18 أيار.. يوم المقاومة والنضال الثوري للشعبين الكردي والتركي
يُمثل الثامن عشر من أيار رمزاً خالداً للمقاومة والنضال الثوري في وجدان الشعبين الكردي والتركي، حيث كرّسته، حركة التحرر الكردستانية، ليكون يوماً للشهداء، مستندةً إلى إرث نضالي عريق امتد لعقود من الكفاح والتضحيات الجِسام.

يحمل شهر أيار أهمية خاصة في تاريخ حركة التحرر الكردستانية، لكنه يكتسب بعداً أكثر عمقاً في يوم 18 أيار، حيث استُشهد القائد الثوري التركي إبراهيم كايباك كايا، إلى جانب قادة بارزين من حزب العمال الكردستاني، ومنهم حقي قرار، خليل جافغون، فرهاد كورتاي، نجمي أونر، محمود زنكين وأشرف آنياك، خلال مقاومة رسخت معالم النضال الثوري على مدى نصف قرن.
إبراهيم كايباك كايا.. رمز الثورة والتضحية
وُلِد إبراهيم كايباك كايا في 24 نيسان 1949 بناحية سونغورلو في مدينة جوروم التركية، وأسس جيش تحرير العمال والفلاحين التركي (TÎKKO)، مُطلقاً مسيرته الثورية في جبال ديرسم، وفي 24 كانون الثاني 1973، تعرض لإصابة خلال اشتباك مع الجيش التركي، ليُعتقل ويستشهد تحت التعذيب في سجن آمد، يوم 18 أيار 1973.
يشير القائد عبد الله أوجلان في كتابه "مانيفستو الحضارة الديمقراطية"، إلى الأثر العميق لاستشهاد كايباك كايا وقادة الثورة الآخرين، موضحاً كيف دفعته هذه الأحداث إلى خوض النضال السياسي واتخاذ خطواته الأولى نحو تأسيس الحركة الآبوجية.
حقي قرار: انطلاقة النضال الكردستاني
في 30 آذار 1972، استُشهد القائد ماهر جايان وتسعة من رفاقه في قرية قزل دره بمدينة نيكسار، محافظة توكات التركية، ما أثار موجة غضب عارمة في الأوساط الثورية. وفي اليوم التالي، شارك الطلبة المناضلون في أنقرة في توزيع منشورات تندد بالمجزرة، وكان من بينهم القائد عبد الله أوجلان، الذي اعتُقل آنذاك ليشهد لاحقاً إعدام دنيز كزميش ورفيقيه في السجن.
بعد إطلاق سراحه، تعرف القائد عبد الله أوجلان على حقي قرار وكمال بير، ليشكل هذا اللقاء نقطة تحول مفصلية أدت إلى انطلاق النضال الثوري في كردستان.
وُلد حقي قرار عام 1950 في منطقة أولوبي بمدينة أوردو التركية، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي هناك، وأكمل دراسته الثانوية في المدينة نفسها، لينتقل لاحقاً إلى جامعة أنقرة ويحصل على شهادة في الفيزياء؛ غير أن مسيرته الأكاديمية لم تَحُل دون انخراطه في العمل الثوري، إذ تأثر بالمقاومة التي قادها دنيز كزميش وماهر جايان وإبراهيم كايباك كايا، مما شكّل بداية رحلته النضالية.
في خريف عام 1972، تعرّف حقي قرار على القائد عبد الله أوجلان، ليصبح أحد أقرب رفاقه وأكثرهم تأثراً بفكره، مشاركاً في الاجتماع التاريخي الذي عقده القائد عام 1973 في ديكمن بأنقرة، خلال احتفالات نوروز، ومع تأسيس المجموعة الآبوجية، كما شارك القائد بهمّة عالية في تنظيم الشبيبة الثوريين في جمعية أنقرة الديمقراطية للتعليم العالي (ADYÖD). وبهذا الشكل يتمكنون من لمّ شمل الشبيبة الثوريين مرة أخرى عقب انقلاب 12 آذار، وانتقل لاحقاً إلى كردستان ليقود النضال الوطني في إيله، آكري، أضنة وديلوك
وفي عام 1973 أصبح حقي قرار الصديق الأقرب إلى القائد عبد الله أوجلان. كما انضم إلى الاجتماع الذي عقده القائد في ناحية ديكمن بأنقرة في نوروز عام 1973. وفي عام 1974 انضم إلى المجموعة الآبوجية. كما شارك القائد بهمّة عالية في تنظيم الشبيبة الثوريين في جمعية أنقرة الديمقراطية للتعليم العالي (ADYÖD). وبهذا الشكل يتمكنون من لمّ شمل الشبيبة الثوريين مرة أخرى عقب انقلاب 12 آذار.
استشهاد حقي قرار وإعلان 18 أيار يوماً للنضال
في 18 أيار 1977، وقع حقي قرار في كمين غادر في ديلوك، حيث تم اغتياله بدمٍ بارد. استُقبل خبر استشهاده بغضب ثوري عارم، وتعهد رفاقه بأن دماءه لن تذهب سدى، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من التصعيد الثوري في كردستان، وفي المؤتمر الأول لحزب العمال الكردستاني الذي عقد في 26 و27 من تشرين الثاني عام 1978، في قرية "فيس" التابعة لناحية "لجي" في ولاية آمد (دياربكر)، تم الإعلان عن يوم 18 أيار "يوم الشهداء"، ليصبح أيار شهراً لتكريم من ضحّوا بحياتهم في سبيل الحرية.
مكانة حقي قرار لدى القائد عبد الله أوجلان
كان حقي قرار بالنسبة للقائد عبد الله أوجلان "روحه المخفية"، وقد كتب مقالاً تخليداً لذكراه بعنوان "تخليداً لذكرى الثوري البروليتاري والأممي حقي قرار". ليصبح لاحقاً جزءاً من برنامج حزب العمال الكردستاني، ويوزع ككتيّب باسم ثوار كردستان"، ليكون بذلك أول وثيقة مكتوبة لحركة الحرية الكردستانية.
يصف القائد عبد الله أوجلان حقي قرار قائلاً: "منذ اللحظة التي فهم فيها ثورة كردستان، ترك دراسته الجامعية دون تردد، وكأنه حمل سريره على ظهره، وتوجّه إلى وطن لم يعرفه من قبل. في وقت لم يكن يملك فيه حتى خمسة قروش، عمل أحياناً كعاملٍ بسيط خلال أيام الثورة، وكانت ملابسه ممزقة دائماً، ولم يكن يأكل سوى وجبة واحدة، هي وجبة الإفطار. لكنه كان مصدر إلهام لمن حوله، متغلباً على كل المصاعب، ولم يشعر من كانوا معه كيف تمر الأيام بجواره".
عملية الفدائيين الأربعة: التضحية في مواجهة القمع
بعد الانقلاب العسكري في 12 أيلول 1980، واجه الثوار حملة قمع وحشية، شملت اعتقالات وتعذيب ممنهج بحق قادة حزب العمال الكردستاني، ومن بينهم محمد خيري دورموش، مظلوم دوغان، كمال بير، فرهاد كورتاي، نجمي أونر، محمود زنكين وأشرف آنياك.
في 18 أيار 1982، وفي إحدى أعظم ملاحم المقاومة، أقدم (فرهاد كورتاي، نجمي أونر، محمود زنكين وأشرف آنياك) على إشعال النار في أجسادهم داخل (سجن آمد)، احتجاجاً على الاستبداد والخيانة، تاركين رسالة واضحة مفادها: "نحن السائرون على درب مظلوم، ونرفض الاستسلام والقمع بكل أشكاله".
ظل 18 أيار، محفوراً في وجدان الأجيال الثورية، يوماً لتكريم الشهداء وإعلاء راية المقاومة، فالتضحيات التي قُدمت عبر التاريخ رسخت هذا اليوم ليكون رمزاً للصمود والتضحية في وجه الاستبداد، ورسالةً ثابتة بأن مسيرة الحرية لن تتوقف.
ANHA