يُعزى البرلمان الموصد والشغور الرئاسي اللبناني إلى غياب الحوار بين الأطراف السياسية

يُبقي غياب الحوار والتوافق بين الأطراف السياسية اللبنانية، أبواب البرلمان اللبناني مقفلة، ما يترك البلاد من دون رئيس، شغور المنصب الذي تترقبه مختلف المؤسسات الحكومية يعود إلى أسباب متعددة.

يُعزى البرلمان الموصد والشغور الرئاسي اللبناني إلى غياب الحوار بين الأطراف السياسية
30 آب 2024   07:00
بيروت
رانيا عبيد

يشهد لبنان منذ سنتين تقريباً فراغاً رئاسياً، وهي حالة تحمل معها عواقب وخيمة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

تتعدد الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المعقد، وأبرزها الغياب الواضح للإرادة السياسية لدى القوى السياسية اللبنانية للخروج من الأزمة، حيث تفضل بعض القوى الإبقاء على الوضع القائم لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة، ما يجعل التوافق على شخصية رئاسية توافقية أمراً بالغ الصعوبة.

كما أن المشهد السياسي اللبناني يتأثر بشكل كبير بالتجاذبات الإقليمية والدولية، حيث تسعى القوى الخارجية إلى فرض أجنداتها الخاصة على الساحة اللبنانية، مما يعقد عملية انتخاب رئيس جديد.

وفي النتيجة، فإن أبواب البرلمان لا تزال مقفلة، ولبنان لا يزال ينتظر رئيساً. وإن كانت تصدر مواقف من وقت الى آخر تدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية، إلا أن الجمود سيد الموقف.

كذلك المبادرات الرئاسية الداخلية والخارجية التي سعت لإحداث خرق في الملف الرئاسي، فهي فشلت كلها وبقيت الجمهورية اللبنانية من دون رئيس.

التناحر السياسي يقف عائقاً في وجه انتخاب رئيس

أزمة الفراغ الرئاسي هي أزمة معقدة تعود إلى التناحر التقليدي بين القوى السياسية الممثلة للطوائف، بحسب الأستاذ في العلاقات الدولية الدكتور نبيل الخوري، الذي رأى في حديثه لوكالتنا أن هناك تقاسماً في السلطة السياسية، حيث يغيب التوافق الذي يعدّ شرطاً أساسياً لانتخاب رئيس، وتكليف رئيس مجلس الوزراء وتعيين الحكومة وانتظام عمل المؤسسات.

وقد أتى الاستحقاق الرئاسي في أواخر العام 2022، في سياق من الاستقطاب الحاد بين القوى السياسية الداخلية، على خلفية مسألة سلاح حزب الله ومسألة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، ولكن أيضاً وسط إرباك يطال معظم القوى السياسية بشأن مسألة الانهيار الاقتصادي والمالي والأزمة المصرفية ومسألة إعادة أموال المودعين.

أين أصبح مسار الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري؟

مواقف القوى المتصارعة بات من الصعب التوفيق فيما بينها حسب الخوري، ولاسيما في كيفية حل مسألة سلاح حزب الله ومصادرته قرار السلم والحرب، إلى درجة أن مجرد طاولة حوار بسيطة بين اللاعبين باتت مستبعدة.

ويضيف الخوري أن هذا ما يسهم في تعطيل الانتخابات الرئاسية، فمن دون حوار لن يكون من السهل انتخاب رئيس متوافق عليه "وفي حال رضخ رئيس مجلس النواب نبيه بري للضغوط الخارجية ودعا إلى جلسة انتخاب رئيس من دون أن يسبقها الحوار، وفي حال أدت هذه الجلسة الديمقراطية إلى انتخاب رئيس لا يقبل به حزب الله وحركة أمل، فمن شأن ذلك أن يحل أزمة الفراغ الرئاسي، هذا صحيح، لكن قد يُدخِل البلد في أزمة جديدة، إذا قرر الثنائي الشيعي مقاطعة المشاورات النيابية لتكليف رئيس حكومة ومقاطعة الحكومة العتيدة نفسها".

ويرى الخوري أنه في هذه الحالة تنشأ أزمة ميثاقية، على غرار أي أزمة ميثاقية تنتج عن الفيتو الذي يضعه ممثلو أي طائفة على عمل السلطة السياسية "إذاً ما يعطل انتخاب الرئيس هو انعدام التوافق بين اللبنانيين على كل شيء: على اسم الرئيس، على مبدأ احترام اللعبة الديمقراطية، على برنامج الحكومة العتيدة ووظيفتها، على تشكيل الحكومة".

هل من انفراجه دولية قد تفك معضلة الرئاسة في لبنان؟

محاولات حل الأزمة الرئاسية دخلت في حالة من عدم اليقين في المدى المنظور، وخصوصاً بعد 7 تشرين الأول، بحسب الخوري، فلا أمل في الانفراج إلا من خلال توافق إقليمي ودولي بين إيران من جهة وأميركا وفرنسا والسعودية ضمن اللجنة الخماسية التي تضم أيضا قطر ومصر، من جهة ثانية. ومن شأن توافق كهذا أن يفرض على اللاعبين اللبنانيين رئيس يحظى بالإجماع.

ولكن في المرحلة الراهنة وفي سياق حرب غزة وحرب جنوب لبنان والاضطراب الإقليمي الخطير، فإن التوتر بين الغرب وإيران يحول دون إمكانية الوصول إلى توافق دولي يمهد لانتخاب رئيس في لبنان.

في الداخل، الاستحقاق الرئاسي في لبنان يعدّه البعض رهينة بيد حزب الله

حزب الله يعتمد سياسية الهيمنة في لبنان، ولاسيما في موقع الرئاسة بحسب الصحفي والمحلل السياسي جهاد جرجس، الذي تحدث لوكالتنا معتبراً أنه بعد اتفاق الطائف كان الرئيس يأتي بناء على تكليف من "النظام السوري" حتى أصبحت الإدارة اللبنانية من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة والموظفين يتبعون النظام السوري.

ويعتقد جرجس أنه بعد انسحاب النظام السوري من لبنان إثر: "استشهاد الرئيس رفيق الحريري، حاولت سوريا انتداب أشخاص آخرين يتبعون سياستها، فاختارت حزب الله الذي بات الممسك بقرارات لبنان ولاسيما رئاسة الجمهورية الذي يتخذها رهينة وفقاً لحساباته ولمصلحة سوريا".

ويضيف جرجس أن حزب الله لا يمكنه الإتيان برئيس للجمهورية؛ لأنه لا يملك الغالبية النيابية لكنه يستطيع منع انتخاب رئيس وعرقلة هذا الاستحقاق الوطني، "فهو يريد تكرار سيناريو انتخاب الرئيس السابق ميشال عون ويحاول إرغام اللبنانيين على الموافقة على مرشحه سليمان فرنجية الموالي للسوريين وللإيرانيين".

لكن تبقى الأحزاب المعارضة في لبنان ثابتة في موقفها تجاه هذا الاستحقاق؛ فهي تخالف حزب الله وتوجهه من خلال اختيارها مرشحاً تابعاً للبنان ويتمتع بالوطنية والاستقلالية ويأخذ حقوق المواطنين أولوية.

في سياق آخر، البعض يربط الأزمة الرئاسية بالوضع القائم، ولا سيما حرب غزه وجنوب لبنان، جرجس يؤكد أن الأزمة الرئاسية في لبنان قائمة قبل حرب غزة والمعطّلون يستخدمون الحرب كحجة إضافية لعدم انتخاب رئيس، ويحاولون تغطية الأمور بقشور الحرب، لكن الحرب حاجة تفرض وجود رئيس يسهم في تنظيم الدولة لمواجهة الظروف التي تفرضها هذه الحرب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

في هذه المرحلة العصيبة إذاً، يحتاج لبنان إلى مضاعفة الجهود من جميع الأطراف لحل أزمة رئاسة الجمهورية، ولاسيما في عقد حوار وطني جامع يضم جميع القوى السياسية والمجتمعية لبحث الأسباب الجذرية للأزمة، واقتراح حلول شاملة ضمن مناخ من الثقة والاحترام المتبادل.

(أ ب)

ANHA