الحرب الروسية الأوكرانية.. حرب قوى الرأسمالية على الهيمنة العالمية - هيفيدار خالد
دخلت الأزمة الروسية الأوكرانية عامها الثالث، تاركةً وراءها تداعياتٍ كبيرةً على المنطقة برمتها، والتي تُعدّ واحدةً من أهم الأزمات السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة، وخلقت أزماتٍ سياسيةً واقتصاديةً وأمنيةً في مختلف أصقاع العالم، بدءاً من أوروبا التي تقدم الدعم بشكل متواصل لأوكرانيا ضد روسيا منذ البداية وحتى الآن، إلى القارة الأفريقية التي وجدت اقتصاداتها في مواجهة آثار هذه الحرب، وصولاً إلى أمريكا التي تخوض حرباً نظاميةً ضد روسيا بتقديمها الدعم المباشر لأوكرانيا، إلى منطقة الشرق الأوسط التي أصبحت ساحة صراع مفتوحةً على مصراعيها لجميع القوى المتصارعة.
الحرب الأوكرانية الروسية المعقدة وذات الأسباب المتعددة مستمرة بكل قوتها، وليس ثمة نهاية قريبة لها بحسب محللين عسكريين وباحثين إستراتيجيين وأمنيين ومتابعين للشأن الدولي في الوقت الحالي. فقد أوجز المختصون بأنه وراء هذه الحرب العديد من الأسباب أحدها الصراع الجيوسياسي، فقد تعارضت مصالح روسيا وأوكرانيا في المنطقة، حيث تسعى موسكو إلى الحفاظ على نفوذها في منطقة البحر الأسود ومضيق كيرتش، فيما تحاول كييف تحقيق الاستقلال والتوجه نحو الغرب، والنزعة القومية، حيث تُعدّ المناطق الشرقية لأوكرانيا موطناً للأوكرانيين الناطقين بالروسية، ويشعر كثير منهم بالانتماء لروسيا وليس لأوكرانيا، ما أدى إلى صعود الحركات "الانفصالية" التي تدعمها روسيا.
فضلاً عن تعرّض أوكرانيا اقتصادياً لأزمة مالية واقتصادية منذ عام 2014، وأدى ذلك إلى تراجع قيمة العملة الأوكرانية وزيادة معدلات البطالة والفقر، ويعتقد بعض الناس في أوكرانيا بأن روسيا تسعى إلى استغلال هذا الوضع لتوسيع نفوذها في المنطقة. وإلى جانب الأزمة السياسية، تشهد أوكرانيا اضطراباتٍ سياسيةً منذ عام 2014، إذ أُطيح بالرئيس السابق للبلاد، وهذا ما أدى إلى توترات بين موسكو وكييف.
إلا أنه من خلال المتابعة العميقة لكل التطورات والمستجدات، والتي تلمسها من حرب التصريحات والحرب الإعلامية بين طرفي الصراع، يتضح لك بأن هذه الحرب هي حرب عالمية وحرب الهيمنة على العالم، حرب بين قوتين عالميتين، وكل واحدة منهما تحاول التفرد بعرش الهيمنة، ولا شك أننا نقصد هنا روسيا وأمريكا. فأمريكا استطاعت زج الدول الأوربية في هذه الحرب وكسبها إلى جانبها في هذه المعركة، وأرسلت آلاف الأطنان من الأسلحة ومضادات الطيران والمئات من المستشارين والخبراء العسكريين والأمنيين.
نعم، إنه الصراع بين القوى الرأسمالية العالمية نفسها، وبالنتيجة، الضحية الوحيدة من هذه الحرب العبثية، هما الشعبان الروسي والأوكراني، واللذان تجمعهما علاقات تاريخية، حتى قبل نشوء الاتحاد السوفياتي، فهما من الشعوب السلافية ولغتاهما متقاربتان إلى حدٍ كبير، ومذهبهما الديني واحد (الأرثوذكسية)، إذاً فإن هذه الحرب يمكننا عدّها، أو هي بالفعل حرب إمبريالية، وصراع بين قوى الهيمنة العالمية نفسها، والهدف البعيد للولايات المتحدة هو مواجهة قوة الصين الشعبية الصاعدة.
والآن، واشنطن تفعل المستحيل كي لا تنتصر روسيا في هذه الحرب، من أجل ألا تخسر هيبتها في العالم، وبالتالي مناطق نفوذها في دول عدة في المنطقة. تستهدف واشنطن حكم العالم وفق نظام جديد لا مكان فيه لروسيا أو الصين، وكل طرف منهما يستخدم نفوذه وأدواته السياسية وأسلحته العسكرية لتحقيق مبتغاه. أمريكا التي ورطت أوكرانيا في هذا الصراع، وضعت كل طاقات الدول الأوروبية، بدءاً من الطاقة والنفط والسلاح إلى المواد الغذائية في خدمة أوكرانيا. نعم حرب شاملة بين روسيا وحلف الناتو ولا تلوح في الآفق نهاية لها، بل بالعكس تماماً، الوضع يتجه نحو التصعيد أكثر يوماً بعد آخر.
يسعى بوتين من هذه الحرب إلى تشكيل حكومة أوكرانية موالية له، بالإضافة إلى خلق شرخ بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، الذي لم يكن مع فكرة ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو مثل أمريكا.
نعم تضررت أوكرانيا كثيراً من هذه الحرب وتدمرت مناطق من أراضيها ومدنها بشكل كامل، كما أن روسيا خسرت الكثير من طاقاتها وتلقت خسائر فادحةً في الأرواح والعتاد، وفرضت العديد من الدول الغربية عقوباتٍ اقتصاديةً وسياسيةً عدةً عليها بسبب حربها على أوكرانيا، هذه العقوبات أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد الروسي وزادت الضغوط على الحكومة الروسية، ولا شك أن كل ذلك للدفع بموسكو إلى التزام القانون الدولي والعمل على تخفيف التوترات في المنطقة. إلا أن الطرفين مازالا حتى هذه اللحظة متمسكَان بخيار الحرب. روسيا مصرّة على تحقيق نصر مؤكد، وأوكرانيا تقول إنها مصرّة على تحرير كامل الأراضي الأوكرانية من روسيا.
وفي وسط هذا السيل من المواقف، وبعد عامين من المعارك المتواصلة بين روسيا وأوكرانيا، بدا وكأن هناك علامة استفهام مثيرةً وخطرةً مطروحةً على طاولة النقاش، وتتمثل باستخدام أسلحة الدمار الشامل، لا سيما النووية منها من قبل روسيا ضد أوكرانيا كي لا تخسر هذه المعركة الطاحنة. كما أنه يتم الحديث عن إنشاء منطقة عازلة في خاركيف وسومي، في وقتٍ أجرى البلدان تغييراتٍ عسكريةً، كان أكبرها في روسيا مع تعيين أندريه بيلوسوف وزيراً للدفاع خلفاً لسيرغي شويغو، الذي تم تعيينه وفقاً للإعلام الروسي، أميناً عاماً لمجلس الأمن القومي، وهو مدني متخصص في الاقتصاد وليس لديه أي خبرة عسكرية.
في المقابل، وسط كل الزخم على الساحة السياسية، الصراع مستمر ومعقد ويتطلب حلاً دبلوماسياً شاملاً وشجاعاً يلبي مطالب الطرفين في آن واحد. هذه الحرب التي أنتجت تغييراتٍ كثيرةً على المستويين الإقليمي والدولي، وفتحت المجال أمام ظهور تكتلات جديدة في المنطقة والعالم، لا بد من رؤيتها وأخذها بعين الاعتبار من الآن فصاعداً.