آلدار خليل: النظام لا يرغب بالحل وروسيا تبحث عن مصالحها وتركيا تريد القضاء على الإدارة

قال آلدار خليل إن الحوار هو الأساس لحل الأزمة السورية، وأكد أن النظام لا يخطو الخطوات الجادة ولا يرغب بالحل وروسيا تبحث عن مصالحها الخاصة في البلاد، في حين تسعى تركيا عبر وسائل الحرب الخاصة والدبلوماسية والعسكرية للقضاء على الإدارة الذاتية، وأوضح أن النضال المشترك كفيل بإفشال كافة السياسات والحفاظ على المكتسبات.
في الوقت الذي يحاول فيه النظام السوري خلق الفتن في مناطق شمال وشرق سوريا وتأليب المكونات على بعضها البعض، تعمل تركيا على نشر جواسيسها في المنطقة وتستعمل وسائل التواصل الاجتماعي لتفرقة المكونات وضرب المكتسبات التي حققوها معاً خلال سنوات الثورة.
وفي هذا السياق، أجرت وكالتنا حواراً مع عضو هيئة الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD آلدار خليل للحديث عن المفاوضات بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية والدور الروسي في ذلك، إلى جانب ما شهدته منطقة دير الزور مؤخراً واعتقال جواسيس يعملون لصالح دولة الاحتلال التركي.
وفيما يلي نص الحوار:
تم الحديث في وقت سابق عن مباحثات بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والحكومة السورية، إلى أين وصلت هذه المباحثات وهل من اتفاقيات جديدة بين الطرفين؟
دخلت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مع الحكومة السورية في بعض المفاوضات بوساطة روسيا كان الهدف منها حل الأزمة السورية وتطبيق نظام ديمقراطي مع بعضنا البعض لحل الأزمة القائمة في سوريا.
الجميع يتحدث عن حماية وحدة الأراضي السورية ووضع حد للاقتتال فيما بين الأطراف، إذاً الحوار السوري – السوري ضروري جداً، وأي شيء عكس ذلك هو بمثابة رسالة لتتوجه الإدارة الذاتية إلى طرق وسبل أخرى.
فإذا اتفقت الإدارة الذاتية مع دمشق، فإنها لن تكون مجبرة على الاتفاق مع شركات أو دول خارجية، وعلى الحكومة أن ترى بأن هناك إدارة على أرض الواقع وأن تتحاور معها.
في الدول العالمية تتحاور الحكومات مع عدة أشخاص إن اتفقوا، وفي شمال وشرق سوريا ما هو موجود ليست نقابة أو جمعية بل هي إدارة مكونة من مكونات المنطقة، ومع ذلك حتى الآن تقول الحكومة بأنها لا ترى أي شيء ولم تقم بأي خطوة إيجابية، وبحسب معلوماتنا ليست هناك في الوقت الحالي أي لقاءات بين الإدارة والحكومة ولم تخطو الحكومة إلى الأن أية خطوة جدية أو إيجابية في هذا السياق.
ما هي مطالبات الحكومة السورية من الإدارة الذاتية، وهل ما زال مشروع الحكومة حول إعادة المنطقة إلى قبل عام 2011 قائماً؟
النظام يقول إنه منذ عام 1963 قام حزب البعث بإدارة سوريا، وبحسب منطق النظام فإن مصير البلاد متعلق بحزب واحد وهو البعث، ويرى أنه منذ 2011 بدأت مرحلة جديدة ويتوهم بأنه كانت هناك مجموعات متطرفة قامت بإخراج بعض الناس للتظاهر وقتلت البعض منهم وهجرت الآخرين، ويظن بإمكانه أن يستمر كما كان في وقت سابق، أما الحقيقة هي أن البلاد لن تعود كما كانت، فكل شيء تغير وحتى أهل البلد تغيروا.
إذاً التفكير بالعودة إلى ما كانت عليه البلاد في وقت سابق حلم لن يتحقق.
النظام يتخيل حتى الآن أن تعود المنطقة كما كانت، وفي الحقيقة ليس لهذا النظام أي نية للمفاوضات أو الحوار، وعندما نقول هذا، لا يعني بأن آمالنا قد انتهت، وبحسب معلوماتي فإن الإدارة الذاتية أيضاً لها آمال في الحوار وإنهاء هذه الأزمة القائمة في البلاد والوصول إلى حل لسوريا المستقبل.
نحن أيضاَ أصحاب هذا البلد وأبناؤه، وكما للنظام حقوق لنا أيضاً كأبناء سوريا كافة الحقوق في الإدارة، ونحن أيضاً،
مسؤولون عن دمشق ودرعا وحمص وباقي المناطق السورية، نعم نطالب هنا بحقوقنا وهويتنا ككرد وباقي المكونات الأخرى، ولكن نحن لا نقوم بفصل أنفسنا عن سوريا، وعلى النظام أيضاً التفكير كذلك.
المشاكل التي تحصل في المنطقة هي بنفس الوقت مشاكل للنظام السوري، وهو مسؤول عن حلها أيضاً.
النظام لا يقوم بواجباته، فمثلاً أثناء تعرض المنطقة للاحتلال من قبل تركيا ماذا فعل النظام ضد هذا الاحتلال، لماذا لم يخطو الخطوات ضده، وعندما قطع الاحتلال التركي المياه عن أهالي الحسكة لماذا لم يخطو النظام خطوات؟ أليست مدينة الحسكة مدينة سورية؟ لماذا لم يقدم النظام حتى الآن أي شكوى للدول الأوربية والمنظمات العالمية ضد الاحتلال التركي.
عفرين، كري سبي، سري كانيه، إعزاز والباب محتلة من قبل تركيا، ماذا فعل النظام من أجل هذه المناطق؟ المنطق يقول إن النظام لا يرى هذه المناطق كجزء من سوريا، وهذا ما نراه يُطبق على أرض الواقع، وفي نفس الوقت لا يقبل الحوار أيضاً، وعلى الرغم من هذا، يخرج ويقول بأن نية الإدارة الذاتية هي تقسيم سوريا، المسؤول عن تقسيم سوريا هو النظام.
نقول منذ البداية وإلى الآن إن كافة خيرات هذه الأرض هي للشعب السوري بشكل كامل، ونقول دائماً إن ماءنا وأرضنا ونفطنا لجميع الشعب السوري، ومن هذا المنطلق إذا لم يقبل النظام السوري الحوار، فليس من حقه أن يقول لماذا لا تقدم لي الخيرات.
النظام الذي لا يخطو أية خطوات وبهذه العقلية أدخل سوريا في أزمة كبيرة.
النظام السوري جند عدداً من الشباب في دير الزور وقتل عدداً من وجهاء وشيوخ العشائر العربية وفي اليوم الثاني اتهم قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
النظام يقول بشكل علني إنه لا يقبل بأن يدير أبناء المنطقة منطقتهم، لماذا لا يقبل هذا النظام مجلس دير الزور كي يدير منطقته، إذاً لماذا هرب النظام عندما توغل داعش في المنطقة ولم يقم بحمايتها؟ أين كان عندما قتل داعش المئات من عشيرة الشعيطات في دير الزور؟ ولماذا الآن يحاول خلق الفتنة في هذه المنطقة؟
علينا أن نعرف جيداً من الذي هرب من دير الزور ومن ضحى وقدم الشهداء حتى حررها، وأيضاً علينا أن نسأل من يؤمن الماء والخبز والخدمات لأهالي دير الزور، نعم إنها الإدارة الذاتية التي حررت شعب دير الزور، وقدمت كل ما بإمكانها لشعبها.
هذا النظام إذا كان يرى نفسه مسؤولاً عن جميع الأراضي السورية فعليه أي يكون على مستوى المسؤولية، عليه أن يكون مسؤولاً عما يجري في دير الزور، وعن أمن وأمان قامشلو وكوباني وعفرين وعن الرقة والطبقة ومنبج وجرابلس وإعزاز والباب وسريه كانيه وكري سبي وإدلب وكافة المناطق الأخرى.
علينا أن نسأل النظام عن سبب وقوفه مع من يخلقون الفوضى وعدم الاستقرار والفتنة في المناطق الآمنة، لماذا لا يبدي هذا النظام موقفاً ضد الاحتلال في عفرين وكري سبي وسريه كانيه وإعزاز والباب وجرابلس، ماذا يعني ذلك؟ أهكذا تكون الوطنية!
من الضروري ألا يفكر النظام السوري إلى ما قبل عام ٢٠١١، أي أن فكرة الحزب الواحد والحكم بنظام مركزي يجب أن ينساه النظام السوري.
نحن لم نقل يوماً بأننا سنستولي على الحكم أو السلطة، ولم يكن لنا حرب للوصول إلى السلطة، نحن نريد سوريا ديمقراطية تضمن أخوة الشعوب والعيش المشترك وحق الشعب الكردي، ومن يريدها حينها نستطيع الوصول إلى اتفاق لبناء سوريا المستقبل.
ما هو موقف الروس من حوار الإدارة الذاتية والحكومة السورية؟
روسيا تحمي مصالحها ووجودها في سوريا بشكل واضح، لذا فحمايتها للنظام يعني حماية وجودها في سوريا، ولذلك أبرمت اتفاقات مع تركيا وقدمت تنازلات كثيرة لأردوغان وهي تبرم اتفاقات ومخططات في الوقت الحالي مع أردوغان. روسيا تريد أن تنفذ بعض مخططاتها عبر تركيا، ولم تف حتى الآن بوعودها فيما يخص الهجمات التركية وعلى عكس ذلك تحدث الهجمات التركية بعض الأحيان أمام أعين الروس الذين يتصرفون وكأنهم لا يرون شيئاً.
سياسة روسيا معروفة على الرغم من لقاءات الإدارة الذاتية المستمرة معها، ولا يوجد أي تحرك روسي حول اللقاءات التي تجري بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية.
خلال الشهر المنصرم شهدت مناطق دير الزور تحركات كثيفة للنظام السوري بعد أن استهدفت خلاياه عدداً من الشخصيات العشائرية، ما كان الهدف من ذلك؟
النظام يفكر بأنه سيقضي على الجميع، ويعيد الوضع إلى ما قبل عام ٢٠١١، فهو هاجم المرتزقة في المدن السورية بدعم من روسيا وإيران وباتفاق مع أردوغان وأخرجهم من المدن السورية، ما يسمى الجيش الحر كان قد طوق محيط دمشق بشكل كامل، ولكن بعد أن اتفقت روسيا وتركيا تم إخراج تلك المجموعات من محيط دمشق واحتلت عفرين، والأمر استمر إلى أن سيطر النظام السوري على الغوطة وباقي المناطق السورية الأخرى.
ومن هذا المنطلق، يفكر النظام بأنه بعد أن قضى على المجموعات المسلحة في المدن السورية، كيف بإمكانه القضاء على الإدارة الذاتية؟
النظام لا يستطيع أن يحارب الإدارة الذاتية بطريقة مباشرة، لأن هذه الإدارة هيأت نفسها بتنظيمها القوي لذلك لا يجد فرصة لمهاجمتها، لذا يريد أن يستخدم أهالي المنطقة ضد الإدارة كما فعل عام ٢٠٠٤، عندما خلق فتنة في مباراة لكرة القدم بين فريقي ديرالزور وقامشلو، وأراد أن يخلق فتنة بين الكرد والعرب، ومن الجيد أن الأهالي كانوا يقظين ولم ينجروا خلف تلك الألاعيب.
بالنسبة لوضع دير الزور فوضعها خاص مقارنة بالمناطق السورية الأخرى، نظراً لموقعها الذي يقع على الحدود العراقية وفي السابق أثناء ثورة ملا مصطفى البارزاني ضد صدام حسين كان للمنطقة خصوصية أخرى، فالنظام يرى بأن العرب في المناطق الأخرى يعيشون باتفاق مع الكرد منذ سنين، لذلك يهدف إلى أن يحرك ويستخدم الأهالي في دير الزور، ولكنه نسي بأن أهالي دير الزور رأوا كيف أن الكرد والمكونات الأخرى في إقليم الجزيرة ضحوا بأنفسهم كي يحرروهم من داعش.
أثناء الهجمات التركية على سري كانيه، استشهد أبناء دير الزور للدفاع عنها، لذلك يسعى النظام إلى ضرب الإدارة الذاتية، ويستخدم ورقة النفط والوجود الأمريكي كوسيلة، فما يقوله هي حجج حلولها أصلاً بيد النظام، لنتساءل لماذا توجد أمريكا هنا؟ النظام لا يخلق الحلول، فإذا وجد الحلول لما كان هناك وجود أمريكي.
ويتساءل النظام: لماذا كل الإمكانات موجودة بيد الإدارة الذاتية؟ هذه الإدارة هي من تحمي المنطقة ومكتسباتها والمسؤولية تقع عليها حيال شعبها وعليها أن تؤمن الخدمات لهم.
في دول العالم عندما تكون هناك منطقة تابعة لجهة ما يكون لها ميزانية خاصة بها، ولكن النظام لا يقدم شيئاً لهذه المناطق، واليوم هناك إدارة تحمي هذه المناطق، وعندما يحدث اتفاق بينه وبين الإدارة حينها يستطيع أن يشتكي، ولكنه لم يقدم على أي اتفاق، وعلى العكس يزيد من مسؤولية هذه الإدارة وهذا يعني أنه لا يريد الحل.
هل وصل النظام إلى هدفه في دير الزور؟
لم يصل النظام إلى هدفه، صحيح أنه وصل إلى بعض الوطنيين الذين أرادوا أن يحموا أخوة الشعوب ويسعون من أجل شعبهم ومن أجل سوريا، ولكن عندما تفكر من الناحية السياسية والاستراتيجية فهو لم يطور أي شيء، وعلى عكس ذلك فضح نفسه.
ماذا يعني أن تنظم أشخاصاً وتدفعهم لتنفيذ اغتيالات، وتصل إلى نقطة الهلاك وتخفف من أمال الوصول إلى الحوار السوري – السوري؟ النظام وضع حساباته على تلك الألاعيب ولكنه أخطأ بذلك، فكافة أنظمة الدولة والسلطة عندما تحاول أن تحمي نفسها تخلق جواسيس لنفسها كي تضرب الجبهة الأمامية.
ظهرت في الفترة الأخيرة شبكات تجسس تعمل لصالح الدولة التركية في مناطق شمال وشرق سوريا، برأيكم ما الهدف منها وماذا تخطط تركيا؟
بالنسبة لتركيا فهي ترى مشروع أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية والتعايش المشترك والنظام الديمقراطي كنهاية لها، لذلك تسعى بكل قوتها لأن تقضي عليه، وتسعى لذلك عبر حرب إعلامية وسياسية ودبلوماسية وعسكرية واستخباراتية، ولذلك تنظم جواسيس لها.
تستخدم تركيا أذرعاً استخباراتية في مناطق شمال وشرق سوريا، ولكن سرعان ما أُغلق الباب أمام محاولاتها من قِبل القوات الأمنية واستخبارات الإدارة الذاتية التي وصلت إلى مرحلة متطورة وقادرة على كشف واعتقال أعضاء شبكات التجسس بأقصى سرعة ممكنة.
تهاجم السلطات التركية الثغرات والفجوات الموجودة في بيئة شمال وشرق سوريا، وإن لم تجد فإنها تستخدم التكنولوجيا الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي بدقة متناهية، من أجل الوصول إلى معلومة ما، والتجسس على الهواتف المحمولة وتعقب اتصالات المواطنين، ومراقبة أنشطتهم فقط للوصول إلى غايتها المطلوبة.
وتتنصل الدولة التركية من كافة القوانين والأحكام الدولية التي تمنع التجسس على المواطنين، وإن أمكن ذلك، فيجب على الدولة أخذ الموافقة والأذن قبل الشروع في هذا الأمر، وما هو معروف عن السلطات التركية عدم اكتراثها بالقوانين والأعراف المنصوصة، والتجسس على المواطنين دون موافقة تُذكر.
وتستخدم الدولة التركية وسائل الإعلام بأساليب احترافية، فلها تجارب سابقة بهذا الخصوص، وهي ذات إمكانات عالية ولها مجالات واسعة بهذا الصدد، كما وأنها لا تستخدم وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة مثل مؤسسات تنظيمية أو مدنية، إنما توجه دفة الحكم نحو ما تريد نشره بوسائل دقيقة لتحقيق مرادها، وإيصال المعلومة إلى القارئ بطريقة غير مباشرة تحت مسمى "مواقع التواصل الاجتماعي"، وتعرف تركيا بخصوصية تامة في نقل المعلومة، وعدم إظهار سياستها للعلن، وعندما تريد الهجوم على منطقة ما، فإنها تمرر السياسة الصديقة والجارة الحنونة، قبل نشر سمومها في الأوساط المراد شن الهجوم عليها.
وتمارس الدولة التركية سياسة الحرب الخاصة قبل بدء أي هجوم على منطقة ما، وزرع الغموض في نفوس الذين حققوا مكتسبات عديدة من ثورتهم، ومثال ذلك، نجاح مشروع الأمة الديمقراطية وتطويره، فإنه انتصار بحد ذاته، وبشكلٍ خاص للشعب في شمال وشرق سوريا، ومن الواضح في الشرق الأوسط أنهم لا يستطيعون تبني هذا المبدأ والموافقة عليه، وفي عدة دول في المنطقة يتعايشون مع هذا المبدأ، إلا إنهم وإلى الآن لم يستطيعوا حل جميع الخلافات العالقة فيما بينهم، وتحقيق توافق على خطوة واحدة فقط.
وعلى العكس، فمنذ 9 سنوات ونحن في شمال وشرق سوريا انتهجنا مبدأ أخوة الشعوب والتعايش فيما بيننا من عرب وسريان وكرد، حتى وإن وصلنا في بعض الأحيان إلى طريق مسدود، إلا أننا ندعم هذا المبدأ بشتى الوسائل، لذا علينا أن نمعن النظر في سياسة تركيا التي لا تُظهر علانية إنها ضد مشروعنا، ولا تريد له البقاء والاستمرار، بل تستخدم سياسة خفية، والضرب على الوتر الحساس من خلال القول إن "هذا المشروع أضاع حقوق الكرد، وأين الكرد من هذا المشروع؟"
وكأنهم الآن أدركوا بأن الكرد لهم وجود، وليس هذا فقط، وكأنما هي التي بنت دولة كردستان وحررتها على حد قولهم، واتباع سياسة التقرب من الكرد وإظهار الوجه الآخر، ولكن غايتها الحقيقية هي لفت وجذب الكرد نحوها، وكأنها المرسلة لخلاص الكرد من الظلم، ولكن في حقيقتها ليست إلا لإحداث تغيير في الرأي الكردي وتأليب المجتمع ضد الأمة الديمقراطية.
ومن جهةٍ أخرى، وجودنا مرتبط بوجود قوات حماية المجتمع-المرأة، قوات سوريا الديمقراطية، فهم من حققوا الانتصار والمكتسبات، وهزموا داعش في آخر معاقله، جلوسنا الآن وفي هذا التوقيت دليل دامغ على انتصارنا، ولكن العدو أبى أن يستكين لهذا الانتصار، وبث الفتن وزعزع الأمن في المنطقة بنشر إشاعات عن قوات سوريا الديمقراطية، وسبب وجود واجب الدفاع الذاتي، وإهدار دماء الشهداء وإلحاق الآلام بأمهات الشهداء، لذا من يستمع إلى هذه الأقوال بالتأكيد سوف ينخدع بها، ولكن أساساً هو يريد تقليص مهام هذه القوات وإضعافها وإزالتها من أمامه.
وكذلك قطع المياه عن مدينة الحسكة يدخل في إطار الحرب الخاصة أيضاً، عندما تقوم تركيا بقطع المياه عن مليون إنسان فإنها تدرك تماماً ماذا تفعل، وما غايتها من ذلك، فهي من خلال شبكات التجسس التابعة لها توجه أنظار الشعب نحو الإدارة الذاتية وتحميلها كامل المسؤولية بأن المياه تُقطع من قِبل الإدارة الذاتية، وفي الوقت ذاته هناك من يدّعي بأنه وطني وممثل لحقوق الشعب، ومنزله بجوار المحكمة الدولية "لاهاي"، وباستطاعتهم رفع دعوة رسمية ضد تركيا إلا أنه تم التغرير بهم أيضاً، ليعتقدوا بأن الإدارة الذاتية هي المسؤولة وليس لتركيا يد في ذلك.
واللافت للانتباه أن شعب شمال وشرق سوريا مسالم، وداعٍ إلى الحرية والسلام، على الرغم من كافة الهجمات والمؤامرات التي حيكت ضده، ومع ذلك لم نرفع راية الحرب، على عكس القوات المعادية التي تنتهج سياسة فرق تسد، بينما هناك قوى تتنافس وتتحارب فيما بينها، على الرغم من محاولات البعض إيجاد حلول مناسبة تلائم الطرفين، ولكن قبولهم لا يشكل فارقاً ورادعاً لإبطال الخلاف.
وعلى سبيل المثال عندما تصدر المحكمة قراراً بشأن ما، فهؤلاء الذين ينتهجون الحرب الخاصة يقومون بقلب القرار رأساً على عقب، من خلال وضع عنوان خاطئ لجذب القارئ، وهذا الأمر يفتح الباب للهجوم على قرار المحكمة وإظهار صورة عكسية بخلاف ما كانت عليه في السابق، ولا تدرك في الوقت ذاته أنك أصبحت أداة لتمرير سياسة مخادعة ومشاركة في شن حرب على منطقتك، لذا أطلقت عليها مفهوم الحرب الخاصة.
نحن الآن في دوامة الحرب الخاصة، إن لم نكن متيقظين لما يجري في الساحة، فإنها ستفتح الباب على مصراعيه للهجوم على الإدارة الذاتية، بما فيها المؤسسات المدنية والعسكرية، لأن المجتمع وقع تحت تأثير مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ كبير، وأصبحت تركيا تدرك جيداً ما تفعله فهي لا تهاجم الإدارة جهاراً، لأن السياسة المتبعة الآن ليست كسابق عهدها، فقط من خلال موقع على منصة الفيس بوك تستطيع نشر ما تريده وفي بعض الأحيان يصل القارئ إلى حد الإقناع بما ورد، ليصبح بدوره أداة وبيدق.
لحماية الحقيقة وحماية حقوق الشعب يجب علينا المقاومة، وعدم الاكتفاء بالوقوف موقف المتفرج، لكن للأسف نقف موقف المتفرج حتى إننا نصل إلى مستوى نصبح تحت تأثيرها دون أن نتساءل عن الحقيقة، مثلاً قد يكون هناك بعض النواقص، ويمكننا التعبير عنها بطرق أفضل دون مهاجمة المؤسسة، ودون أية تجريج، أو تشويه، بالتقرب من هذه المؤسسة، وتقديم الاعتراض والانتقاد فيما بيننا، ومثال ذلك: إذا كان هناك قرار صادر من أية محكمة، والذي قد يكون خاطئاً، فيمكننا الاعتراض لدى مجلس المحكمة، إذ ربما تكون المحكمة محقة ولديها العديد من المقومات التي غابت عنا، أو يمكن أن نبين بعض الأمور قد تكون غابت عن المحكمة، وتأثيراتها وجوانبها، أو فلنفترض أن الإدارة أصدرت قراراً خاطئاً، فهنا يمكننا التقدم إلى البرلمان أو المجالس المختصة بما وقعت فيه الإدارة من خطأ في القرار الصادر، فقد تتضح حينها لنا بعض الأمور كنا نجهلها، وقد يكون القرار صحيحاً بعد اطلاعنا على خلفياته.
لماذا نتحدث عن كل ما يخطر لنا، والحكم عبر أقاويلنا دون سابق معرفة، والبدء بالمهاجمة بشكلٍ مباشر، ومن جهة أخرى فهذه التصرفات موجودة ضمن الحرب الخاصة، والتي تدفعنا إلى النسيان بأننا نعيش في مرحلة الثورة، وكأن المنطقة تحولت إلى سويسرا والأمور استقرت تماماً، ويجب ألا يكون هناك نواقص أو أخطاء، لكن ليس كذلك لا زلنا نحارب حرب الوجود واللاوجود، ولا زال الجميع ضمن هذه الحرب، الجميع ضمن محاولات حماية المكتسبات سواء المجتمع والأحزاب السياسية أو الإداريين في الإدارة يعملون على حماية المكتسبات التي حققها هذا الشعب، بالتزامن مع الهجوم المستمر من العدو.
علينا تحمل بعضنا البعض والتعاون، فجميع المتعاونين والعاملين ومن يديرون مؤسسات الإدارة اليوم، هم من أبناء المنطقة، فهل من المناسب التهجم على الأشخاص واتهامهم بالفساد فقط بناءً على الأقاويل والأحاديث، دون التعرف على حقيقتها، أو فقط لوقوعه في خطأ، حتى في الإسلام يقال "إن بعض الظن إثم"، لذا يجب التبين والبحث والتساؤل عن خلفية الواقعة، واكتشاف حقيقتها، ومن ثم الحكم على الفرد أو الموضوع، فبهذا الشكل يمكن لهذا المجتمع والإدارة جنباً إلى جنب تطوير الإدارة وتجاوز الأخطاء، وحمايتها من أي هجوم.
مثال آخر، التدريب والتعليم، هناك نظام تدريب في المنطقة، تطورت مراحله مرحلة تلو الأخرى، هناك إعداد للمناهج، هناك إعداد للمعلمين، هناك مناهج أُعدت، قد يكون هناك بعض الأطراف لديها رؤى أخرى حول بعض الدروس أو بعض النقاط في هذا النظام الموجود، أو قد يكون هناك دروس خاطئة من الناحية الفكرية، فحينها باستطاعتنا زيارة الجهات المختصة أو إرسال المقترحات لتفادي الأخطاء، أليس أفضل من التشهير والتشويه والتهجم الذي قد يؤثر على الجانب المعنوي للأطراف العاملة في هذا المجال، والتي قد تحد من تطور تلك الأطراف.
لذا علينا أن نكون يقظين جميعًا حيال الحرب الخاصة، فالحرب الخاصة يتم تسيرها بشكل ممنهج ضد مجتمعنا، فتحاول التفرقة فيما بيننا، وتفرق بين الكرد والعرب، وتحاول إثارة بعض المؤسسات على الأخرى، وتتسبب بأن نفقد الثقة بمؤسساتنا، جميعها تقع في مصلحة العدو.
إذا كنت من الراغبين فعلاً في التصحيح، عليك العمل لتصحيح الخطأ دون التشهير والتشويه، هذه كلها أساليب الحرب الخاصة، ومماثلة للمهام التي يقوم بها بعض الجواسيس في المجتمع، فهناك من يُسند إليه مهام تعتمد فقط على نشر بعض المواضيع والإشاعات بين العامة وإثارتها، أو كتابتها على المواقع، لذا علينا اليقظة حيال هذه الأساليب.
كيف يحمي أهالي شمال وشرق سوريا أنفسهم من هذه الهجمات وما هو المطلوب؟
قبل كل شيء، المؤسسات الموجودة والمكتسبات التي تحققت جاءت نتيجة تضحيات الآلاف من الشهداء، وأبناء المنطقة، على الرغم من وجود بعض الأخطاء والنواقص، وإذا لم نحافظ على هذه المكتسبات فستساهم في التأثير السلبي في وضع المجتمع بشكل عام، والذي قد يفسح الطريق أمام تطور داعش والنظام والعملاء في المنطقة، والمحافظة على هذه المكتسبات تترتب على عاتق الجميع، والحل يكمن في مشروع الأمة الديمقراطية، بالحياة التشاركية، وأخوة الشعوب، والحرية والفكر الديمقراطي، وعلى الجميع أن يعلم بأن الثورة مستمرة ولم تنته بعد، لا زلنا في المراحل الأولى من الثورة، وهناك صعوبات في المراحل التي تنتظرنا، ويجب أن نعلم ليس كل الأمور كما نرغب، يجب أن نكون مستعدين لكل شيء، وليس علينا أن نرسم لأنفسنا خيالاً بعيداً عن الواقع، نحن هنا في سوريا في شمال وشرق سوريا، وفي روج آفا مكونات وقوميات وشعوب مختلفة، يجب أن نكون معاً لحماية هذه المكتسبات، ورفع وتيرة النضال والمقاومة للوصول إلى سوريا ديمقراطية نحمي فيها حقوق شعبنا.