​​​​​​​ما الذي يجعل سرت الليبية خطاً أحمراً للجميع؟

برزت مدينة سرت الساحلية الليبية، والتي هي بوابة استراتيجية لمنشآت النفط الرئيسة، كنقطة خلاف حاسمة بين تركيا وروسيا وفرنسا، وخاصة مع سعي الأخيرة إلى إعاقة تركيا عبر الناتو، فما الذي يجعل سرت مهمة لجميع الأطراف المتدخلة؟.

​​​​​​​ما الذي يجعل سرت الليبية خطاً أحمراً للجميع؟
20 حزيران 2020   08:38
مركز الأخبار

وتعثر التقدم السريع لقوات طرابلس المدعومة من تركيا في ليبيا في مدينة سرت الساحلية الرئيسة حيث ازداد دور روسيا في الصراع بشكل واضح، مما يبشر بمساومة صعبة بين أنقرة وموسكو، وذلك بحسب تقرير لموقع المونيتور الأمريكي.

وعلى الرغم من التقدم اللافت لقوات السراج المدعومة بالدرونات التركي، إلا أنها تواجه الآن قيوداً بخصوص توجه قوات الوفاق الساعية إلى السيطرة على مدينة سرت الاستراتيجية وخاصة من قبل روسيا بواسطة الطائرات الروسية ميغ 29 إلى جانب الإمارات بواسطة دروناتها، حيث تحاول موسكو عرقلة أي تقدم إلى مدينة سرت.

وأثارت انتكاسات حفتر حول طرابلس التوقعات بأن الأطراف ستعود إلى المواقع التي كانت تحتلها قبل أن يبدأ الجيش الوطني الليبي زحفه صوب العاصمة في نيسان/أبريل 2019 وكما أثارت الشكوك حول الشراكة التركية الروسية.

و تم الطعن الأول في هذا التعاون بالفعل في 7 كانون الثاني/يناير بعد أن وقعت أنقرة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني والتي عززت تدخل تركيا العسكري في ليبيا، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل مع استمرار حفتر في محاولته الاستيلاء على طرابلس، ولكن بعد خسارة الجيش الوطني الليبي لقاعدة الوطية الشهر الماضي، سحبت موسكو مرتزقة فاغنر الذين دعموا حفتر إلى الجفرة في وسط ليبيا، والذي اعتبر علامة على أن المنطقة ستصبح خط أحمر روسي.

واستولى حفتر على الجفرة عام 2017، بينما سقطت سرت بيد قوات حفتر في حزيران/يونيو 2019 عبر نشر 14 طائرة من طراز MiG-29 و Su-24 على الأقل في الجفرة في أواخر أيار/ مايو والذي أظهر أن روسيا عازمة على تثبيت موقعها هناك، ولم تبد أي مرونة فيما يتعلق بالسماح لسرت بالسقوط، محطمة آمال أنقرة في تكرار الانتصارات السهلة نسبيا للوطية وترهونة.

وفي 14 حزيران/يونيو، أجل وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان زيارة إلى تركيا في اللحظة الأخيرة، مع استمرار الاتصالات الثنائية على المستويات المنخفضة.

وانسحب الروس من المحادثات بعد أن رفضت تركيا اقتراحاً مصرياً بوقف إطلاق النار يتماشى مع خطة اللعبة الروسية. حيث كان المسؤولون الأتراك عازمين على الحفاظ على الدفع العسكري لحكومة الوفاق الوطني، وفي مقابلة تلفزيونية في 8 حزيران/يونيو، ذكر أردوغان أن سرت والجفرة وحقول النفط الرئيسة هي الأهداف التالية للحملة، واعترف أن روسيا منزعجة، وقال إنه سيناقش الأمر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وتكاثر الصخب حول مدينة سرت والذي بدا واضحاُ في أوائل حزيران/يونيو، عندما زار وفد من حكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك نائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق، موسكو.

 وبحسب ما ورد قيل لمعيتيق أن سرت خط أحمر لروسيا، وأثناء عودته إلى طرابلس، اتصل بقائد عملية سرت - الجفرة، وحثه على وقف الهجوم وإثارة شرخ داخلي، حيث تعهد وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني باحتلال سرت، طلب من رئيس الوزراء فايز السراج، العائد من المحادثات في أنقرة، بمواصلة الهجوم، وقال العميد عبد الهادي دراه ، المتحدث باسم غرفة العمليات المشتركة بين سرت والجفرة، في 15 حزيران / يونيو: "سرت خط أحمر بالنسبة لنا".

وتقع سرت في منتصف الساحل الليبي، وهي البوابة الغربية لمنطقة "الهلال النفطي" في البلاد والطريق الذي يجب على المرء السيطرة عليه للسيطرة على موانئ السدرة ورأس لانوف ومرسى والبريقة وزويتينا، حيث يوجد 11 أبنوب نفطي وثلاث قنوات غاز تصل إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.

ومن خلال الاستيلاء على سرت، يمكن لأي قوة بسهولة الاستيلاء على امتداد ساحلي بطول 350 كيلومتراً على طول الطريق إلى بنغازي، بالإضافة الى  خطوط الأنابيب والمصافي والمحطات الطرفية ومرافق التخزين، إن استيلاء حفتر على "الهلال النفطي" الذي يضم 60٪ من ثروات الهيدروكربون في ليبيا -أعطاه القوة لتقويض قوات طرابلس ومصراتة.

وخلاصة القول، إن السيطرة على "الهلال النفطي" بطريقة تضمن تدفق النفط يمكن أن يكون لها تأثير مضاعف في تأرجح الصراع ويُنظر إلى سرت على أنها مفتاح السيطرة على المنطقة.

وبعد الاستيلاء على الوشكة في 6 حزيران/يونيو، سارت قوات حكومة الوفاق الوطني على سرت من ثلاث محاور، لكن الغارات الجوية للجيش الوطني الليبي أوقفت التقدم، وعزز هذا الجمود الترقب للمحادثات التركية الروسية، ولكن يبدو أن الاختراق غير مرجح حتى يلتقي أردوغان وبوتين.

وتسعى تركيا إلى وجود عسكري دائم في ليبيا، وتتطلع إلى الوطية والقاعدة البحرية في مصراتة، ويزعم البعض أن أنقرة ستذعن للسيطرة الروسية في الجفرة مقابل سرت، وقاعدة القرضابية الجوية بالقرب من سرت هي منشأة أخرى يقال أن تركيا تتطلع إليها في حالة سقوط سرت.

ويعتقد أن روسيا، من جانبها، تريد استخدام سرت كقاعدة بحرية، بالإضافة إلى الجفرة، التي تحرص على تعزيز وضعها في البحر الأبيض المتوسط ​​بعد الاستحواذ على قواعد في طرطوس واللاذقية في سوريا، وليس من المستغرب أن مثل هذه التوقعات قد أزعجت حلف شمال الأطلسي، الذي يخشى الضغط عليه في الجناح الجنوبي، ومع ذلك، فإن الناتو ليس موحداً بشأن هذه القضية.

وقد تدخلت فرنسا، التي تنفر من السيطرة التركية والروسية في سرت،  ويُنظر إلى ظهور المقاتلات الفرنسية في السماء الليبية على أنه عمل فرنسي وبأنها جزء من اللعبة.

ونقلت صحيفة العرب ويكلي عن مصدر ليبي قوله "يبدو أن فرنسا بدأت في الاصطفاف مع روسيا ضد تركيا، وفي الحقيقة، إنها ضد الولايات المتحدة، وينظر الروس والفرنسيون إلى سرت بنفس الأهمية، كلاهما يريد الميناء والقاعدة ".

وفي 14 حزيران/يونيو، هاجمت فرنسا تركيا بسبب تزايد "عدوانيتها" في ليبيا، متهمة إياها بإرسال نصف دزينة من السفن إلى البلاد وانتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وطالبت بعقد اجتماع للناتو بشأن هذه القضية، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن موقف تركيا "يشكل خطراً علينا و يشكل خطراً استراتيجياً غير مقبول لأنها تبعد 200 كيلومتر عن الساحل الإيطالي".

وبحسب ما ورد تسعى فرنسا إلى الحصول على دعم أمريكي مباشر لكبح جماح تركيا، بينما تدعو تركيا إلى التعاون مع الولايات المتحدة في ليبيا.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الأولوية هي إعاقة روسيا، لكن بالنسبة لفرنسا فكبح تركيا هي الأولوية، ولذلك فمن غير المرجح أن تحاصر الولايات المتحدة تركيا في الناتو.

وفي 17 حزيران/يونيو، وسط المواجهة مع فرنسا، أرسل أردوغان وفداً رفيع المستوى إلى طرابلس، ضم وزير الخارجية، ووزير المالية، ورئيس المخابرات والمتحدث باسم الرئاسة، وبحسب وزير الخارجية التركي، كان الهدف من الزيارة هو "التأكيد على دعم ليبيا بطريقة قوية"، وتركزت المحادثات على الحملة العسكرية والمشاريع الاقتصادية.

(م ش)