​​​​​​​في ذكرى الهجوم على كوباني.. حربٌ شاملة ضد شعب المنطقة لا تزال مستمرة- 1

لم تخفت أصوات المعارك في روج آفا ومناطق شمال وشرق سوريا منذ اليوم الأول من انطلاق شرارة الثورة فيها، فقد مرّت المنطقة بمراحل عديدة، أبرزها كانت الهجمات الواسعة التي شنها داعش على مقاطعة كوباني قبل 9 أعوام، والتي كانت حلقة من حرب شاملة لم تنته بعدُ لإنهاء المشروع الوليد في المنطقة.

​​​​​​​في ذكرى الهجوم على كوباني.. حربٌ شاملة ضد شعب المنطقة لا تزال مستمرة- 1
13 يلول 2023   21:40
كوباني - جمعة محمد

في كل خطوة من ثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا التي انطلقت في 19 تموز عام 2012، كانت المعارك حاضرة بقوة، فالجهات المعادية لم يرُق لها ما تحقق للشعب من مكتسبات، لذلك كان السعي للقضاء عليها حاضراً على الدوام.

معركة كوباني التي نتحدث اليوم عن الذكرى السنوية التاسعة لانطلاقها في 15 أيلول عام 2014، كانت إحدى حلقات هذه الحرب المعلنة ضد المنطقة، ولكنها لم تكن الوحيدة.

من الشيخ مقصود إلى سري كانيه ثم كوباني

بداية الهجمات كانت من حي الشيخ مقصود في مدينة حلب. ففي خريف عام 2012 شنّت المجموعات المرتزقة المدفوعة من قبل دولة الاحتلال التركي هجمات على الحي بهدف احتلاله، لكن مقاومة الأهالي أفشلت مساعيها، إلا أن هذه الهجمات على الحي لم تتوقف.

بعد ذلك بأشهر، شنّ مرتزقة جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً)، هجمات على مدينة سري كانيه بهدف احتلالها وإنهاء مكتسبات ثورة 19 تموز فيها، لكن انتفاضة أبناء المدينة الذين لقوا دعماً واسعاً من أبناء روج آفا، أفشلت هذه الهجمات بعد أسابيع من المعارك.

في تلك الأثناء، كانت مواجهات متفرقة تدور في محيط مقاطعة عفرين وكوباني ومقاطعة الجزيرة (حينها)، المرتزقة الذين أطلقوا على أنفسهم مسميات مختلفة منها "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" و"داعش"، كانوا يشنون الهجمات في مختلف الجبهات، لكن جميعها كانت تبوء بالفشل، حتى جمع داعش قواه وشن هجمات كبيرة من ثلاثة محاور على مقاطعة كوباني.

معركة كوباني المصيرية

في 15 أيلول، هاجم داعش قرية تعلك غربي مقاطعة كوباني بالدبابات وترسانة كبيرة من الأسلحة وعدد كبير من المرتزقة، ثم بعد يوم، فتح داعش جميع الجبهات، الجنوبية والشرقية إلى جانب الغربية، وبدأ بالزحف نحو مدينة كوباني.

حينها، كان داعش في ذروة قوته، فقد احتل مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية مع احتلال مساحات واسعة من الأراضي العراقية، كما احتل الرقة وانتزع الفرقة 17 واللواء 93 في ريف الرقة، بعد الاستحواذ على عشرات الدبابات وكميات هائلة من الذخائر.

ساد اعتقاد بأن داعش لا يُهزم، بعدما أعلن ما أسماها بـ "الخلافة الإسلامية في الموصل" في ذات العام، ولم تصمد أي قوة عسكرية في مواجهته ومن بينها الجيش العراقي والسوري، واحتل مساحاتٍ شاسعة بين البلدين قُدّرت بأكثر من 200 كيلو متر مربع، أي ما يقارب مساحة دولة كبريطانيا المتحدة وألغى الحدود بينها.

لكن المعادلة اختلفت في كوباني، فبعد 21 يوماً من بدء الهجوم، وصل داعش إلى أطراف مدينة كوباني بعدما احتل الغالبية العظمى من القرى في محيطها، وبينما ظن جميع من كان يراقب ويشاهد سير الأحداث، أن مدينة كوباني ستلقى المصير ذاته، أوقف المقاتلون المدافعون عن المدينة زحف داعش في شوارع كوباني وبدأوا بخوض حرب الشوارع في مواجهة غير متكافئة.

ففي الخامس من تشرين الأول من عام 2014، بدأ داعش باقتحام أحياء مدينة كوباني بعد الاستيلاء على تلة مشته نور الاستراتيجية، لكن المقاتلين الذين اجتمعوا في مركز المدينة، أعادوا تنظيم صفوفهم وبدأوا بخوض مهمة شبه مستحيلة.

لكن، وما إن ظهرت أولى بوادر المقاومة وبدأ المقاتلون من وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ، إلى جانب تشكيلات عسكرية للجيش الحر الذي شكّل مع الوحدات "غرفة عمليات بركان الفرات"، بدأ العالم يتفاعل مع هذه المقاومة وبرز شعاع أمل في أن تكون مرتكزاً لمواجهة داعش ونقطة تحوّل نحو القضاء عليه.

المقاومة التي أبداها المدافعون عن كوباني دفعت التحالف الدولي لمحاربة داعش لشن غارات جوية على نقاط للمرتزقة في كوباني ومحيطها، لكن الولايات المتحدة الأميركية التي تقود التحالف الدولي قالت على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع آنذاك جون كيربي إن "الضربات الجوية وحدها لن تتمكن من ذلك ولن تنقذ كوباني، يجب أن تكون هناك جيوش قادرة" على هزيمة داعش.

ومع بدء الهجمات، أعلن القائد عبد الله أوجلان النفير العام لحماية كوباني، فانتفضت المدن الكردستانية في أجزاء كردستان الأربعة، وتوجّه الشبان منها نحو مدينة كوباني عابرين للحدود، وحملوا السلاح إلى جانب المدافعين عن المدينة وشاركوا في صد هجمات داعش، وخاصة في مدن باكور (شمال كردستان) التي انتفضت في 7 - 8 تشرين الأول، وطالبت بدعم كوباني ومنع سقوطها بيد داعش.

ويوماً بعد آخر، اكتسبت المقاومة في كوباني زخماً كبيراً، فأعلن الأول من تشرين الثاني، يوماً عالمياً للتضامن مع مقاومة كوباني، وخرجت مسيرات داعمة لها في عشرات المدن حول العالم، وفي تلك الأثناء كان المدافعون عن المدينة يصدون الهجمات الانتحارية والدبابات والسيارات المفخخة لداعش، ويجهزون العدة لشن الهجوم المضاد.

دعم تركي لهجوم داعش

بدءاً من ظهور داعش على الساحتين العراقية والسورية، برز اسم تركيا كأحد الداعمين له مادياً واستخباراتياً، فكان واضحاً أن داعش استفاد بشكل كبير بالتنسيق مع الجانب التركي من الحدود التركية المفتوحة على مصراعيها أمام عبور آلاف الأشخاص القادمين من شتى أصقاع العالم للانضمام إلى صفوف مرتزقة داعش.

كان مطار اسطنبول، ثم مدينة ديلوك (عنتاب) ورُها (شانلي أورفا) شمال كردستان، ومدن جرابلس والراعي وكري سبي/ تل أبيض، طريق القادمين للانضمام إلى داعش، بتسهيل مفتوح من الجيش والاستخبارات التركية.

ففي مدن تركيا القريبة من الحدود التركية، أقام داعش مضافات استقبل فيها القادمين من الخارج للانضمام إلى صفوفه وأرسلهم كمجموعات إلى سوريا ومنها إلى العراق، كما كانت المشافي التركية تستقبل يومياً جرحى داعش لمعالجتهم، كما أن السلطات التركية تاجرت بالنفط مع داعش وهو ما يعتبر مصدر دعم مالي كبير لداعش.

إذ أكد أناتولي أنتونوف وكيل وزارة الدفاع الروسية في الثاني من كانون الأول من العام 2015 ضلوع عائلة الرئيس التركي أردوغان بشكل مباشر في تجارة النفط مع داعش، وقال إنه "حسب المعلومات المتوفرة، فإن أعلى مستوى في القيادة السياسية في البلاد، رجب طيب أردوغان وعائلته، ضالعون في هذه الأعمال التجارية الإجرامية".

وكان هدف داعش يتمثل في احتلال كامل الشريط الحدودي السوري مع تركيا، لذلك هاجم كوباني ولكن خطط المرتزقة اصطدمت بمقاومة كبيرة لتبوء بالفشل.

فبعد 134 يوماً من المعارك المستمرة، نجح المدافعون عن كوباني من تحريرها وطرد المرتزقة منها بشكل كامل وأعلنوا في 26 كانون الثاني عام 2015، تطهير المدينة بشكل كامل، والاتجاه نحو تحرير قراها.

وفي غضون أشهر قليلة، تمكّن المقاتلون من تحرير كل القرى وانتزاع بلدات ومدن اتخذها داعش قواعد له لمهاجمة كوباني، مثل بلدات صرين والشيوخ ومدينة كري سبي/تل أبيض.

(د)

ANHA