التعليم والتنشئة الاجتماعية خلال الثورة

باندماج النظام التعليمي في الإدارة الذاتيّة المبني على أساس الأمّة الديمقراطية، مع مجلس التربية والتعليم، شمل المجتمع بأكمله، وأصبح نظاماً مجتمعياً متكاملاً.

التعليم والتنشئة الاجتماعية خلال الثورة
20 تموز 2024   06:00
قامشلو
سيما بروكي

يُعدّ النظام التعليمي أحد أهم القضايا "الحيويّة" التي يتمّ التركيز عليها على مدار السنوات الـ 12 لثورة 19 تموز.

يُعرّف التعليم على أنّه: "تأهيل وتنمية وتكوين الأشخاص في إطار فكري وعلمي مبني على أسس محدّدة، واكتساب المهارات وبناء جيل جديد بناءً على ذلك".

اليوم، يقدّم كلّ نظام التعليم بالشكل الذي يراه مناسباً، لكنّ النظام المهيمن المبني على العقلية السلطوية له تأثيره على التعليم أيضاً.

وكان النظام التعليمي في شمال وشرق سوريا قبل ثورة 19 تموز، قائماً على أساس اللغة الواحدة والثقافة الواحدة والأمّة الواحدة، وكان يتمّ طمس وإنكار باقي اللغات والهويات والثقافات، ولا سيما الكرد، فقد اعتُبروا الكرد غير موجودين البتة، لذا لم يتمكّنوا من لعب دورهم في المجتمع حتّى لو أُتيحت لهم فرصة الدراسة. 

وحتّى ثورة 19 تموز، كان الكرد يتعلّمون القراءة والكتابة بلغتهم الأم سرّاً، وكانت مؤسسة اللغة الكردية (SZK) التي تأسّست عام 2007 تواصل أنشطتها في حلب وعفرين وكوباني والجزيرة سرّاً، فيما كان أبناء المكونين السرياني والأرمني يتعلّمون لغتهم وثقافتهم في بعض المدارس الخاصة. 

نظام الإدارة الذاتيّة والمحطات التعليمية

تغيّر هذا الوضع مع انطلاق ثورة 19 تموز وإعلان نظام الإدارة الذاتيّة، وبدأ بناء النظام التعليمي القائم على أساس الأمّة الديمقراطية.

واليوم وفي الذكرى السنويّة الـ 12 للثورة، بُني نظام تعليمي ملموس يبدأ من المدارس الابتدائيّة ليمتدّ ويشمل الجامعات والأكاديميات، ويجري تدريب وتعليم جميع أبناء المجتمع من عمر السابعة وحتّى السبعين عاماً في سعيٍ مستمرّ لتعزيز الثقافة الديمقراطية.

وطوّرت مؤسسة اللغة الكردية عملها وتنظيمها من حلب إلى ديرك بشكل رسمي بين عامي 2012 و2013، وافتتحت أكثر من 100 مدرسة تلقّى فيه الشباب والنساء وكبار السن دورات للغة الكردية.

وفي مطلع عام 2013، تمّ إضافة إلى المدارس التابعة لمؤسسة اللغة الكردية، إدخال اللغة الكردية كمادة إلى المناهج التعليمية في المدارس الرسمية، ولهذا تمّ تأهيل وإعداد عشرات المدرّسين وتعيينهم.

المعاهد والمناهج الصور والفيديوهات

لغرض تأهيل وإعداد المعلّمين الذين سيتولّون التدريس في المدارس وإعداد المناهج وفق نظام الإدارة الذاتيّة، افتتاح في عام 2015 معاهد في معظم مدن الإقليم.

وأُعدّت المناهج بدايةً في المعاهد، لكن بعد توسّع النظام، افتُتحت عام 2016 مؤسسة المناهج التي قامت حتّى عام 2019 بإعداد مناهج المراحل الابتدائيةّ والإعدادية والثانوية.

بموجب المادة 7 من العقد الاجتماعي، تُعدّ اللغات العربية والكردية والسريانيّة لغات رسميّة في الإقليم، لذا تمّ إعداد جميع المناهج التعليمية بهذه اللغات الثلاث.

وأعدّت مؤسسة المناهج مواد: "الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، العلوم، المجتمع والحياة، العلوم الاجتماعية، الثقافة والأخلاق، الجغرافيا، التاريخ، الفلسفة، الديانة الإسلامية، الديانة الإيزيدية، تاريخ الديانات، لغات المكونات (الكردية، العربية، السريانية)، اللغة الإنجليزية، الموسيقا، الرياضة والفن".

مجلس التربية والتعليم

بعد التعديلات التي طرأت على نظام الإدارة الذاتيّة خلال العام الجاري وتوسّع المجال التعليمي، تمّ إجراء تعديلات على النظام التعليمي أيضاً، وجُمعت الأنشطة التعليمية كافة تحت مظلة مجلس التربية والتعليم.  

وتعرّف المادة 98 من العقد الاجتماعي المجلس كالتالي: "يتشكل من ممثلي المؤسسات والجهات المعنية بالتربية والتعليم، ممثلي مجلس الجامعة، هيئة التربية والتعليم، مؤسسة المناهج، مؤسسة اللغة، اتحاد المعلمين، ممثلي الهيئة التدريسية، ومراكز البحث والدراسات، لجان الجينولوجي وممثلي الكومينات والمجالس الشعبية ومن ممثلي اتحاد الطلبة. يقوم بوضع استراتيجية التربية والتعليم. يقوم بتعليم اللغات الرسمية واللغات الأخرى الموجودة ضمن الإدارة الذاتية الديمقراطية، يهتم بالتوعية الشعبية، يقوم بتطوير ذهنية الأمة الديمقراطية، بدءاً من مرحلة الحضانة وحتى مرحلة الجامعة. يقوم بتطوير المشاريع التربوية والمناهج التعليمية والتثقيفية والعلمية. من أجل جميع فئات المجتمع. يطور المؤسسات المختصة بعمله، يقوم بافتتاح الأكاديميات التي تعمل على تأهيل الكادر التربوي".

وتُنفّذ المخططات والقرارات الصادرة عن مجلس التربية والتعليم عن طريق هيئة التربية والتعليم.

آراء مختلفة

وأشار الرئيس المشترك لهيئة التربية والتعلم بمقاطعة الجزيرة، مصطفى فرحان أن: "الهدف من إنشاء مجلس التربية والتعليم هو التقييم واتخاذ القرارات المشتركة. لقد تم إنشاء المجلس إلى حد ما، وتستمر اجتماعات اللجان في المدن، لأخذ آراء جميع ساحات التربية والتعليم ولتكون شريكة في القرار".

تغيير المناهج

إلى جانب التعديلات التي طرأت على النظام خلال العام الجاري، بدأ العمل على تغيير المناهج التعليمية، وسيجري هذا على 3 مراحل، كما ستُفتتح دورات تدريبيّة لتدريب المعلمين على المناهج الجديدة.

وبحسب تعداد هيئة التربية والتعليم في شمال وشرق سوريا، يوجد في الإقليم 4175 مدرسة، و41509 معلّماً ومعلّمة، و837466 طالباً وطالبة.

"نريد أن يشارك الطلاب أيضاً"

وأكد الرئيس المشترك لمؤسسة المناهج هفند إبراهيم، أن هناك حاجة لتغيير المواد (مناهج) وفقاً للاحتياجات، لتخلص من الأساليب الكلاسيكية في التعليم، وقال: "نريد أن نجعل الطلاب جزءاً من عملية التعلم، وفي هذا السياق قمنا بإثراء دوراتنا من خلال المحادثات والنقاشات والتجارب".

أكاديميات المجتمع الديمقراطي

ويُشرح مفهوم الأمة الديمقراطية لفئات المجتمع ممن هم خارج النظام التعليمي عبر الأكاديميات، وفي هذا السياق، افتُتحت أولى الأكاديميات في مدينة عامودا عام 2013 بإشراف من أحد مؤسسي نظام الإدارة الديمقراطية، الشهيد هركول (حسين شاويش) وباسم مؤسسة نوري ديرسمي للفكر، ثمّ افتُتحت في العديد من المدن أكاديميات أخرى تحمل الاسم ذاته، وتمّ خلال المؤتمر الثالث للأكاديمية المنعقد عام 2016 تغيير اسمه إلى أكاديمية المجتمع الديمقراطي. 

وتواصل الأفرع الـ 20 لأكاديمية المجتمع الديمقراطي المتوزّعة في مختلف مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، العمل التدريبي والأعمال الكتابية، وافتُتح عام 2016 مركز أبحاث أكاديمية المجتمع الديمقراطي، وتدرّب الأكاديميات، جميع مكونات الإقليم (الكرد والعرب والسريان والآشور والكلدان والأرمن) معاً على القضايا الفكرية، الفلسفية، الاجتماعية، التاريخية، نظام الأمة الديمقراطية، العلوم الاجتماعية وغيرها، باللغات الكردية والعربية.

وتُعدّ الدروس المقدّمة في الأكاديميات كل المواد باللغتين الكردية والعربية، وتصدر عن الأكاديمية مجلّة دوريّة (كل 6 أشهر) باسم المجتمع الديمقراطي، ويتناول كلّ عدد منها قضيّة سياسية، اجتماعية، اقتصادية وثقافية خاصة.

"التدريب يغير حياة المشاركين والمشاركات فيها"

إيمان دقوري، وهي إحدى خريجات ​​أكاديمية المجتمع الديمقراطي، قالت إن انضمام الفرد إلى الأكاديمية يعمق تفكيره ويوسع آفاقه، كما تصبح نقاشاتهم أقوى، وتابعت: "يجد الإنسان الإجابة عن أسئلة مثل كيف يعرف نفسه؟ وكيف يتواصل مع محيطه؟ وكيف يعيش الآن؟". وترى أن المشاركة في التدريب يعني بالتالي تغير حياة المشاركين والمشاركات بها.

أكاديميات المؤسسات

إلى جانب أكاديمية المجتمع الديمقراطي، افتُتحت أيضاً في عام 2024، أكاديمية الشهيد فرهاد ديرك التابعة للإدارة الذاتيّة، كما افتتحت جميع المؤسسات من الحماية إلى الاقتصاد، الفن، المرأة والإعلام أكاديميات خاصة، وتؤهّل هذه الأكاديميات العاملين في كلّ مجالٍ من هذه المجالات.

الجامعات

استُكمل نظام تعليم المجتمع الديمقراطي بتأسيس الجامعات، وافتُتحت جامعة عفرين عام 2015، جامعة روج آفا في قامشلو عام 2016، وجامعة كوباني عام 2016 وجامعة الشرق في الرقة عام 2021.

3153 طالباً وطالبة

تضمّ جامعة روج آفا اليوم 12 كليّة و3 معاهد، وجامعة كوباني 3 كليّات و5 معاهد وجامعة الشرق 7 كليّات ومعهدين.

وبحسب تعداد الجامعات الثلاث (روج آفا، كوباني، الشرق) بلغ عدد الطلبة خلال العام الدراسي 2023-2024، في جامعة روج آفا 1955طالباً وطالبة، وفي جامعة كوباني 931 طالباً وطالبة وجامعة الشرق 267 طالباً وطالبة.

وتُدرّس في الجامعات الثلاث مواد أساسيّة متعلّقة بالأمة الديمقراطية، العلوم، السياسة، المجتمع، التاريخ والأدب، وافتُتح في جامعة روج آفا قسم خاص لعلم المرأة (الجنولوجيا)، فيما يُدرس في الجامعتين الأخريين كمادة دراسية.

جامعة عفرين

تأسّست جامعة عفرين في مركز مدينة عفرين عام 2015 كأوّل جامعة في روج آفا، وضمّت 4 كليّات و6 أقسام هي؛ كلية الطب، كلية الهندسة وشملت قسمي الهندسة الزراعية والميكانيكية، كلية الأدب وشملت قسمي اللغة الكردية والإعلام، كلية الاقتصاد، وكان يدرس فيها نحو 850 طالباً وطالبة.

استمرّت الجامعة حتّى احتلال عفرين عام 2018، وتابع طلبتها بعد ذلك تعليمهم في باقي جامعات شمال وشرق سوريا.

يُعيّن الخريجون في المؤسسات

يُعيّن خريجو هذه الجامعات في مؤسسات وهيئات الإدارة الذاتيّة، وخلال العام الدراسي 2022-2023، تخرّج في جامعة روج آفا 798 طالباً وطالبة، ومن جامعة كوباني 510 طلاب وطالبات، ومن جامعة الشرق 10 طلاب وطالبات.

ويتابع عددٌ من الطلبة المتفوقين تعليمهم في الجامعات ذاتها على مستوى الماجستير، وحتّى لو كان عددهم محدوداً، إلّا أنّ بعضهم يدرّس في هذه الجامعات. 

"الغرض هو خدمة المجتمع"

تخرّج إسحاق بكو من قسم الهندسة الزراعية في جامعة روج آفا، ويقوم حالياً بالتدريس في نفس القسم، أوضح أن نظام الجامعة يعتمد على التقييم ويبتعد عن أساليب الحفظ. وأكد أن الطلاب يطورون أنفسهم في جميع المجالات بهذه الطريقة، وقال: "يتم بناء قدرات الطلبة والطالبات على الأسس الصحيحة وبالتالي يفيد المجتمع أيضاً، الهدف الأول هو خدمة المجتمع".

العلاقات مع الجامعات الخارجيّة

تتواصل الجامعات الثلاث مع الجامعات والأكاديميات والمعاهد في باقي الدول، وتُنشئ علاقات معها بهدف التعريف بنظامها وتحقيق الاعتراف بها على الساحة الدوليّة، ولها علاقات وأنشطة مشتركة مع 13 جامعة ومعهداً في أمريكا، إيطاليا، ألمانيا، العراق وجنوب كردستان.

(ر)

ANHA