أموال المودعين اللبنانيين في مهبّ الاستهتار والتجاهل

تُعدّ أزمة أموال المودعين في لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية التي شهدها لبنان في العقود الأخيرة. وقد أدت هذه الأزمة إلى تآكل كبير في قيمة الليرة اللبنانية، وتجميد الودائع المصرفية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

أموال المودعين اللبنانيين في مهبّ الاستهتار والتجاهل
18 آب 2024   09:01
بيروت
رانيا عبيد

بدأت ملامح أزمة أموال المودعين في لبنان تظهر بشكل واضح في العام 2019، عندما واجه القطاع المصرفي صعوبات في تلبية طلبات السحب النقدي، ما أدى إلى فرض قيود على سحب الأموال. وتفاقمت الأزمة مع انهيار قيمة الليرة اللبنانية بشكل حاد، نجم عنه فقدان المودعين لجزء كبير من مدخراتهم.

عوامل عدة أسهمت في تفاقم الأزمة أبرزها، فشل الحكومات اللبنانية المتعاقبة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية اللازمة لمعالجة جذور الأزمة، ولا تزال تداعيات هذه الأزمة مستمرة، حيث يعاني اللبنانيون من أزمة معيشية خانقة، وتدهور في مستوى الخدمات العامة.

الخبير في المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي تحدث لوكالتنا في هذا السياق، واعتبر أن النقاش حول أموال المودعين أخذ بعداً عاطفياً، فالمودعون يريدون أموالهم بشكل فوري من خلال الأوراق النقدية، وهذه الطريقة غير متوفرة في ظل الواقع الاقتصادي الذي يمر به لبنان أو من خلال تحويل الأموال إلى الخارج، ولكن ليس هنالك سيولة لدى المصارف لتأمين هذه التحويلات.

وأضاف محمد فحيلي: "أنه من وجهه نظر السلطة السياسية كانت أموال المودعين دائما مقدسة، ولكن على أرض الواقع نلاحظ من خلال الأربع سنوات الماضية أن قيمة الودائع انهارت وتم ضربها بشكل يتعدى 85 إلى 90% بسبب "الهيركات" أو الاقتطاع من قيمة الودائع المصرفية، لأن السحوبات تأمنت على سعر صرف دون الدولار أو المنطق".

فحيلي يرى أن على الجميع اللجوء إلى المنطق في موضوع معالجة أزمة الودائع، ويجب أن يصب الاهتمام بالاقتصاد اللبناني وبكل مكوناته، "أي بالمواطن اللبناني وليس فقط بأموال المودعين وبالمؤسسات التجارية اللبنانية وليس فقط بالمصارف التجارية اللبنانية".

ونوه فحيلي أن انتعاش الاقتصاد اللبناني يفسح المجال للمصارف التجارية بإعادة تكوين السيولة المتعلقة بها، مما يساعدها على البدء بخدمة الاقتصاد وبالتالي تمكّن المودع من تأمين السيولة التي يحتاج إليها.

محاولات النهوض الاقتصادي في لبنان أمام الفشل

محاولات عدة قامت بها السلطة السياسية اللبنانية لإنقاذ أموال المودعين لكنها باءت بالفشل، فقانون "الكابيتال كنترول"، الذي بدأ الحديث عنه في نيسان 2020، وبعد مرور أربع سنوات لم ينجح وبات كسابقاته من مشاريع القوانين التي فشلت في اللجان النيابية وفي الهيئة العامة لمجلس النواب، والسبب أن هذه القوانين لا تتناغم مع المنطق الاقتصادي اللبناني.

وأوضح فحيلي أن المكان الطبيعي للودائع هو الحسابات المصرفية، والمطلوب من السلطة السياسية طمأنة المودع على أمواله، بما يضمن له الحق بالوصول إلى وديعته كي يتمكن من تأمين فاتورة الاستهلاك وفاتورة الاستشفاء والتعليم وغيرها من الفواتير المعيشية.

أي حلول لإنقاذ أموال المودعين في ظل الواقع الاقتصادي المتدهور في لبنان؟

في الحديث عن المصارف فإن هنالك حوالي 7 إلى 10 مصارف من أصل 45 مصرف تجاري، لديهم القدرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد، وهم نجحوا في إعادة تكوين السيولة الكافية، لإعادة الثقة بالمودع وكذلك لخدمة الاقتصاد، ولكن الحاجز المعرقل لاستعادة الاستقرار الاقتصادي اللبناني هو عدم الجدية من قبل كل المكونات السياسية، وغياب الإرادة لإقرار الإصلاحات، وهذا هو الواقع اللبناني، فالسلطة الحاكمة تلجأ دائماً إلى الحلول الترقيعية والسطحية، ما يضع المواطن أمام مصير مجهول فيما يخص أمواله وحصاد عمره.

(أ ب)

ANHA