الزراعة تنبض بالحياة في قانا: بيوت بلاستيكية وقطاف مبكر
الخيار يُقطف طازجاً، والبندورة تستعد للحصاد، ووجوه المزارعين تضيء في قانا... ليس فقط لأن الموسم وفير، بل لأنهم أثبتوا أنه بالإمكان تحويل الأرض إلى خزان غذائي متجدد، متى ما توفرت الإرادة وابتكر الإنسان حلولاً لبيئته.
نجح أهالي قرية قانا، الواقعة على بُعد نحو 30 كم عن مدينة الشدادي جنوب مقاطعة الجزيرة، في إحداث نقلة نوعية في ممارساتهم الزراعية خلال السنوات الأخيرة، عبر اعتماد تقنيات الزراعة الحديثة، في مقدمتها أنظمة الري بالتنقيط والبيوت البلاستيكية، ما أسهم في تحسين الإنتاج وزيادة مردودية الأراضي الزراعية بشكل لافت.
وباتت المحاصيل مثل الخيار، والبطيخ، والبندورة، والبصل، والثوم تشكل اليوم العمود الفقري لموسم الحصاد في القرية، حيث تُغطي هذه المزروعات نحو نصف المساحات الزراعية في المنطقة.
دعم فني محلي ونتائج ملموسة
وفي السياق، أوضح المزارع أحمد العكلة أن هذا التحول الإيجابي جاء ثمرة جهود فردية ودعم فني مباشر، لا سيما من المهندس الزراعي محمد العلي، الذي أشرف على تنفيذ وتطوير مشاريع الزراعة الحديثة في القرية.
وقال العكلة: "الدعم الفني الذي تلقيناه ساعدنا على تجاوز عقبات كثيرة، خاصة فيما يخص تخطيط البيوت البلاستيكية وتوزيع أنظمة الري"، مضيفاً أن النتائج على الأرض أثبتت جدوى هذه الخطوة.
تحديات مالية ومناخية تهدد الاستمرارية
وعلى الرغم من النجاح الملحوظ، أشار العكلة إلى أن المشروع لا يخلو من عوائق حقيقية، في مقدمتها ارتفاع الكلفة المالية، حيث تصل تكلفة أصغر مشروع زراعي حديث إلى 6000 دولار أمريكي، في ظل غياب شبه تام لأي دعم مالي من المنظمات أو الهيئات الزراعية.
كما أشار إلى تأثير العوامل المناخية السلبية، مثل موجات الصقيع في الشتاء، التي تستوجب تغطية البيوت البلاستيكية بشكل محكم، إضافة إلى الرياح الشمالية المحملة بالغبار، التي تجذب الحشرات الضارة، ما يفرض على المزارعين تأمين مبيدات وأغطية واقية، ما يُثقل كاهلهم بمزيد من التكاليف.
موسم واعد بانتظار حلول مستدامة
وأضاف العكلة: "نحن حالياً في ذروة موسم قطاف الخيار، وسنبدأ حصاد البندورة والبطيخ مع بداية الشهر المقبل، ولكن هذه النجاحات مرهونة بدعم فعلي من الجهات المعنية لضمان الاستمرارية".
ودعا العكلة المنظمات الزراعية والمؤسسات المحلية إلى تبنّي هذا النموذج ودعمه، سواء عبر تقديم التمويل أو تخفيض كلفة مستلزمات الزراعة الحديثة، بما يضمن تعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
نحو أمن غذائي محلي ومستدام
ويُعدّ تحوّل قرية قانا إلى نموذج في الزراعة الحديثة تجربة واعدة على مستوى شمال وشرق سوريا، إذ تسهم هذه المقاربات الزراعية في رفع الإنتاجية، وترشيد استهلاك المياه، وتحقيق الاكتفاء الذاتي على المستوى المحلي، ولكنها في الوقت ذاته، لا تزال مهددة بسبب غياب الدعم المؤسسي، ما يستوجب تكاتف الجهود لضمان استدامة هذا التحول.
ويأمل أهالي قانا أن تكون تجربتهم بداية لتحول أوسع نحو زراعة ذكية ومستدامة في مقاطعة الجزيرة، وأن يجدوا آذاناً صاغية لمطالبهم في ظل التغيرات المناخية والضغوط الاقتصادية المتزايدة.
(ح)
ANHA