"صمت الروح" لوحة فنية نطقت دون شرح

أبدعت الرسامة رسمية العرسان، في رسم لوحة خلابة، تنطق بكثير مما تحمله الروح، وما صعب عليها التعبير عنه لفظياً بعنوان "صمت الروح".

"صمت الروح" لوحة فنية نطقت دون شرح
"صمت الروح" لوحة فنية نطقت دون شرح
"صمت الروح" لوحة فنية نطقت دون شرح
12 آب 2024   07:20
الطبقة

"صمت الروح" لوحة فنية، عكست معاناة المرأة في ظل بعض العادات الرجعية المهيمنة ضمن المجتمع، تعود لصاحبتها الفنانة التشكيلية رسمية العرسان من مواليد 1977 بمقاطعة الطبقة في إقليم شمال شرق سوريا.

حبها للرسم منذ نعومة أظفارها دفعها لرسم أحلامها على الورق والجدران، حيث شاركت في المرحلة الابتدائية في مسابقات رواد الطلائع، بالإضافة إلى مشاركتها في العديد من المعارض، إذ كانت لوحاتها ورسوماتها تنال إعجاب ودهشة الزوار لواقعيتها.

درست رسمية المرحلتين الإعدادية والثانوية في مدينة الطبقة، ولاستكمال دراستها توجهت إلى الرقة لتبدأ مسيرتها في معهد الفنون النسوية لمدة عامين.

ازدادت موهبة رسمية وخبرتها في مجال الرسم بعد تخصصها في مجال الفن والرسم عام 1997، لتتعين مدرّسة رسم في المدارس الإعدادية، تشير رسمية إلى أن هذه كانت أول تجربة لها في مجال الرسم، لإعطاء شيء جميل وتعليم أجيال أخرى موهبة اكتشفتها وهي لا تزال صغيرة السن.

مع بدء الأزمة السورية (2011)، قُتل زوج رسمية على يد مجهولين، وبقيت مع أطفالها الـ 7، وصفت رسمية هذه المرحلة من حياتها بالأكثر صعوبة، وقالت: "تعرضت لضغوط صعبة من ناحية تأمين احتياجات أطفالي، ومن ناحية أخرى، العادات والتقاليد التي كانت تقيد حريتي؛ لكن حبي الكبير لأولادي أمدّني بالقوة للاستمرار والسعي لمواجهة الصعاب والعمل للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الاكتفاء بالذات".

ومع تحرير الطبقة من مرتزقة داعش 2017، وتشكيل مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الطبقة، انضمت رسمية إلى مكتب الرسم في المركز الثقافي لمقاطعة الطبقة، وقالت عن هذه المرحلة: "منحتني فرصة جديدة لأبحث عن ذاتي، كما أزاحت متاعب جمّة عن كاهلي".

وتابعت على هذا النحو: "شاركتُ منذ انضمامي إلى مكتب الرسم في عدد من المعارض داخل إقليم شمال وشرق سوريا، كما شاركت في ملتقيات الفن التشكيلي".

"صمت الروح"

"كان الرسم هو الملجأ والمسكن للروح والنفس، ووسيلة استطعت من خلالها أن أعبر عما يختلج في دواخلي، ريشتي وألواني صفحات من حياتي، وما عانيته أنا والكثير من النساء في ظل العادات والتقاليد الرجعية المفروضة علينا وقيدت إرادتنا ووجودنا"، بهذه الكلمات وصفت رسمية ماهية الرسم بالنسبة لها.

وذكرت رسمية مقولة الرسام والنحات والفنان التشكيلي الإسباني الشهير، بابلو رويز بيكاسو، "الفن يمسح عن الروح غبار الحياة"، وتابعت قائلةً: "هكذا أنا من خلال لوحاتي وريشتي أمسح عن روحي ما فيها من أعباء كدستها الحياة".

ولوحة "صمت الروح" واحدة من بين اللوحات التي رسمتها رسمية بأناملها، تقول عنها إنها تعبر عما في الروح وتختصر ما عانته هي وغيرها من النساء، فعنوانها يشرح ما بداخلها حيث نالت استحسان كل من شاهدها.

تجسيد واقع المرأة في الفن المعاصر

وحاولت رسمية أن تنطق بالكثير مما تحمله الروح، "في هذه اللوحة أردت أن أمثل وجودي كركن حبيس في زاوية مظلمة تسعى لإزالة الظلام والقيود والتعب والمعاناة التي تثقل كاهلي، والتعبير عن مواجعي وتعب السنين والمعاناة اليومية في ظل حكم العادات والتقاليد الرجعية دون أن أنطق".

ونوّهت إلى حاجة المرأة للتعبير بوصفها كيان متكامل، وإلى توازن يجمع بين الجمال الفني والتعبير الجاد والدقيق عن قضاياها، إذ يمكن للفن أن يكون وسيلة لكسر التأوهات وتحليلها، وتفكيك رموزها، وتجاوز الصدامات والمعوقات الثقافية والاجتماعية.

وفي تعريف أدق لمضمون اللوحة وما تحمله من معانٍ، أشارت رسمية إلى أن الأشخاص الملتفون بالأكفان يشبهون الأشباح، هذه الأشباح خرجت من روحها المدفونة، لذلك حاولت أن تسد ذلك الباب وتبعد عنها ذكريات الماضي، فيما يمثل اللباس الأبيض الطيبة والنقاء، أما شعرها المتناثر فيعني الحلم المرتقب لكسر القيود والحرية الموجودة بأطراف شعرها المتناثر كالطيور المحلقة في سماء واسعة تبحث عن الأمن والأمان.

ووجهت رسمية من خلال لوحتها، رسالة حملت بداخلها، الألم والمعاناة التي تعيشها المرأة في المجتمع، حيث أكدت تحلّي المرأة بقوة كبيرة قادرة على التحدي والمواجهة والوقوف أمام أحلك الظروف، واجتياز الماضي الأليم والاستمرار في الحياة لتحقيق الحلم والهدف "الوصول إلى حياة أفضل كامرأة حقيقية في المجتمع".

ورسمت رسمية العرسان خلال مسيرتها ما يقارب 50 لوحة، تعددت فيها المواضع عن المرأة والطفولة والتراث وكارثة الزلزال، كما اقتنت معارض الفن التشكيلي بمدينة قامشلو عدداً من لوحاتها.

وقام الشاعر جان إبراهيم بتأليف قصيدة عن هذه اللوحة بعنوان "وميض الروح"، تحمل القصيدة في طياتها المعاني لروح منهكة ومتعبة خلف ملامح أبلغ تعبيراً، والصمت العميق.

(م م/ي م)

ANHA