​​​​​​​تجفيف مجرى الأنهار والينابيع.. استراتيجية تركية ترافق حربها في الإبادة

يعيش الملايين في سوريا خطراً وجودياً يتمثل بالسعي التركي لإنهاء الحياة على ضفاف الفرات وتحويل مجرى النهر وضفافه إلى صحراء قاحلة في إبادة تركية ترافق حرب الاحتلال ضد البلاد.

​​​​​​​تجفيف مجرى الأنهار والينابيع.. استراتيجية تركية ترافق حربها في الإبادة
الجمعة 10 آذار, 2023   01:25
مركز الأخبار - زانا سيدي

إلى جانب جرائم الحرب وعمليات التغيير الديمغرافي التي ارتكبها جيش الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة التابعة له (داعش- جبهة النصرة - الجيش الوطني) على مدى أعوام مضت في سوريا، فتحت دولة الاحتلال التركي جبهة المياه ضد السوريين بالتزامن مع الهجمات الاحتلالية المتواصلة.

في خطوات يخلدها التاريخ من الجانب السلبي لا الإيجابي، تستمر دولة الاحتلال التركي في مخطط هو الأخطر ضد الشعب القاطن على ضفاف الفرات أحد أهم الأنهار في الشرق الأوسط.

تخلق سياسة دولة الاحتلال التركي تجاه نهري الفرات ودجلة؛ كارثة إنسانية وطبيعية في الوقت نفسه، وما يشجعها على ذلك هو موقف الحكومتين العراقية والسورية غير الواضح حيال ذلك.

كان أردوغان، وخلال مراسم افتتاح ثاني أكبر السدود في تركيا "سد اليسو" على نهر دجلة، في 6 تشرين الثاني الماضي، قد أكد على ضرورة حماية البلاد من أخطار الجفاف، وتبعاتها مثل نقص الغذاء، والاستعداد للسيناريوهات المظلمة التي تنتظر العالم في المستقبل.

وجاءت تصريحات أردوغان بالتزامن مع معاناة الملايين في سوريا والعراق من شح المياه نتيجة انخفاض مياه نهري دجلة والفرات لمستويات تاريخية، أثرت في الإنتاج الزراعي وتأمين مياه الشرب وكثرة حالات التسمم.

إن شح المياه على ضفاف الفرات في سوريا سوف يدفع السكان إلى الهجرة وهذا ما تسعى إليه دولة الاحتلال التركي، وإن ذلك هدف تركي طويل المدى، أي أنه هدفٌ استراتيجي بالنسبة لها.

إذ تأتي هذه الممارسات في إطار المساعي التركية الهادفة إلى تهجير أكبر قدر ممكن من سكان المنطقة وإفراغها، باستخدام أساليب عديدة من بينها الحرب الخاصة عن طريق الأجهزة الاستخباراتية والقصف المتواصل بأسلحة ثقيلة والطائرات المسيّرة التي تستهدف بشكل يومي، مناطق متفرقة في شمال وشرق سوريا، والسياسات التركية فيما يخص مجرى نهر الفرات.

يرى مراقبون أن ذلك يؤجج الصراعات القومية بين الأتراك والكرد والعرب من خلال خلق انطباع بأن الشعب التركي هو الذي يقطع المياه، نظراً لأن هناك حساسية سابقة نتيجة حكم العثمانيين، أثرت ممارسات دولة الاحتلال التركي سلباً على علاقات الشعب التركي مع الشعوب المجاورة، لقد خلقت هذه الممارسات حساسية كبيرة، حيث أضحت الدولة والسلطة التركية بلاء على رأس الشعب التركي نفسه.

شبكة السدود التركية وتأثيرها على سوريا

بدأت دولة الاحتلال التركي ببناء شبكة من السدود على مجرى نهر الفرات منذ 1966، ببناء أول سد وهو "كيبان" في ولاية آلازيغ في باكور (شمال كردستان) بسعة تخزينية تصل لـ 30 مليار متر مكعب من المياه، واستمرت ببناء السدود بعد ذلك، حيث أنشأت سد "بغشتاش" في أرزنجان، "كركايا" في آمد،"أتاتورك" بين ولايتي رها وسمسور، و"قرقاميش" في ديلوك (عنتاب).

حيث يعتبر سد أتاتورك بسعته التخزينية 48 مليار متر مكعب من المياه، من بين 5 أكبر السدود في العالم، إذ يشكل معوقاً أساسياً في انخفاض المياه الواردة إلى سوريا والعراق.

بالإضافة إلى عشرات السدود التي تخزّن ما مجموعه 670 مليار متر مكعب من المياه، بنتها الدولة التركية المحتلة خلال 50 عاماً الماضية، ضمن مشروع GAP.

وعلى الرغم من التحذيرات الصادرة من خبراء في المجال الجيولوجي عن خطورة احتفاظ الدولة التركية المحتلة بكميات كبيرة من المياه تصل إلى 50 مليار متر مكعب خلف سد أتاتورك، واعتبار ذلك أحد الأسباب المؤدية إلى حصول زلازل في المنطقة، تصرُ الدولة التركية على حبس المياه وتهديد حياة الملايين ومنع ضخ مياه الفرات إلى الأراضي السورية.

إلى جانب الكميات الضخمة التي تخزنها السدود التي أنشأتها تركيا، وتحويل مسار بعض الروافد إلى الأراضي الزراعية في سهل حران وسهول سروج، جفت غالبية الأنهار والينابيع المتدفقة إلى الأراضي السورية على مدى آلاف السنين؛ نتيجة الممارسات التركية، حيث جفت أنهار "الساجور شمال مدينة منبج، والبليخ بين مدينة كري سبي/ تل أبيض والرقة، والخابور وروافده في إقليم الجزيرة".

في المعظم، تضخ دولة الاحتلال التركي الكمية الضئيلة لمياه نهر الفرات حالياً من سدودها لتوليد الطاقة الكهربائية، بمعنى أوضح؛ إذا لم تتمكن تركيا من ضخ المياه فلن تستطيع توفير الطاقة الكهربائية.

حيث تتجاهل أنقرة الاتفاقية المبرمة مع دمشق وبغداد 1987 حول ضخ 500 متر مكعب من المياه في الثانية إلى سوريا وتضخ سوريا بدورها 60% من تلك الكمية إلى الأراضي العراقية.

أزمة المياه تضاف إلى الأوضاع الكارثية خلال سنوات الحرب في سوريا

تغذي مناطق شمال وشرق سوريا ثلاثة سدود على نهر الفرات، وهي سد روج آفا (تشرين) جنوب شرق مدينة منبج، وسد الفرات أكبر السدود السورية بالقرب من مدينة الطبقة وسد الحرية بالقرب من مدينة الرقة.

تعتبر نسبة المياه التي تدخل الأراضي السورية قادمة من الخارج 70%، إذ يشكل الفرات شريان الحياة لملايين السوريين من إقليم الفرات شمال البلاد ومناطق أخرى كالرقة ودير الزور، بالإضافة إلى تزويد ثاني أكبر مدينة في البلاد وهي حلب بمياه الشرب.

يروي النهر على ضفتيه في سوريا مساحة تقدر بـ 900 ألف هكتار من الأراضي المزروعة بالحبوب، أهمها القمح إلى جانب البساتين وأشجار الفاكهة، حسب عددٍ من لجان وهيئات الزراعة في مناطق مختلفة، لكن 400 ألف هكتار من الأراضي بقيت من دون مياه منذ صيف عام 2020، وقالت إدارة السدود في لقاء سابق أن استمرار تركيا في حبس المياه قد يضر بـ 600 ألف هكتار زراعية على ضفاف الفرات في سوريا.

وفي ظل الحصار الاقتصادي المطبق على مناطق شمال وشرق سوريا؛ يؤثر الانحسار المرعب لمجرى نهر الفرات؛ على الإنتاج المحلي الذي يحقق جزءاً كبيراً من الاكتفاء الذاتي.

تحتاج سدود المياه بمعدل 300 متر مكعب في الثانية، لتوليد الطاقة الكهربائية كأدنى معدل يمكن من خلاله تشغيل عنفة واحدة من سد تشرين أو سد الفرات وتوليد الكهرباء بسعة 105 ميغا واط ساعي، في حين أن الكمية القادمة هي أقل من 150 متر مكعب في الثانية وأحياناً تتدنى لـ 125 متر مكعب في الثانية.

مع بداية آذار/ مارس الجاري، أعلنت إدارة سد تشرين عن توقف السد عن العمل نتيجة انعدام الوارد المائي، وباتت عشرات المدن والبلدات والقرى في شمال وشرق سوريا دون التيار الكهربائي؛ ليعود السد إلى العمل في 8 من الشهر الجاري.

وسيعتمد تشغيل سد تشرين على كمية الوارد المائي من نهر الفرات القادمة من جانب دولة الاحتلال التركي، لكن بحسب الوضع الحالي، ستكون ساعات إمداد المنطقة بالكهرباء أقل مما كانت عليه قبل إيقاف السد عن العمل لمدة أسبوع.

(د)

ANHA