الاتفاقيّة الأمنية بين تركيا والعراق وثيقة للخيانة- رؤوف كاراكوجان

الاتفاقيّة الأمنية بين تركيا والعراق وثيقة للخيانة- رؤوف كاراكوجان
18 آب 2024   09:47

انعقد الاجتماع الرابع لـ "الآليّة الأمنية رفيعة المستوى بين تركيا والعراق".

واجتمع مسؤولو الدولتين في أنقرة وأعلنوا توقيعهم لاتفاقيّة بشأن "التحالف العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب".

وقّع زعيم حزب العدالة والتنمية، أردوغان خلال زيارته للعراق في الـ 22 من نيسان المنصرم، "اتفاقيّة الإطار الاستراتيجي" وتمّ تشكيل مجموعة تخطيط مشتركة، واجتمع الطرفان مجدّداً في الـ 15 من آب، مما يشير إلى أنّ الخطط بين الطرفين تدخل حيّز التنفيذ أو مرحلتها العملية.

وخرج وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين أمام الإعلام وصرّحوا بأنّ هذه الاتفاقيّة "ذات أهميّة تاريخية"، وعدَّ فؤاد حسين هذا الأمر "اتفاق فريد من نوعه في تاريخ البلدين" ومن المعروف أنّ كلاهما كرديان، اجتمع وزيرا خارجيّة دولتين اثنتين من أصل كردي وقدّما وثيقة الخيانة الشاملة للكرد على أنّها مدعاة للفخر، ومن المهمّ أيضاً أن نلحظ أنّه وثيقة الخيانة هذه قد أُبرمت في الـ 15 من آب، لتأتي كحملة ضدّ مقاومة 15 آب، لقد أُبرمت وثيقة الخيانة هذه والتي وقّعها عميلان خائنان في الذكرى السنويّة لعمليات شمزينان ودهي، وهذا بدون شكّ يدلّ على أنّهم يريدون الانتقام من حركة التحرّر الكردستانية.

بدايةً، تُعدّ هذه الاتفاقيّة بالنسبة للكرد وثيقة خيانة تاريخية، فقد أعلن الوزيران الكرديان العميلان باسم دولتين محتلّتين لكردستان، مخطّط إبادة جماعيّة للشعب الكردي ويشركان العراق أيضاً في الشراكة الاستراتيجية بين الدولة التركية والحزب الديمقراطي الكردستاني، لقد دخل فؤاد حسين باسم العراق وهاكان فيدان باسم تركيا التاريخ الكردي كوصمتي عار، فقد ألحق الوزيران الخائنان العميلان للدولتين المحتلّتين أكبر أذى بشعبهما ووثّقا ذلك باتفاقية الإبادة هذه.

وعندما يدقّق المرء في نصّ الاتفاقيّة وبنودها، يرى أنّها تُعنى بموضوع واحد فقط، التحالف الاستراتيجي ضدّ حزب العمال الكردستاني، يُقال "سيتمّ تشكيل مركز تنسيق أمني مشترك في بغداد ومركز تدريب وتحالف مشترك في بعشيقة لمكافحة الإرهاب"، وباتفاقيّة "التحالف العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب"، هذه تكتسب مساعي الدولة التركية في احتلال العراق طابعاً رسميّاً، فاستمرار الوجود العسكري التركي في العراق ما هو إلّا شرعنة لحدود "الميثاق الملّي"، وأشارت صحيفة العرب ومركزها لندن إلى "الاتفاقيّة الأمنيّة تشرعن الوجود العسكري التركي على الأراضي العراقيّة".

ربّما يعلم المسؤولون العراقيّون وأهالي جنوب كردستان ما الذي تعنيه الاتفاقيّة "الأمنيّة" وإلى أين ستصل، لكن علينا أن نعلم جيداً أنّ هذه الاتفاقيّة جعلت احتلال جنوب كردستان وضمّها دائماً، ومن جهة أخرى، ضحّى العراق بمستقبله رهن الدولة التركية، لقد تمّ تحديث الميثاق الملّي، وقد قاموا في إطار اتفاقيّة أضنة المبرمة مع الدولة السوريّة، احتلال مناطق واسعة من الأراضي السوريّة وفصل عفرين، إعزاز، الباب، جرابلس، كري سبي وسري كانيه عن سوريا، وتسعى الدولة التركية بكل مؤسساتها البقاء في تلك المناطق بشكل دائم، ومع ما يُسمّى بالاتفاقيّة الأمنيّة مع العراق، يتكرّر السيناريو السوري ذاته في العراق، وفي الواقع، يمكن القول إنّ وضع العراق بعد هذه الاتفاقيّة سيكون أسوأ من سوريا حتى، فمع تأسيس العديد من القواعد العسكرية، حواجز التفتيش ونقاط المراقبة وشقّ الطرق في مناطق استراتيجية في جنوب كردستان، أصبح الاحتلال دائماً، ولم يعد من الممكن الانسحاب من هذه المناطق.

وبتأسيس مركز تنسيق أمني مشترك في بغداد، تكون الدولة التركية قد حصلت على الفرصة التي كانت تبحث عنها، وتوغّلت في قلب العراق، ويُعدّ افتتاح معسكر بعشيقة للتدريب مشكلة أخرى أمام العراق، فحقيقة إجراء تركيا للتدريبات في هذا المخيم، يعني أنّها وصلت إلى شرايين العراق وقد منحت السلطات العراقيّة لمرتزقة داعش تأشيرات رسميّة لدخول العراق برعاية الدولة التركية، باختصار، رغم أنّ الاتفاقية أُبرمت بين البلدين باسم "الاتفاقيّة الأمنية" وعلى الرغم من أنّها تبدو اتفاقيّة بريئة جداً، إلّا أنّ الدولة العراقيّة بهذه الاتفاقيّة، ربطت نفسها بتركيا.

وعلى العراق أن يعلم أنّه بتوقيعه لهذه الاتفاقيّة قد أفسح المجال رسمياً لمرتزقة داعش، ولم تعد علاقات الدولة التركية ودعمها ورعايتها لتنظيم داعش والتنظيمات الجهاديّة الراديكاليّة الأخرى سراً، فالعالم أجمع يعلم أنّه يتمّ استخدام هذه التنظيمات في العمليات الحدودية، ولم تعد الدولة التركية دولة شرعية، فقد أصبحت بسياساتها العدوانيّة وعملياتها العسكرية الهادفة إلى الاحتلال وارتكابها لجرائم حرب في المناطق المحتلّة وعلاقاتها العلنيّة والرسمية مع مجموعات المرتزقة الإٍسلاميّة المتطرفة، أصبحت دولة إرهابيّة، لقد رسّخت حكومة حزب العدالة والتنمية الفاشيّة في جميع المؤسسات الحكومية في البلاد، وأصبحت قوّة خطيرة في الخارج، إنّها تخفي هدفها الحقيقي وتأخذ بوجودها العسكري والسياسي في العراق وسوريا بذريعة حزب العمال الكردستاني إلى مرحلة أخرى، إنّ هدفها الرئيس هو التوسّع جغرافيّاً وهي ترسّخ وجودها من خلال تغيير ديمغرافية المناطق التي تحتلّها وتعزيز الهيمنة الفاشية والعنصرية والعصبية القومية والدينية والتطرّف. 

والموضوع الرئيس الذي تتمحور حوله هذه الاتفاقيّة هو بدون شك حزب العمال الكردستاني، إنّه إجماع قائم على معاداة حزب العمال الكردستاني، وقد كان قرار القضاء العراقي الأخير بخصوص بعض الأطراف والتنظيمات في شنكال وجنوب كردستان، من أجل تدمير الأرضية السياسية، وما يجري الآن، هو بداية العمليات العسكرية التدميرية، ويشير تصريح هاكان فيدان بـ "نريد تنفيذ هذه الاتفاقيّة ميدانيّاً" إلى دخول الدولة التركية، والحزب الديمقراطي الكردستاني، العراق وداعش مرحلةً عملياتية لنفس الغرض.

ويتوجّب على شعبنا فهم هذه الاتفاقيّة المبرمة بين البلدين جيداً، يجب أن نعلم أنّ نتائجها ستكون خطيرة جداً، فالهدف هو التصفية الكاملة لحركة التحرّر الكردستانية والقضاء عليها نهائيّاً، إنّهم يسعون إلى القضاء على جميع منجزات شعبنا، وعلينا أخذ هذه التهديدات والمخاطر بعين الاعتبار بدءاً من الآن، واتّخاذ موقف معارض لها وتنفيذ عمليات مشتركة وشاملة وواسعة النطاق ضدّها.

(ر)