بعد توتر وقطيعة...ماذا ناقش وزير تركيا في فرنسا وماذا سيتغير؟
أجرى وزيرا خارجية فرنسا وتركيا خلال الأيام الماضية مباحثات في باريس، في اجتماع نادر بعد أشهر من التوتر بسبب الخلاف حول أزمات المنطقة ومحاربة باريس للتطرف الذي تدعمه أنقرة، فما هي أسباب هذه الزيارة وماذا ناقشت وماذا سينتج منها؟

وعقد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ونظيره التركي مولود تشاوش أوغلو مباحثات قبل قمتين لحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي في وقت لاحق من الشهر الجاري، وفق بيان لوزارة الخارجية الفرنسية، الإثنين الماضي.
وقالت الوزارة إن الوزيرين ناقشا ملفات ليبيا، وسوريا، والشرق الأوسط، والتعاون في حلف الأطلسي بما يشمل "القيم والمبادئ التي تحافظ على التحالف".
ودخلت الدولتان في أشبه ما تكون بالحرب الباردة وذلك بسبب الخلاف حول سلسلة من الأزمات الدولية بينها الصراع في سوريا وليبيا وقره باغ.
وارتفع منسوب التوتر بين أنقرة وباريس بعد سجالات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حذر في مارس (آذار) الماضي، من احتمال تدخل تركيا في الانتخابات الرئاسية المقررة في فرنسا في 2022.
وقال ماكرون في وقت سابق، إن الخطوات الأحادية لتركيا على المسرح الدولي كشفت "موتاً دماغياً" لحلف الأطلسي، ووصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها حين شكك أردوغان في "الصحة العقلية" لماكرون.
وكذلك، أثار قانون جديد لمكافحة التطرف الإسلامي قدمته الحكومة الفرنسية بعد سلسلة هجمات، غضب أردوغان الذي اتهم فرنسا، بمعاداة الإسلام.
ولمواجهة التحركات التركية في المنطقة، عملت فرنسا على نسج علاقات قوية وتحالف مع خصوم تركيا كمصر واليونان، بالإضافة إلى دفع الدول الأوروبية للضغط على أنقرة.
ونتيجة لهذه الضغوط والعزلة الدولية التي فرضت على تركيا، كثفت الأخيرة من تحركاتها تجاه الدول الإقليمية والغربية بهدف الخروج من هذه العزلة حيث بدأت مفاوضات مع مصر ودول خليجية.
وعلى الرغم من استمرار وجود قواتها العسكرية ومرتزقتها السوريين في ليبيا، إلا أن البعض رأى أن تشكيل السلطة الجديدة في ليبيا هو تنازل تركي بهدف تخفيف التوتر مع فرنسا ومصر.
'خفض مستوى الاحتقان'
وحول هذه الزيارة قال الباحث في العلاقات الدولية والمقيم في فرنسا طارق زياد وهبي: إن "الزيارة كانت متوقعة لتمهيد اللقاء المرتقب للرؤساء في اجتماع حلف الناتو في شهر حزيران/يونيو بعد اجتماع مجموعة السبع في بريطانيا".
وبحسب وهبي "الهدف الأول هو خفض مستوى الاحتقان السياسي والشخصي بين الرئيس ماكرون ونظيره التركي أردوغان. يجب ألا ننسى أنها ليست المرة الأولى التي تكون فيها العلاقات بين الدولتين باردة ولكن القنوات غير المباشرة لا تزال مفتوحة وأولها الشريك المشترك ألمانيا التي تلعب دوراً اساسياً في ترويض هذه العلاقة بين الفينة والأخرى".
وأوضح أنه "على الرغم من كل الخلافات ولأن فرنسا لم تستطع أن تقنع الفرقاء الأوروبيين بعقوبات واسعة ومتعددة، إلا أنه لا تزال توجد عبر بعض الشركات الكبرى كتوتال ورينو وحتى الشركة الوطنية للإنتاج العسكري والتي تنسق مع نظيرتها التركية وتصنع القذائف المدفعية للدبابات وغيرها".
'تحضير لاجتماع أوسع وأردوغان سيتلقى اللوم'
وفي رد على سؤال حول أسباب هذه الزيارة وكيفية تأثيرها على علاقات البلدين، قال وهبي: "هذا السؤال يدفعنا إلى سؤال آخر هل ستكون هناك طاولة ثلاثية أو رباعية أميركا، فرنسا، ألمانيا وتركيا لحل أو وضع الخلافات على الطاولة للسير بآلية حل؟".
وأضاف: "باعتقادي الرئيس أردوغان هو الذي سيتلقى اللوم وهو يستخدم هذه المواقف لكي يستعملها داخلياً ليعزز موقفه القومي وقدرة حزبه على اللعب على الوتر الوطني القومي والدفع بتعزيز خطاب معادٍ لكل من يحاول التدخل بالخيارات التركية الداخلية والتي تؤثر مباشرة على العلاقات الخارجية".
ماذا ناقشت المباحثات؟
وحول المواضيع التي ناقشتها الزيارة، أسهب وهبي في توضيح ذلك قائلًا:
- الموقف الفرنسي من دعمه لكل من اليونان وقبرص وخصوصاً أنه متوازٍ مع موقف الاتحاد الأوروبي. وهذا الذي أوصل اليونان إلى شراء سرب من طائرات رافال بتمويل من قرض ألماني.
- العلاقة بين تركيا وفرنسا في شمال وشرق سوريا وخصوصاً بما يخص مخيم الهول وعدم قبول فرنسا استرجاع مواطنيها والذين معظمهم من النساء والأطفال.
- داخلياً في فرنسا وبالتحديد في منطقة الالزاس في ستراسبورغ حيث إن حركة "مللي غوروش" التركية، تخطط لبناء أكبر مسجد، وهذا يدفع بنقاش محتدم حول إلى أي مدى سيتم تصنيف هذه الحركة "حركة أوصولية أو إسلام راديكالي".
وبحسب وهبي "هذا سيأخذ حيزاً مهماً لأن الحكومة التركية تمول جزءاً كبيراً في كلفة البناء والتجهيز وخصوصاً في تشغيل الحرفيين الأتراك لزخرفة داخل هذا المسجد. ويدير هذا الاتحاد في فرنسا 70 مسجداً من أصل 2600 مسجد موجود في البلاد، ويتجمع فيها عشرات الآلاف من المسلمين. كما أنه عضو في المجلس الإسلامي الفرنسي (CFCM). ورئيسه فاتح ساريكير وهو من أصول تركية".
-الموقف التركي من أزمة قره باغ وكيف تستطيع فرنسا التنسيق لكي لا تتعارض وجهات النظر.
- الربط النفطي والذي يوصل أنابيب نفط إلى مرافئ تركية وهذا يخفف عناء سفر ناقلات النفط إلى الخليج أو سهولة الاستحواذ على الغاز الروسي.
ماذا عن الملفات الخلافية؟
وحول مصير الملفات الخلافية الكبيرة بين الدولتين قال وهبي: "شخصية وزيري الخارجية مهمة لخفض الاحتقان والدفع بقمة تركية - فرنسية لحل كل هذه الخلافات على الرغم من أن تركيا تحاول وبقوة رفع حضورها الإقليمي كقوة تغيرية إن كان في المتوسط أو في الأزمات الاقليمية كالدور التركي في ليبيا وشهيته للدخول كعضو فاعل في منتدى الغاز والنفط في شرق المتوسط".
وأضاف: "التقارب المصري - التركي ووقف القنوات المصرية المعارضة لحكم الرئيس السيسي أعطى دفعًا إيجابيًّا لكل الدول وليس فقط فرنسا التي تبحث عن تحجيم دور الإسلام السياسي الإعلامي والإقليمي".
وأوضح وهبي أن الملفات كثيرة واقعية ولكنها خلافية لأن الدولتين ترغبان بتفعيل المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى، فرنسا تبحث عن الدفع في ثابت مهم لها وهو حقوق الإنسان والتعاطي التركي مع الأزمات، وتركيا تغفل العامل الإنساني بما يحصل داخلياً ولكنها تتزعم الطلب بحقوق الإنسان خارجياً وذلك في ملف فلسطين أو محافظة إدلب.
ماذا تريدان فرنسا وتركيا من بعضهما؟
وحول تأثير هذه الزيارة على ملفات المنطقة قال وهبي: "من المتوقع أن يتم فتح حوار بشكل طرح الملفات الأقل حدةً والعمل على أولوية حل المشاكل الأخرى بجدولة يتفق عليها الطرفين".
وأضاف: "تركيا ترغب بعودة السياحة الأوروبية إليها في هذا الصيف للتقليل من حدة أزمة كورونا في الاقتصاد الداخلي وفرنسا تطمح أن تظل في كل ما سيحصل بين بايدن وأردوغان لكي لا يمرر الطرفان من خلفها اتفاقات قد تصبح واقعة لا تسطيع فرنسا تغييرها".
ماذا سيتغير بعد هذه الزيارة؟
وفي ختام حديثه قال الباحث في العلاقات الدولية طارق زياد وهبي: "التوقع بقمة تركية - فرنسية أو أوروبية وقد ترغب بعض القيادات الأوروبية أن يقوم الرئيس التركي بتغيير في المنهج والوجوه السياسية في حزبه ولمن آن له أن يتقاعد سياسياً ويترك الدفة إلى جيل شاب يجدد محاولة بناء الجسور مع أوروبا".
(ح)
ANHA