زلال زاغروس بحر من العطاء و31 سنة من الكدح والنضال – هيفيدار خالد  

زلال زاغروس بحر من العطاء و31 سنة من الكدح والنضال – هيفيدار خالد  
23 كانون الثاني 2024   05:30

من ربوع قريتها الصغيرة سلندر التابعة لمدينة عامودا بشمال وشرق سوريا، بدأت مسيرتها الثورية، وجابت أجزاء كردستان الأربعة، وعندما طُلِب منها النضال خارج حدود الوطن، كانت أولى محطاتها في أرمينيا، ومنها توجَّهت إلى مدينة منبج السورية، ومن ثم إلى منطقة دير الزور، ومن بعدها مدينة كركوك جنوبي كردستان والتي كانت محطتها الأخيرة بعد أن تعرَّضت لأبشع عمليةٍ إرهابية على يد الاستخبارات التركية والمتواطئين معها. 

إنها فريال سليمان خالد باسمها الحركي زلال زاغروس، تعرّفت منذ صغر سنها، على معنى الكدح والقيمة التي يكتسبها الإنسان خلال مراحل حياته، وماذا يعني الكدح بالنسبة للمرء؟ وخاصة بالنسبة للمرأة في حياةٍ اعتدنا أن نراها فيها مظلومة لا حول لها ولا قوة، إلا أن روح زلال امتزجت مع الكدح ليصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتها، بروحها الكادحة اكتسبت صفات مميزة نقية كاسمها، واتسمت بقوة شخصيتها وصلابة إرادتها ورجاحة عقلها، فكانت واضحة في أهدافها ومتواضعة في تعاملها ومناضلة نشطة ومبدعة في أسلوب حياتها، كانت نموذجاً رائعاً وحياً للأخلاق الوطنية والإنسانية، لا تعوّض أبداً.

 بدأت زلال مسيرة البحث عن حقيقة الذات مبكراً، وخاضت مسيرة شاقة وطويلة من أجل قضيتها فانضمت إلى حركة حرية كردستان، هناك في الجبال مع مقاتليها الذين يتحدون اليوم جميع سياسات وأيديولوجيات القوى العالمية التي لم ولن يرضخوا لها، فكانت بالنسبة لها آنذاك بمثابة مسيرة النهوض من تحت الركام والأنقاض، رأت فيها المنفذ الوحيد والطريق الواضح لتحقيق أهدافها وطموحاتها في الحياة الحرة التي طالما سعت إليها، لتعيش بين جنباتها تجربة نضالية أصيلة حافلة مفعمة بالحياة الحقة، وتتيح لها العقبات والتجارب العظيمة والفريدة  التي مرت بها، مكانة مرموقة في كل مفاصل الحياة، وتكتسب محبة جميع رفيقات الدرب والنضال والسلاح، إذ اعتنقت أفكار القائد آبو وآمنت بفلسفته في الحياة الحرة وأيديولوجيته العميقة من أجل تحرير الإنسان وعلى وجه الخصوص المرأة. 

جابت المناضلة الخلوقة زلال زاغروس، جبال كردستان شبراً بشبر ولم تترك ينبوعاً أو نهراً، إلا وقد شربت من مياهه، لم تترك منطقة ولا وادياً ولا هضبة ولا تلة هناك، إلا وعملت فيها ضمن صفوف الحركة، وبروح عالية وجهد عريق ونضال صلب وخطوات حازمة سارت إلى وجهتها الحقيقية قُدماً، سارت إلى مسيرة نجاح طويلة عزّزها اجتياز التحديات المختلفة التي فرضتها الظروف، مسيرة تكللت بنصر مؤزّر، بإرادة وغبطة وعنفوان تلك الكردية الثورية المناضلة القوية التي لا تهاب أمراً أبداً.

زلال... 31 سنة بحر من النضال والإصرار رغم كل العراقيل والصعاب، زلال ...31 سنة من الكفاح والعطاء منقطع النظير، لم تبخل يوماً بعطائها فقد كانت مقاتلة اللحظات المصيرية بكل معنى الكلمة. سخّرت كل سنوات حياتها للنضال والمقاومة من أجل شعبها وأبناء جنسها وناضلت في كل مكان، من جبال كردستان إلى ساحات الوطن وخارجه أيضاً، كانت في عمل دؤوب من أجل الشعب الكردي، لذلك توجهت إلى أرمينيا لخدمة شعبها وحمايته من سياسات النظام الرأسمالي الذي يقمع الكرد بشدة في وقتنا الحالي، ويقضي على ثقافتهم فكانت هناك إلى جانبهم من أجل حماية قيمهم والحفاظ على إرثهم التاريخي، عملت دون كلل أو ملل بين الشعب الكردي والعربي في المناطق المحررة من داعش في المنطقة، وتمكنت من الوصول إلى جميع النساء والتواصل معهن، بهدف القضاء على الآثار السلبية التي خلفها داعش، وبناء مجتمع حر ديمقراطي يحمي إرادة جميع النساء ويصون كافة حقوقهن، مجتمع يقف في وجه الأنظمة التي أقصت حرية النساء وصعّدت العنف ضدهن وقتلتهن بهدف الحد من دورهن في المجتمع.

واليوم بعد أن وصلت مسيرة المرأة الكردية في كردستان والشرق الأوسط والعالم إلى مرحلة مهمة من النضال وحققت العديد من المكتسبات الحقيقية على الأرض، أصبحت بمثابة كابوس يقض مضجع عدو الإنسانية رئيس النظام التركي، لذا نراه اليوم يصعد من عدوانه وإرهابه، ضد النضال النسوي الكردي بقيادة حركة المرأة الكردستانية، في كل مكان من روج آفا إلى جنوب كردستان وتركيا وحتى الدول الأوروبية، مستهدفاً النساء وإنجازاتهن بشتى الطرق البشعة والأساليب الإرهابية مرتكباً جرائم حرب وجرائم ضد النساء وخاصة ضد النساء السياسيات والثوريات والناشطات نتيجة عدائه اللامحدود للثورة التي يقدنها، ومن بين تلك الثوريات والقيادات والمناضلات الرياديات كانت الشهيدة زلال زاغروس التي استشهدت في مدينة كركوك بجنوب كردستان في عملية إرهابية نفذتها الاستخبارات التركية والمتعاونون معها، لتكون خير شاهد على انهيار منظومته الفاشية العنصرية والإقصائية أمام ما حققته المرأة اليوم.

الهجوم الإرهابي الوحشي الغادر الذي استهدف القيادية زلال، شكّل حالة من الغضب بين صفوف جميع النساء وخلق لديهن دافعاً أكبر من ذي قبل لتصعيد نضالهن أكثر ضد سياسات الإبادة السياسية والحرب الخاصة التي يقودها أردوغان ضد النساء منذ سنوات في المنطقة وخاصة المرأة الكردية.

بالطبع اغتيال الرفيقة زلال في هذا التوقيت الحساس والمهم، إنما يشير إلى كمية الحقد والكراهية التي يكنها   أردوغان تجاه النساء المناضلات ضد العقلية السادية الفاشية التي يحاول نشرها في المنطقة عبر أجهزته الأمنية. نعم أردوغان عدو المرأة لذا فهو يخشى من المرأة المنظمة التي لا تعرف حدوداً للنضال أبداً، ومن هنا على جميع النساء تبني قضية مقتل القيادية زلال وتلك اللواتي قتلن وتم استهدافهن بهدف الحد من نضالهن التنظيمي والفكري، أكثر من أي وقت مضى. لا سيما وأن الرفيقة زلال كانت من الرفيقات اللواتي يناضلن من أجل جميع النساء وليس فقط من أجل المرأة الكردية، زلال بذلت كل ما في وسعها في سبيل توعية المرأة العربية في المناطق التي تم تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي ونساء أخريات من مختلف المكونات، إذ كانت تعرّف كل امرأة على كيانها وشخصيتها الخاصة لتصل بها إلى حريتها وعملت من أجل المرأة حتى آخر لحظة من حياتها.

نعم رحلت زلال ولكنها باقية في وجداننا في ضمائرنا في مسيرتها المستمرة، باقية في روح النضال الذي نستله من روحها العالية وعنفوانها اللامحدود، النضال الذي سيذيق عدوها عدو الإنسانية السم الزعاف بما اقترف يداه من جرائم قتل للنساء. 

نعم زلال سنفتقدك أيتها الراحلة العزيزة، أيتها الغالية، وردة العائلة، عهدنا لك أن نبقى أوفياء لعهودك ومتابعة مسيرتك المهيبة. زلال يا صاحبة الملامح البريئة والروح المرحة والوقفة العظيمة والقلب الكبير الحنون، ها هن النساء في ربوع أرمينيا وعلى ضفاف الفرات في منبج ودير الزور، هناك في أحياء دمشق القديمة والجديدة، وفي مدينة موزاييك الشعوب تربسبيه يعاهدن بدمك الغالي بأنهن سائرات على دربك ونهجك الذي رسمته لهن بكفاحك ونضالك المتواصل، حتى تحقيق النصر والانتقام لك ولروحك الطاهرة.   

ANHA