حرب إدلب التي باتت وشيكة
فرهاد شامي
الحسم السهل لملف جنوب سوريا وخاصة درعا سرّع من وضع ملف إدلب على طاولة النقاش، وهو ما لم تتوقعه تركيا التي كانت تعول على فصائل الجنوب في توجيه ضربة للنظام قد يبعد الحرب عن مناطق سيطرتها نظراً للتسليح الجيد والعدد الكبير من المقاتلين، وكذلك أمريكا التي كانت تأمل منها أنقرة في منع الهجوم والإبقاء على المنطقة آمنة.
الارتباك التركي بات واضحاً بخصوص إدلب في ظل تراكم الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية على الطاولة التركية، فالزيارات المتكررة للمسؤولين الأتراك إلى موسكو، واستجداء الاهتمام لعقد اللقاءات الدولية في أنقرة بخصوص إدلب، كلها تشير إلى أن مناورات أنقرة ومحاولتها لكسب الزمن لن تقنع الجانب الروسي في منع توجيه الضربة للفصائل الموالية لتركيا ومن بينها حركة تحرير الشام المصنفة إرهابياً وبعض الفصائل الأجنبية كالحزب التركستاني.
كان المطلوب من تركيا تفكيك هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) كتعهد أمام الجانب الروسي مقابل امتيازات لتركيا في نشر نقاط المراقبة، واحتلال عفرين وكذلك التفاوض على احتلال تل رفعت، ولكن ما حدث هو زيادة نفوذ الهيئة منذ أن وضعت تركيا نقاط المراقبة، وهي فشلت في مهمتها تلك بحيث لا يمكنها حتى توجيه ضربة للهيئة بسبب الظروف الداخلية وارتدادات العملية وهو ما يضعها في موقف حرج أمام الروس الذين لاحظوا في الفترة الأخيرة تحركات تركية تتعدى نقاط المراقبة في إدلب من خلال إرسال القوات الخاصة التركية ووضع أبراج الاتصالات اللاسلكية وغيرها.
إن إدلب بالفعل باتت قضية معقدة، وتتشارك بعض الأطراف الدولية الأخرى مع أنقرة التخوف من ضربة النظام، إيران وروسيا، وذلك ليس بسبب وجود الملايين من المدنيين كما تتحجج أنقرة وغيرها بها، بل بسبب تعارض المصالح في الملف الإدلبي، فإذا شن النظام وإيران الحرب وكُتب لهما النصر فسيكون ذلك نصراً للمحور الذي تحاول القوى الدولية تقليصه بكافة السبل، كما سيفتح باب النقاش بعدها حول مصير بقية المناطق كعفرين وإعزاز والباب وجرابلس، بل ستكون مصير (المعارضة المسلحة) كلها على طاولة النقاش، فإما الاندماج في مؤسسات النظام وإما اللجوء إلى معسكرات قد تعلنها أنقرة كما فعلت العراق لمجاهدي خلق على أراضيها.
ولكن فيما يبدو أن المسافة باتت تزداد ما بين المشروعين التركي والروسي، فتركيا وبناء على طلب روسيا تريد تفكيك جبهة النصرة وضمها إلى ما يسمى بالجيش الوطني الذي لا يختلف بأيّ شيء عن الجبهة سواء من الناحية الفكرية أو الأسلوب والهدف، وبذلك تحاول منع العملية على اعتبار أن حجة وجود الإرهابيين تكون قد أزيلت، ولكن روسيا تختلف مع المشروع التركي في أنها تريد ضم إدلب سواء عبر تسويات أو الحرب إلى سوريا مجدداً وإخضاعها لسيطرة النظام، ما بين المشروعين تظهر تحركات تركية تبدو وكأنها لرفع معنويات مرتزقتها والتأكيد لهم على أن العملية العسكرية لن تتم لو ساعدوها في القضاء على جبهة النصرة وتقليص نفوذها، وتلك التحركات تأتي على شاكلة إرسال كتل اسمنتية في النهار وبشكل علني إلى نقاطها لتخدع بها مرتزقتها بأن وجودها في إدلب سيطول ولا يمكن البدء بأية عملية عسكرية لطالما هي موجودة، ولكن في الحقيقة أن تركيا فقدت جميع أوراقها في الشمال السوري وأي خطوة عسكرية لاحقة لها ستضع احتلالها تحت مجهر القانون الدولي الذي بات بأيدي النظام وروسيا وحلفائهما.
بالمجمل، لدى النظام وروسيا الكثير من الوقت والفرص في الملف الإدلبي بعكس تركيا التي باتت فرصها معدومة، وإعطائهم تركيا لبعض الوقت لحسم المسألة لا يعني أن الحرب لن تُشن، بل على العكس، إذا فشلت تركيا في تنفيذ الأوامر الروسية فإن ذلك سيوفر للنظام وحلفاءه المزيد من الأصوات الدولية المؤيدة ورضى القانون الدولي الذي فيما يبدو لا يمكنه معارضة العمل العسكري ضد الإرهاب في المنطقة، فالحرب في إدلب محسومة وهي ستبدأ بضربات جزئية مركزة ضد نقاط تمركز هيئة تحرير الشام، لتصبح شاملة مع أي تقدم قد يحققه النظام فيما بعد.
ANHA