المقاومة التي حررت شنكال بنيت على أسس الحماية والإدارة الذاتية
يعيش الإيزيديون في شنكال ومنذ أن حررها المقاتلون من مرتزقة داعش في وجه هجمات مستمرة وحملات إبادة منظمة، وعلى الرغم من ذلك تبقى المقاومة المبنية على أسس الحماية والإدارة الذاتية سبيلاً لإنهاء سلسلة " الفرمانات" ، وحررت بفضلها شنكال.

لم يتوقع الإيزيديون في شنكال أن " فرماناً" آخر سيسجل في تاريخ الفرمانات والمجازر التي تعرض لها المجتمع الإيزيدي والتي سجلت لحد الـ74 فرماناً. وفي ساعات ما بعد منتصف الليل وبالتحديد حوالي الساعة الثانية من يوم 3 آب 2014، شن مرتزقة داعش هجومهم الوحشي على القضاء وأحدثوا الفظائع فيه.
وقبل ذلك لم يعلم أهالي قضاء شنكال في جنوب كردستان أن الآلاف من بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني PDK، وما يزيد من 10 آلاف من جنود الجيش العراقي سيفرون من مواجهة مرتزقة داعش وسيتركونهم دون الدفاع عنهم رغم التصاريح المتتالية التي صدرت عن مسؤولين عراقيين وآخرين من الديمقراطي الكردستاني أنهم سيدافعون عن شنكال وأهلها.
فبعد أن احتل داعش مدينة الموصل في الـ 10 حزيران 2014، استعد لشن الهجوم على قضاء شنكال انطلاقاً من هناك، ومع استعداد الإيزيديين للمقاومة في وجههم وحفرهم للخنادق حول بعض القرى إلا أن تخلي البيشمركة والجيش العراقي عنهم وتركهم دون ذخيرة وأسلحة كافية جعل داعش يتقدم وسط المقاومة.
وذكر شهود عيان في أكثر من مناسبة وفي تقارير نشرتها وكالتنا أن المئات من رجال وشبان قرى سيبا شيخ خدر وتل عزير وجدالة وغيرها قاوموا حتى ساعات الصباح الأولى إلى أن نفدت ذخيرتهم.
وكان ذلك سبباً في تمكن الآلاف من الإيزيديين من التوجه إلى قمة جبل شنكال قبل وصول داعش لقراهم في جنوب وشمال الجبل، لكن المأساة كانت انتشار المقابر الجماعية في عموم قرى ونواحي شنكال والتي بلغت أكثر من 80 مقبرة جماعية تحوي رفات الآلاف من الإيزيديين الذين قتلوا على يد داعش.
وحسب منظمات إيزيدية فقد اختطف مرتزقة داعش في هجوم عام 2014، 6417 إيزيدياً، منهم 3548 امرأة، و2869 رجلاً، لتسفر حملات التحرير المختلفة التي أُطلقت لاحقاً عن تحرير 3739 إيزيدياً، بينهم 1203 امرأة، فيما بقي مصير من تبقى منهن لا يزال مجهولاً.
ومن المؤكد أن الكارثة ستكون أكبر مع بقاء أكثر من 200 ألف إيزيدي في جبل شنكال في مناطق كسردشت وكرسي والمنحدرات المطلة على روج آفا في شهر آب الصيفي دون ماء وطعام قبل وصول قوافل قوات الدفاع الشعبي HPG من جبال كردستان ووحدات حماية الشعب YPG، ووحدات حماية المرأة YPJ، من روج آفا بعد فتحهم للممر الإنساني بين شنكال وروج آفا.
وفي ذاك الوقت الذي فتحت فيه وحدات حماية الشعب والمرأة الممر الإنساني كانوا يخوضون في منطقة تل كوجر مقاومة ضد مرتزقة داعش، وفي الصباح الباكر في يوم الـ 4 من آب دخل المقاتلون أراضي شنكال وفتحوا ممراً بطول ما يقارب 30-40 كم .
وحدات المقاومة وتحرير شنكال
في الـ 4 من آب عام 2014 شكل بنات وشباب شنكال وحدات مقاومة شنكال للدفاع عن قضاء شنكال وتحريرها من مرتزقة داعش، ووقف مقاتلو قوات الدفاع الشعبي ووحدات المرأة الحرة – ستار، ووحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة إلى جانبهم وحاربوا من خانصور وسنوني وصولاً إلى شلو وسيبا شيخ خدر وتل بنات ورمبوسي ودهولا.
وبعد المجزرة، أدرك الإيزيديون حقيقة الحزب الديمقراطي الكردستاني، لذا كان قرار تأسيس وحدات المقاومة نابعاً من الإحساس بمسؤولية أن الدفاع عن شنكال مهمة أهلها، ومع الدخول في شهر شباط عام 2015 أعلنت نساء شنكال أيضاً تأسيس وحدات المرأة-شنكال.
وفي آذار عام 2015 أطلقت القوات حملة تحرير القرى في شنكال وصولاً إلى مركز المدينة وتكللت بالانتصار وتحرير مدينة شنكال بالكامل من مرتزقة داعش في 14 تشرين الثاني من العام ذاته، وتوجهت بعدها لتحرير القرى المحيطة بها.
وأعلنت وحدات حماية الشعب أنها نفذت مهمتها وواجبها التاريخي في شنكال على أكمل وجه وأن وحدات مقاومة شنكال أصبحت مستعدة أن تقوم بمسؤولية حماية شنكال وأهلها في وجه كافة الهجمات.
وفي نسيان 2018 أعلنت القيادة العامة لقوات الدفاع الشعبي سحب قواتها من شنكال، وأكدت أن وحدات مقاومة شنكال المتشكلة من أبناء وبنات شنكال هي من تقوم بمهام الحماية والدفاع عن شنكال.
الإيزيديون ينظمون أنفسهم إدارياً وسياسياً وثقافياً
الإيزيديون الذين لم يعودوا يثقون بحكومتي بغداد وهولير، واستفادوا من التجارب العسكرية والسياسية والإدارية وكذلك من تجربة روج آفا، بدأوا بتنظيم أنفسهم وأعلنوا عام 2015 تأسيس المجلس التأسيسي الإيزيدي الذي تحول عام 2017 إلى مجلس الإدارة الذاتية الديمقراطية لشنكال.
وفي حزيران عام 2016 شكلوا حزب الحرية والديمقراطية الإيزيدية كاتحاد بين حركة الديمقراطية والحرية والتجمع الإيزيدي المرخص رسمياً من الحكومة العراقية، وفي 6 تموز عام 2016 شكلوا أسايش إيزيدخان كقوى أمن داخلي تعمل على تعزيز الأمن والاستقرار داخل مدينة ونواحي قضاء شنكال.
إلى جانب ذلك، شكلوا مجلس النساء الإيزيديات الذي تحول في أيلول 2016 إلى حركة حرية المرأة الإيزيدية. كما افتتح الإيزيديون أكاديميات تدريبية ومدارس لتعليم أطفالهم لغتهم الأم.
الهجمات لم تتوقف بعد إزالة داعش وتركيا تنتقم
تحرير قضاء شنكال من مرتزقة داعش لم يرق لدولة الاحتلال التركي ومعاونيها الذين وجهوا داعش بشكل مباشر إلى شنكال وفتحوا الطريق أمامه وبعد الإعلان عن تحرير قضاء شنكال بالكامل من مرتزقة داعش، بدأت الطائرات التركية ومنذ عام 2017 بشن الهجمات الجوية المستمرة على شنكال واستهداف القادة والرياديين في المجتمع الإيزيدي والذين كان لهم دور كبير في تنظيم وتدريب المجتمع الإيزيدي والدفاع عنه، إضافة لبث الفوضى في شنكال بعد موجة عودة النازحين من مخيمات جنوب كردستان.
بالتزامن مع هذه الهجمات شنت قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوات الجيش العراقي ولأكثر من مرة هجمات على شنكال وتصدت لهم وحدات مقاومة شنكال وأسايش إيزيدخان بعدما حاولت أن تقضي على قوات الحماية الذاتية للإيزيديين ونسف مكتسباتهم.
وكانت إضافة إلى ذلك اتفاقية 9 تشرين الأول2020 التي وقعت بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحكومة العراقية التي ترأسها مصطفى الكاظمي وبإملاءات تركية واضحة والتي وصفها الإيزيديون بـ "فرمان باسم القانون" أكثر ما آذى الإيزيديين بعد الفرمان والتي كانت تحت مسمى تنظيم الأمور الإدارية والأمنية في شنكال.
وكانت إحدى نتائجها بناء الجدار على الحدود الفاصلة بين شنكال وروج آفا في آذار عام 2022 والهجمات المستمرة على قوات الدفاع والحماية في شنكال، كإحدى محاولات سلب إرادة الإيزيديين وضرب مشروعهم الديمقراطي بعد عام 2014.
(سـ)
ANHA