طبيعة الصراع الأميركي الروسي وأهداف الطرفين الدولية

عدَّ بروفيسور عراقي أن كلاً من الولايات المتحدة وروسيا تسعيان إلى فرض الهيمنة، حيث يتقابل هنا طرفان أحدهما استغل الظروف لفرض أحادية قطبية وهيمنة، والآخر يسعى لاستثمار المتغيرات الدولية للتوصل إلى التعددية القطبية والصراع على النفوذ.

طبيعة الصراع الأميركي الروسي وأهداف الطرفين الدولية
29 حزيران 2024   06:45
مركز الأخبار
كيفارا شيخ نور

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً محموماً من الصراع على النفوذ بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وروسيا من جهة أخرى، وذلك في عدة مناطق في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا وآسيا.

وفي هذا الصدد، يرى البروفيسور والدكتور العراقي، تيسير عبد الجبار الآلوسي، بأنه وبعيداً عن المواقف المؤدلجة المسبقة وما تفرضه من خطاب تسقيط الآخر تمكيناً لهذا الطرف أو ذاك، فإن "طابع العلاقات الدولية يظل محكوماً بعوامل المصالح وتبادلها بما يخدم مسيرة جميع أطرافها المعنية.. وبمستوى القوى العظمى والكبرى تكتسي بالتنافس التكاملي مرة وبالتضاغط وصراع النفوذ في مرات أخرى".

وأشار في معرض حديثه إلى أنه كان لتوازن القوى العظمى زمن الاتحاد السوفييتي، دوره في الاحتفاظ بمستوى بعينه من استقرار في أجواء التعاون بحالات ومن تهديد وابتزاز بأخرى، أفضت بالمحصلة إلى اتفاقات ثنائية رسمت أو فرضت استراتيجيات الأطراف النووية وصياغتها بالصورة التي شهدها العالم على مدى عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وأضاف "لقد اهتزت حالة الاستقرار تلك عندما انهار الاتحاد السوفييتي، فاندفعت الولايات المتحدة الأميركية نحو استثمار الموقف، بخاصة في عهد يلتسين؛ لتفرض الانفراد بالعالم، كونها القوة الأوحد بل المهيمنة على مسارات بعينها، استغلتها بنهج مفرط في تأكيد أحادية القطبية على العلاقات الدولية فشهدنا بدل الالتزام باتفاقات التحول ما بعد حل حلف وارسو بحل الأطلسي أو تحديد وضعه الجديد، حيث شهد العالم توسعاً للحلف وتحوله لأداة أو هراوة أميركية، وكان من توسعاته الاندفاع نحو ضم بلدان شرق أوروبا والاقتراب المباشر من حدود روسيا".

وذكر البروفيسور العراقي أن "أية صيغ جديدة للعلاقات الدولية تقتضي ألا يدخل العالم بمناطق احتكاك، فما بالنا وهي باتت مناطق اشتعال وحروب بالاستناد إلى خروجها عن السيطرة كما هو حال الأوضاع الأوكرانية، بخاصة مع استيلاد ميليشيات ذات طابع فاشي نازي باتت تحمي أنظمة مفصلة على مقاسات أحادية، وهي بجوهرها مافيوية أو متطرفة كما في مناطق اشتعال الحروب".

وتابع قائلاً "لقد عادت روسيا بعد مرحلة انتقالية من زمن الانهيار السوفييتي، واتسمت بشيء من عدم الاستقرار والتراجع، لتدخل مرحلة استعادة الهوية من جهة والدور الجيوسياسي الحيوي الفاعل لوجودها دولة نووية كبرى، وبهذا الإطار جابهت ظروفاً جديدة من سيطرة نظام الأحادية القطبية وهيمنته على العلاقات الدولية، الأمر الذي تم التعامل خلاله مع كل من روسيا والصين مثلما مع دول أوروبا النووية (بريطانيا وفرنسا)".

ورأى الدكتور الآلوسي بأنه "باتت الاختلافات هنا تندفع نحو احتكاكات صارت اليوم بوضع أشبه بأزمة خليج الخنازير والصواريخ السوفيتية في كوبا، وفي ظروف تحولات السلطة السياسية والإدارات الحاكمة لمنطقة فيها كثير من التغييرات البنيوية، فإن الأوضاع تُنذر بمخاطر حرب نووية لا تبقي ولا تذر وحصراً بأجواء مصادرة قرار الأطلسي، وحصره بأمريكا وآلهتها المؤدلجة بمنطق النهج الأحادي الذي لا ترغب بمغادرته".

ويشير الآلوسي إلى أنه يبقى أن نذكر أن الأمور ليست محكومة بتصورات أميركية، فروسيا تُعد نفسها لمزيد من التقدم العسكري المقرون بالأداء الاقتصادي المرسوم، وهو ما انعكس مؤخراً بتعيين وزير دفاع يحمل خلفية اقتصادية مالية، إلى جانب السعي الحثيث مع الصين لتمكين بريكس من الاستقرار أكثر والتوسع بنيوياً، وهو ما نجحتا به حتى الآن بخاصة مع تنامي الانفصال عن سلطة الدولار.

ويوضح الدكتور العراقي بأن "التنافس والصراع ليس مقصوراً على البعد العسكري وهو ما نشهد له تنامياً وربما تفاقماً باتجاه غزو الفضاء ونقل الصراع إليه وباتجاه عسكرته وعسكرة كثير من المنصات بجانب حجم نمو الاقتصادين الصيني والروسي وتكاملهما مع عدم إغفال استعادة تنمية القطاع الآسيوي ليس في روسيا فقط وإنما في الجمهوريات الحليفة تقليدياً تاريخياً كما فيتنام وكوريا الشمالية وما إليهما.. وطبعاً سيكون هذا الحجم السكاني للتحالف مع كثير من بلدان آسيا وأفريقيا بقوة اقتصادية وجيوسياسية قادرة على التأثير بسحب البساط من فكرة الأحادية القطبية لفكرة التعددية والتنوع وتبادل الاحترام والتعاون بصورة من التكافؤ إذا ما تم نزع فتيل الحرائق والحروب، وتطمين اتفاقات جديدة للأمن والسلام الدوليين خارج صندوق الاستغلال الذي تكتنفه مخاطر التهديد والعيش على منطق حافة الهاوية التي تضع العالم على شفا الانزلاق نحو حرب فناء".

ويعتقد الآلوسي بأنه يمكن أن نلخص فكرة التركيز على منطقة الاحتكاك الأوكرانية بما تندفع إليه الأزمة وحال إصرار الطرفين على تحقيق مكاسبهما بالانتصار، بمعركة إدامة نهج الهيمنة والأحادية القطبية أو الانعتاق واستبدالها بالتعددية القطبية ومنظومة اقتصاسياسية جديدة، تسمح بصعود أقطاب جديدة ركنها الأساس تحالف الاقتصاد الصيني وحجمه الاستثنائي والعسكرية الروسية وجديد ما ترسمه، لكن ما ينبغي لدول العالم هو الدفع باتجاه استعادة التوازن بما يبعد الحرب، لا بما يستبق التوازن بقرارات متعجلة متسرعة تنزلق بعالمنا نحو حرب الجميع فيها خاسر".

وفي معرض رده على سؤال، إلى ماذا تسعى كل من موسكو وواشنطن من هذا الصراع، يجيب الآلوسي قائلاً: "يتقابل هنا طرفان أحدهما استغل الظروف لفرض أحادية قطبية وهيمنة، والآخر يسعى لاستثمار المتغيرات الدولية لاستعادة التعددية القطبية وفرض التوازن الذي قد يعيد بعض العدالة في المشهد الدولي وتوازناته".

ويضيف "وجدت واشنطن نفسها بمضيق إما قبول التعددية والتوقيع على اتفاقية أمنية جديدة، أو الاندفاع بمزيد من الدعم لمنع انهيار سلطة تدير أوكرانيا منذ انقلابها على انتخابات 2014 وهو ما قد يعزز قوى فاشية نازية وسلطة مثيرة للخلاف والاحتراب ليس مع روسيا ولكن مع عالم جديد يريد الانعتاق من الهيمنة".

وعن رأيه بمساعي موسكو الأخيرة بتوثيق علاقاتها مع كوريا الشمالية والصين وفيتنام، يُعدها الدكتور العراقي بأنها "جزء من الاستعدادات لصنع كتلة قادرة على فرض إرادتها، بخاصة الاقتصادية والجيوسياسية، لابد من أرضية تحالف تستعيد البلدان الصديقة الحليفة زمن الاتحاد السوفيتي وهو أمر بالغ الأهمية لتمكين الاستقرار من العودة والثبات".

وبخصوص تحول الحرب البادرة الحالية بين موسكو وواشنطن إلى حرب ساخنة، يشير الآلوسي إلى أن "الانزلاق إلى حرب نووية بات أكثر قرباً ووضوحاً، على الرغم من أن المستجدات قد دخلت منطقة الحفاظ على السلام بوساطة جديدة توازن الرعب، ولكن حراكاً أممياً شعبياً بجانب العقلانية في ضبط العلاقات، هو ما ينبغي أن يتعاظم بقصد نزع فتيل الاندفاعات غير المحسوبة والتي قد تسبب ذاك الانزلاق الذي قد يحدث بخلفية استمرار التداعيات الراهنة".

ويختم البروفيسور والدكتور العراقي، تيسير عبد الجبار الآلوسي بأن "علمنا اليوم ليس آمناً ولا يملك بوسائل الاتفاقات القديمة ما يحميه أو يمكنه من التصدي للمستجدات، ولكن حسم المرحلة الانتقالية على وفق إرادة الشعوب وتمسكها بالسلام، هو ما قد يحسم الموقف ويعود بنا لأوضاع ما قبل أن يسطو مشعلو الحرائق والحروب على أوضاع مناطق الاشتعال المهددة بالانتقال إلى مناطق مجاورة أو إلى مستويات عالمية".

(أم)

ANHA