عودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم بين الدعاية السياسية وعدم الجدية

تستغل غالبية القوى السياسية في لبنان ملف اللاجئين السوريين لأسباب مادية، ويعتقد اللبنانيون أن المنحة التي قدمتها رئيسة المفوضية الأوروبية والرئيس القبرصي، تُعدّ رشوة للدولة اللبنانية من أجل الإبقاء على السوريين في لبنان. ويرى المراقبون أن التعاون بين السلطتين اللبنانية والسورية بات في سلّم الأوليات لحل أزمة اللجوء.

عودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم بين الدعاية السياسية وعدم الجدية
24 مايو 2024   07:30
بيروت
رانيا عبيد

استأنف لبنان منذ أسبوع تقريباً، تسيير رحلات ما تعرف بـ(العودة الطوعية) للّاجئين السوريين، على دفعات شملت في أول رحلتين ٤٦٠ لاجئاً، عادوا إلى ريف حمص والقلمون بالتنسيق مع حكومة دمشق، حيث خُصص معبر جلسة الحدودي في بلدة القاع باتجاه حمص وريفها، ومعبر وادي حميد الزمراني في عرسال باتجاه القلمون؛ حسب ما أفادت مصادر رسمية.

كما وتستمر الحملات الأمنيّة المتشددة التي تنفذها وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية لمكافحة المخالفات والعمالة السورية غير الشرعية، من خلال إقفال الأمن العام للمؤسسات والشركات والمحال التي يديرها ويستثمرها عمال سوريون غير شرعية.

موقف المنظمات الحقوقية من ملف اللاجئين السوريين:

مصادر لبنانية مطلعة على ملف اللاجئين السوريين أكدت لوكالتنا، أن خطوة عودة اللاجئين السوريين تميل إلى الدعاية السياسية، إذ أنه ليس هنالك خطة جدية عملية لعودتهم، وما يزيد الموضوع تعقيداً هو استمرار الدول الاوروبية بدعم بقاء اللاجئين السوريين في لبنان لقاء مساعدات وهبات مالية، وآخرها هبة المليار يورو التي قدمتها المفوضية الأوروبية إلى لبنان.

وأبدت منظمات حقوقية، بينها "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، في بيان مشترك، خشيتها من أن تؤدي مساعدة الاتحاد الأوروبي للبنان إلى "العودة القسرية للاجئين، ما يجعل لبنان والاتحاد الأوروبي متواطئين في انتهاكات مبدأ القانون الدولي بشأن عدم الإعادة القسرية، الذي يُلزم الدول بعدم إعادة الأشخاص قسراً إلى دول يتعرضون فيها لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة".

الوجود السوري بين النزوح واللجوء

الصحافية كارولين بزي تحدثت لوكالتنا عن توصيف الوجود السوري، وقالت إنه لا يوجد توصيف واضح، فالبعض يطلق عليهم توصيف النازحين، وهو الأمر الذي لا ينطبق إلا على الذين ينتقلون من منطقة إلى أخرى داخل البلد الواحد، وتوصيف لاجئين وهو ما ينطبق عمن تركوا أرضهم لأسباب سياسية أو اندلاع حرب، أي الذين لا يجدون أن بلادهم تقدم لهم الحماية، وبالتالي يقوم هؤلاء باللجوء إلى بلدان أخرى، ولكن فيما يتعلق بلبنان فهو ليس بلداً يمكن أن يكون وطناً بديلاً للاجئين، ولاسيما أن لبنان لم يوقع أو ليس طرفاً في اتفاقية اللاجئين العالمية لعام 1951.

وأضافت كارولين بزي: "من هنا يجب أن يكون هناك مفهوم صريح وواضح حول الوجود السوري في لبنان، كما علينا أيضاً أن نتحدث في الإطار عينه عن واقع اللجوء السوري في لبنان بين الشرعي وغير الشرعي، فالأمن العام اللبناني كان قد طلب من مفوضية اللاجئين التوقف عن تسجيل دخول السوريين إلى لبنان في العام 2015، على اعتبار أن الأمر لم يعد لجوءاً سياسياً، بل لجوءاً اقتصادياً، واليوم لا يمكن تقدير عدد السوريين في لبنان بين الشرعي وغير الشرعي، ولاسيما أن المعابر غير الشرعية مفتوحة ولا يتم ضبطها، ومن غير المعروف إن كان هناك قدرة للأمن اللبناني والدولة اللبنانية على ضبطها أو يوجد إرادة لذلك أصلاً".

وبالنسبة لمفوضية اللاجئين، فإن عدد السوريين في لبنان هو 800 ألف، بينما بالنسبة للسلطات اللبنانية تجاوز المليوني لاجئ، أي ما نسبته ثلث عدد الشعب اللبناني، وبالتالي يُعدّ لبنان البلد الذي يستقبل أعلى نسبة لاجئين على أراضيه نسبةً إلى عدد سكانه.

النزوح السوري بين العنصرية وخطاب الكراهية

في لبنان، نشهد بين فترة وأخرى تصاعد النبرة تجاه اللاجئين السوريين، ومع كل حادثة يُتهم فيها أو يرتكبها شخص يحمل الجنسية السورية، تُصوّب أصابع الاتهام نحو كل السوريين الموجودين في لبنان، وحسب كارولين بزي يُستخدم هذا الملف بطريقة عنصرية على الصعيد الشعبي، ولكن الأمر لا يغيب عن المستوى الرسمي، فمنذ بداية الأزمة السورية ثمة من ينتقد لجوء السوريين إلى لبنان، وذلك لأسباب طائفية وديمغرافية خوفاً من توطينهم، الأمر الذي سيشكل خطراً طائفياً على بعض القوى السياسية.

أوضحت كارولين بزي في الآونة الأخيرة، أن بعض القوى السياسية التي كانت تطالب بحماية اللاجئين السوريين في لبنان وعدم ترحيلهم ولو بشكل طوعي، باتت تطالب اليوم بإعادتهم إلى سوريا. وقالت: "وللأسف أن غالبية القوى السياسية في لبنان تستغل هذا الأمر لأسباب مادية، فمنذ أسابيع قليلة طالب أحد الوزراء بفتح باب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر أي إلى قبرص، ما دفع رئيسة المفوضية الأوروبية والرئيس القبرصي بزيارة لبنان، وتقديم منحة بقيمة مليار يورو من أجل ردع أي عملية هجرة غير شرعية إلى قبرص، الأمر الذي عدّه اللبنانيون رشوة للدولة اللبنانية من أجل الإبقاء على السوريين في لبنان".

ونوهت كارولين بزي أن الأمر الذي نفته الحكومة اللبنانية، التي أصلاً لم تضع خطة واضحة أو جدية حول تنظيم وجود اللاجئين في لبنان، في ظل نظام اقتصادي منهار، بالتأكيد لا يتحمل وزره المقيمون السوريون، ونوهت: "ولكن لا يمكننا أن ننكر أن كل من يعيش في لبنان قد تأثر ولا يزال يتأثر بالأزمة الاقتصادية التي بدأت في العام 2019". 

التعاون بين السلطتين اللبنانية والسورية بات في سلم الأوليات لحل ازمة اللجوء

كارولين بزي قالت: "إن هناك فئة من السوريين تقوم بزيارة سوريا من وقت لآخر وتعود إلى لبنان، أي أن صفة اللجوء ولاسيما السياسي لا تنطبق عليها، وبالتالي عودتها مرتبطة بالأسباب الاقتصادية، وهنا أيضاً تتحمل السلطات اللبنانية الرسمية مسؤولية هذا الخلل".

وأكدت كارولين بزي أن واقع السوريين في لبنان كواقع اللبنانيين، الغالبية تعاني من ضائقة اقتصادية شديدة، وهناك الكثير من اللاجئين الذين يعيشون في مخيمات لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف، إلى جانب حرمان الأطفال الذين وُلدوا في لبنان من التعليم ولاسيما الذين لم يُسجّلوا؛ لأن أهاليهم وصلوا إلى لبنان بطريقة غير شرعية.

وأوضحت كارولين بزي، من أجل وضع حد للمأساة التي يعيشها الشعبان اللبناني والسوري، على الحكومة اللبنانية أن تضع خطة جدية قابلة للتنفيذ من أجل حل ملف اللجوء غير الشرعي في لبنان، مع ضرورة حث سلطات حكومة دمشق على التعاون للوصول إلى نهاية إنسانية واقعية ترضي جميع الأطراف، ولا يتحمل وزرها أي شعب من الطرفين على حساب الآخر.

(أ ب)

ANHA