ما جرى أمس رسالة مفادها: لا حل في سوريا دون إرضاء الجميع
لم يكن ما حدث مساء أمس من توافق روسي تركي بخصوص سوريا والضربات الجوية على اللاذقية أياً كان مصدرها سوى فرض لمعادلة سياسية وميدانية على الواقع السوري.
يحيى الحبيب/مركز الأخبار
قد يبدو للبعض بأن الضربات الجوية على اللاذقية والتحشد الغربي بقيادة الولايات المتحدة على مقربة من الساحل السوري والتي تدفع للتوقع بشن ضربات أخرى لأماكن أكثر حساسية بأنه أمر ليوم واحد فقط، قبل أن يعود الوضع نفسه بشكل طبيعي. لكن الجديد في هذه الضربة هو إعلان انتهاء حالة الاسترخاء الاستراتيجي في واشنطن والغرب، وبدء تحجيم كل من روسيا وتركيا وإيران.
لطالما اعتبرت واشنطن بأن ما تقوم به كل من روسيا وتركيا وإيران من توقيع اتفاقيات في آستانة تحت مسمى خفض التصعيد وغيرها بأنه مضيعة للوقت.
وصف الكثير من المراقبين الولايات المتحدة طوال الأزمة السورية بأنه حوت نائم سيبلع كل القوى الأخرى عندما يستفيق بداية هذا الاستفاقة كانت من الرسائل التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، والتي أعلن فيها عن استراتيجية بلاده إزاء سوريا، لا تفصح فقط عن رغبة أو إرادة أمريكيتين بالانخراط في الصراع السوري، بشكل أكثر فعالية وقوة وتأثير أكثر من ذي قبل، وعلى الصعيدين الميداني والسياسي، إذ إنها تعبّر، أيضاً، عن تبلور خطوط استراتيجية، أو خارطة طريق لكيفية حل أو حسم، هذا الصراع الدائر منذ سنوات، مع تشكيل نوع من توافق أو تحالف بينها وبين مجموعة من الدول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن، وربما دول أخرى، لهذا الغرض.
بيد أن ما يجب لفت الانتباه إليه، أيضاً، أن خارطة الطريق هذه عدا عن أنها تفصح عن الرؤيا التي تتبنّاها الولايات المتحدة مع الدول المذكورة، فإنها في ذات الوقت تبعث برسالة إلى الأطراف الأخرى المنخرطة في الصراع السوري، ولا سيما إلى روسيا وإيران وتركيا، تفيد بأنه لم يعُد من المقبول تفردها بتقرير مصير سوريا وتقاسم النفوذ فيها، وأن مرحلة توكيلها بإدارة الصراع السوري أو استنزافها فيه، قد انتهت.
من الواضح بأن الإدارة الأمريكية تذهب بعيداً في انتهاج خيارات مفاجئة لضرب الطاولة البليدة للشرق الأوسط وتربك فاعليها.
الرسالة الأمريكية الغربية لكل من روسيا وتركيا بأن لا حل في سوريا إلا عبر المسار التفاوضي في جنيف، أي لا في مفاوضات آستانة، ولا في مؤتمر سوتشي، اللذين تعوّل عليهما روسيا، ما يعني أن الحل، من وجهة النظر الأمريكية، يجب أن يأتي وفقاً للمعايير التي رسمها مجلس الأمن الدولي في القرار 2254.
وحمل الغياب الإيراني عن التفاهم التركي الروسي الأخير حول إدلب بتشكيل منطقة منزوعة السلاح، عدة سيناريوهات أبرزها بأن الروس أرادوا من ذلك إرضاء الأتراك من جهة والابتعاد عن الإيرانيين في الملف السوري بسبب الضغط الغربي عليهم.
إن تعرض عدة مناطق سورية لقصف صاروخي من طائرات عسكرية إسرائيلية وغربية وتأدية ذلك لاختفاء طائرة روسية على البحر المتوسط للمرة الأولى، لا يمكن النظر إليه بعيداً عن الاتفاق بين بوتين وأردوغان يوم أمس في سوتشي حول إدلب.
روسيا وتركيا اللتان شرعتا بتقسيم الأرضي السورية وتهجير المرتزقة من مكان إلى آخر تقفان الآن مرتبكتان أمام هذه الهجمات.
روسيا التي حشدت قواتها طوال السنوات السابقة عاجزة عن حماية الأراضي التي تسيطر عليها والتي تعلم بأن لا حماية للنظام ومصالحها إذا أرادت القوى الدولية التحرك نحو فرض حل للأزمة السورية.
الدفاعات الجوية الروسية المنتشرة على الأراضي السورية تختفي عند قدوم الصواريخ الإسرائيلية والغربية وخصوصاً عندما تستهدف حلفائها الإيرانيين.
العجز الروسي في سوريا سيدفعها خلال الوقت للبحث عن حلول مع واشنطن وبدأت ذلك من خلال غض النظر عن استهداف القوات الإيرانية.
هذا السلوك الروسي تجاه حلفيها الإيراني من الأكيد سيشمل الحليف التركي في حال التوافق مع واشنطن فعندما يتفق الكبار سيخرج الصغار من اللعبة وسيكون التركي وسط تناقضاته التي أزعجت الجميع الخاسر الأكبر.
(ح)
ANHA