منبج والنهوض من الركام

بفضل تكاتف أبناء وبنات منبج وتضحياتهم، نهضت المقاطعة بعد تحريرها من مرتزقة داعش، من بين الركام لتزدهر من جديد.

منبج والنهوض من الركام
منبج والنهوض من الركام
منبج والنهوض من الركام
15 آب 2024   05:10
منبج

في 15 آب 2016، أعلنت قوات مجلس منبج العسكري تحرير مدينة منبج من مرتزقة داعش، وتحوّل هذا التاريخ إلى تاريخ ومرحلة مهمة، وقاعدة انطلقت منه نحو الازدهار والتقدم ودافعها الأكبر هو تكاتفها وتضحياتها التي بذلتها في معركة التحرير.  

ولا يزال المشاركون في حملة التحرير يتحدثون عن أبرز تفاصيل حملة تحرير منبج، بوصفها الحدث الأهم في حياتهم ونضالهم من أجل حرية شعبهم؛ عضو مؤسسة جرحى الحرب في مجلس منبج العسكري إبراهيم الحسن، الذي انضم عام 2015 لقوات مجلس منبج العسكري الموجودة في سد تشرين والذي يقع على بعد 20 كم جنوب شرق مدينة منبج، شارك في حملة تحرير منبج لتخليص شعبه من الظلم وبطش مرتزقة داعش.

نسعى للسلام

أوضح إبراهيم الحسن: "لأهلنا الفضل الأكبر في تحرير منبج، حيث كانوا يساعدوننا بتقديم المعلومات عن أماكن وجود التنظيم الإرهابي ويستقبلوننا بالزغاريد والفرح، وعند تحرير أي قرية وفي اللحظات الأولى كان أبناء شعبنا ينضمون بحماس كبير لقواتنا، والكل يريد أن يشارك في تحرير أرضه وشعبه".

وأوضح إبراهيم الحسن الذي أصيب في حملة تحرير منبج: "التفاف الأهالي حول قواتنا رفع معنوياتنا جداً ودفعنا لمواصلة الحملة". ونوّه إلى استتباب الأمن في مدينة منبج وعودة الحياة إليها بشكل سريع وتنفس الأهالي الصعداء، وقال: "هذا يجعلنا ندرك حجم الإنجاز الذي حققناه خلال حملة التحرير، ويعطينا دافعاً أكبر في الدفاع عن أرضنا، نحن نسعى للسلام وبذلك جاهزون دائماً للدفاع عن أرضنا وشعبنا".

أما المقاتل أسامة عسكر، الذي قتل شقيقه قنصاً على يد مرتزقة داعش، وأحد الشبان الذين انضموا لقوات مجلس منبج العسكري أثناء حملة تحرير منبج، وفقد قدمه اليسرى أثناء عملية تمشيط آخر معاقل لمرتزقة داعش في منبج إثر انفجار لغم، أكد: "انضممت لأرفع الظلم عن أهالي، الظلم الذي مارسه داعش ولمسته بشكل مباشر بعد مقتل أخي على يد قناص لتنظيم داعش، هذا الظلم دفعني للالتحاق بقوات مجلس منبج العسكري كأحد أبناء القرى التي تحررت على يد قوات مجلس منبج العسكري".

ولفت عسكر الانتباه على أمر آخر شد انتباهه وجعله ينضم لصفوف قوات مجلس منبج العسكري، ألا وهو المعاملة الطيبة التي شهدها من القوات والفكر الذي يتبناه فكر أخوة الشعوب والسلام. ونوّه إلى أنه وبتحرير منبج من داعش عادت مشاعر التكاتف والتلاحم بين جميع مكونات المدينة التي عانت الأمرين إبان سيطرة مرتزقة داعش. 

النهوض من بين الركام

أثناء عملية تحرير منبج وقراها، عملت الفرق الخاصة بإزالة الألغام التي زرعها مرتزقة داعش في كل مكان بشكل إسعافي ومرحلي، من أجل منع خروج الأهالي من المدينة، وثانياً لمنع تقدم قوات مجلس منبج العسكري، وبعد تحرير المدينة بذلت الفرق الخاصة جهوداً مضنية في سبيل إزالة الألغام؛ ليتمكن الأهالي من العودة إلى منازلهم بأمان. المدينة كانت مليئة بالسيارات المفخخة والألغام؛ وفي الجهة المقابلة أسهمت الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة منبج في تنظيم الأهالي ضمن المجالس والكومينات. 

الرئيسة المشتركة لهيئة المالية في مقاطعة منبج نورة الحامد، والتي كانت من الأوائل اللواتي بدأن في العمل على تأسيس المجالس في منبج، قالت: "أثناء حملة تحرير منبج، وعند تحرير قرية تلو الأخرى، قمنا بتنظيم الأهالي عبر تشكيل مجالس مدنية وكومينات وتقديم الخدمات للأهالي كحالة إسعافية، وعند تحرير مدينة منبج بشكل كامل، تم الإعلان عن المجلس المدني لتسيير الأعمال بشكل طارئ".

وأكدت نورة الحامد: "بعد تحرير المدينة بدأت عملية إزالة الألغام من المنازل والشوارع والأحياء وتنظيفها، وبدأت عودة الأهالي تدريجياً وعودة بناء المدينة التي تعرضت لتدمير كبير، وفي المقابل بدأت عملية تأسيس مؤسسات الإدارة الذاتية في مدينة منبج وريفها".

"التعليم قبل الغذاء"

أولت الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة منبج الأهمية الكبرى لقطاعي التعليم والصحة لتعافي المجتمع من بقايا مرتزقة داعش وفكره المتطرف، وبناء غد أفضل عبر بناء الأجيال التي حرمت من التعليم لأكثر من 3 سنوات.

نورة الحامد أكدت أن الإدارة الذاتية منذ تأسيسها أخذت على عاتقها إعادة بناء قطاع التعليم، والذي توقف فترة طويلة نتيجة سيطرة مرتزقة داعش، وأطلقت الإدارة الذاتية حملة بعنوان "التعليم قبل الغذاء"، لتسليط الضوء على أهمية التعليم، وباشرت بإعادة تأهيل وبناء المدارس وإعداد المعلمين وتأهيلهم لمواكبة العملية التعليمية من جديد.

ووصل حتى الآن عدد المدارس في مقاطعة منبج إلى 350 مدرسة، تضم طلاب المرحلتين التعليم الأساسي والثانوي، وبلغ عدد الطلبة 127990 طالباً وطالبة، وعدد المعلمين إلى 5620 معلماً ومعلمة، حرصت هيئة التربية والتعليم على تلقيهم تدريباً مكثفاً على طرائق التدريس الحديثة التي تواكب تطور العصر.  

خطوات ملموسة في القطاع الصحي

بعد التعليم أولت الإدارة الذاتية أهمية للقطاع الصحي، وأشارت نورة الحامد: "افتتاح المستوصفات والمستشفيات في مدينة منبج، وخاصة مشفى الفرات الذي حوله تنظيم داعش إلى مشفى خاص لعناصره، تمت إعادة تأهيله وفتح أبوابه لاستقبال الأهالي وتقديم الخدمات الطبية لهم مجاناً، وكان له دور كبير في إنقاذ حياة الأهالي خصوصاً المصابين نتيجة ألغام ومخلفات تنظيم داعش".

وشملت جهود هيئة الصحة في مقاطعة منبج خلال الأعوام الماضية إعادة هيكلية مشفى الفرات، الذي تعرض لدمار ممنهج من قبل مرتزقة داعش، كما تم استحداث أقسام جديدة في المشفى، وهي أقسام الكلية، والعناية المشددة، والتلاسيميا، وقسم الإسعاف، وتم رفد المشفى بأجهزة حديثة تشمل أجهزة غسل الكلى، وحواضن الأطفال، وإيكو العيادات، وغواصة، وجهاز أشعة، والجهاز القوسي، وعدة عظمية ومونتيرات للعناية، ومنافس وأجهزة كاملة للمخبر، بالإضافة لإنشاء مستودع دوائي خاص بالمشفى.

وأعادت هيئة الصحة إعمار وترميم المستوصفات في الريف، وقامت بإعادة تأهيل البنية التحتية والكوادر الطبية للمستوصفات البالغ عددها 15 مستوصفاً، وهي مستوصفات (العوسجلي، والعريمة، وتل حوذان، وأبو كهف، والمحترق، وتل الرفيع، ومخيم الرسم الأخضر، وراس عين الحمر، وحيمر لابدة، ووعون الدادات، والماشي، وأبو قلقل، والحية، والعسلية ومركز الرعاية الصحية الأولية في منبج).

إضافة إلى ذلك، تم تأسيس الصيدلية المركزية والمخبر المركزي اللذين يقدمان الخدمات للأهالي بأسعار رمزية، وتم إنشاء منظومة إسعاف الطوارئ في مشفى الفرات، ورفدها بـ 13 سيارة إسعاف، كما وتم الانتهاء من بناء المشفى الجديد في شارع الرابطة، ويتم العمل على تفعيله في الأشهر القادمة، ومن المقرر افتتاح قسم الأشعة الكاملة، والذي يضم أجهزة (الماموغرافي، والرنين المغناطيسي، وجهاز تفتيت حصيات الكلى وجهاز القثطرة القلبية).

8 أعوام من الازدهار

وتطرقت نورة الحامد إلى الازدهار الذي تشهده منبج رغم الصعوبات: "في السنة الثامنة بعد تحريرها أصبحت مدينة منبج مدينة مزدهرة من خلال المشاريع في المجالات الصحية والخدمية والتربوية والتنظيمية والثقافية كافة، وحققت قفزة نوعية في التطور، كونها تمتلك خامات جيدة من المتعلمين والمثقفين، ونحن نرى أن أعوام ما بعد التحرير شكلت فارقاً في مسيرة منبج عبر تاريخها".

ولفتت نورة الحامد إلى الصعوبات التي تواجههم في المرحلة الحالية: "رغم كل ما حققته مقاطعة منبج، إلا أن طموحاتنا أكبر من ذلك بكثير، والعقبة الأكبر التي تؤخر إنجاز هذا التقدم هي هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته المستمرة بشكل يومي، وذلك لأن تحرير منبج أغلق الباب أمام الاحتلال في إدخال مرتزقته إلى شمال وشرق سوريا؛ لذلك تحاول زعزعة الأمن والاستقرار وهذا يعرقل حركة التطور في مقاطعة منبج".

المرأة في منبج من الظلم إلى صنع القرار

إن معاناة المرأة في منبج كانت مضاعفة إبان سيطرة مرتزقة داعش، وحرمت من أبسط حقوقها، وحملة تحرير منبج ومشاركة المرأة ضمنها كانت بمثابة بصيص أمل لجميع نساء منبج؛ نورة الحامد أوضحت: "انطلاق حملة تحرير منبج ووجود المرأة في هذه الحملة وحملها للسلاح للدفاع عن شعبها ببسالة، عزز الثقة لدي ولدى كل النساء المنبجيات، ومشاهدتي للنساء يحملن السلاح ويقاتلن شكّل لدينا حافزاً لخوض هذه التجربة في بناء المؤسسات والإدارات في مدينة منبج، وممارسة العمل ضمن هذا المشروع الديمقراطي".

وأكدت نورة الحامد إن: "نظام الرئاسة المشتركة الموجود منذ البداية في لجان ومؤسسات الإدارة المدنية كان أحد العوامل الأساسية لمشاركة المرأة في تأسيس الإدارة الذاتية، وهذا النظام الذي تعرف عليه أهالي منبج لأول مرة شجع المرأة على أخذ دورها والنضال فيه، خصوصاً أنه جاء بعد أنظمة عدة قمعت المرأة وقلصت دورها".

ونوهت نورة الحامد إلى أن: "المرأة في مقاطعة منبج ومنذ تأسيس الإدارة الذاتية، كان من أولوياتها تنظيم المؤسسات النسائية كدار المرأة، وأيضاً تشكيل لجنة المرأة، والتي تعمل على تطوير المرأة سياسياً وتنظيمياً واقتصادياً، وأحدثت المرأة نقلة جذرية وانتقلت من اللا شيء إلى كل شيء، فأصبحت رئاسة مشتركة في كل القطاعات، وتلعب دوراً ريادياً في وضع القرارات وتشارك في الدفاع عن مقاطعة منبج".

(م ش/أ ب)

ANHA