل. ومَلحَمَةُ الإلهة إينانا هي انعكاسٌ لهذه المرحلة. حيث تُصَوِّرُ الملحمةُ المذكورةُ الشعورَ بالحنينِ العارِمِ للطبيعةِ والإلهةِ الأُمِّ المقدسةِ القديمة. ومثلما يُلاحَظُ في الملحمة، فإنّ المرأةَ تَئِنُّ جرّاء مَكرِ وجُورِ الذكوريةِ الحاكمةِ ضمن النظامِ الهرميِّ والدولتيِّ البطريركيّ الذي أُقحِمَت فيه. ويظهر الواقعُ المُعاشُ في هذا السياقِ بنحو أكثر وضوحاً ولفتاً للأنظارِ في مَلحَمةِ بابل (النزاعاتُ بين مردوخ، إله بابل القدير، وديامات، الإلهة الأنثى). هذا ويُذكَرُ في الميثولوجيا السومريةِ أنَّ المرأةَ خُلِقَت من ضلعِ الرَّجُلِ الأعوج. إنه تَعبيرٌ مجازيّ. وتستمرُّ هذه المقاربة في الأديانِ التوحيديةِ أيضاً. فالمرأةُ التي دخَلَت الزقوراتِ السومريةَ كإلهة، قد خَرَجَت منها كعاهرةِ المعبد. حيث يُفتَحُ أولُ بيتٍ للدعارة في المدائنِ السومرية، وتُرَفَّعُ المرأةُ من مرتبةِ عاهرةِ المعبدِ إلى جاريةِ القصر. كما تغدو موضوعَ عبوديةٍ لا غنى عنها في الأسواق. بينما باتت المرأةُ عبداً معنياً بشؤونِ المنزلِ فحسب في المدنيةِ الإغريقيةِ– الرومانية، ولا مكانَ لها في السياسة. أما في المدنيةِ الأوروبية، فهي أداةٌ جنسيّةٌ تابعةٌ للرجلِ بالتعاقد. وفي المدنيةِ الرأسماليةِ هي عاهرةٌ عمومية. وهكذا، فقد اكتسَبَ التاريخُ بُنيةً ومعنىً جنسوياً محضاً مع الرجل السلطويّ، ليصيرَ بعدَها ذُكورياً بامتياز.

ينعكس تأنيثُ المرأة (أي عبوديتها) كما هو تسلسلياً على المواضيعِ والأدواتِ الذكوريةِ في المجتمعِ المُعَرَّضِ للاستغلالِ والقمعِ والاضطهاد. فبينما تنتقلُ الزمرةُ الفوقيةُ السياسيةُ والعسكريةُ والرهبانُ في المجتمعِ إلى مرتبةِ الجنسويةِ الحاكمة، فإنّ الشرائحَ التحتيةَ المحكومةَ تُستَأنَثُ تدريجياً. يُدَرَّبُ الرجلُ في المجتمعِ الإغريقيِّ– الرومانيِّ بسلوكياتٍ جنسويةٍ بالغةِ الكثافةِ ابتداءً من عمرِ الشباب. هكذا، وحصيلةَ التعاطي الجنسويِّ مع المرأة، تَستَفحِلُ حالاتُ الشذوذِ الجنسيّ التي تُلاحَظُ بنطاقٍ واسعٍ على مرِّ عصورِ المدنية. بالتالي، وبقدرِ ما تَغدو المرأةُ عَبداً، فالرجلُ العبدُ أيضاً يصبحُ بالمِثلِ زوجةً خانعة.

ولدى إضافةِ القضايا الناجمةِ عن أجهزةِ القمعِ والاستغلالِ الرأسماليِّ الراهنِ أيضاً إلى تلك القضايا ذاتِ الجذورِ التاريخية، يغدو لا مَهرَبَ أمام المرأةِ من عيشِ حياةٍ يَحُفُّها كابوسٌ مُرعِبٌ حقاً داخل المجتمعِ الشرقِ أوسطيّ. فأنْ تَكُونَ امرأةً ربما يعني أنْ تَكُونَ إنساناً في أحلَكِ الظروفِ وأَعسَرِها. ذلك أنّه يتم تطبيقُ أَشَدِّ درجاتِ القمعِ والاستغلالِ الفظِّ الذي يعانيه المجتمع على جسدِ وكدحِ المرأة. أما كونُ المرأةِ أيضاً إنساناً، فيتم إدراكُه حديثاً. لقد حانَ وقتُ تنحّي التعاطي الجنسويِّ المتصلبِ الذليلِ عن مكانه لصالحِ الحاجةِ إلى البحثِ عن صديقٍ ورفيق. أو لِنَقُلْ أنّ الجدالَ حول ذلك قد بدأَ على الأقل. ينبغي المعرفة أنه يستحيلُ عيشُ حياةٍ ثمينةٍ ذاتِ معنى، ما لَم يتحققْ عيشٌ سليمٌ مع المرأةِ ضمن المجتمع. علينا صياغةُ أقوالنا وتطويرُ ممارساتنا انطلاقاً من الإدراكِ بأنّ الحياةَ الأثمنَ والأجملَ يمكنُ تحقيقُها مع المرأةِ الحرةِ المتمتعةِ تماماً بكرامتِها وعِزَّتِها".

(آ)

ANHA