باحث سياسي سوري: الإعلان الدستوري يهدد مدنية الدولة ويعيد إنتاج الاستبداد

أكد الدكتور في العلوم السياسية، مالك الحافظ، أن الإعلان الدستوري الصادر من دمشق يعكس رؤية ضيقة للحكم ويُعد إطاراً هشاً لا يمكن البناء عليه، مشيراً إلى أن هذا الإعلان يتطابق من حيث الجوهر مع دساتير حزب البعث، كما أنه يهدد مدنية الدولة وينشئ بيئة قانونية تعيد إنتاج الاستبداد في البلاد.

باحث سياسي سوري: الإعلان الدستوري يهدد مدنية الدولة ويعيد إنتاج الاستبداد
الإثنين 24 آذار, 2025   05:20
مركز الأخبار
يحيى الحبيب

تستمر الانتقادات لدى الأوساط السياسية والاجتماعية السورية للإعلان الدستوري الذي أصدر من قبل دمشق مؤخراً حيث ترى معظم هذه الأوساط أن هذا الإعلان لا يراعي طبيعة سوريا المتعددة والمتنوعة ويقصي أطرافاً ومكونات سورية عديدة، ويؤسس لمرحلة جديدة من الأزمات في البلاد.

يعكس رؤية ضيقة للحكم

الكاتب الصحفي والباحث السياسي السوري والدكتور في العلوم السياسية، مالك الحافظ، تحدث لوكالتنا حول ذلك بالقول: "بكل وضوح ومباشرة، فإن الإعلان الدستوري الصادر عن السلطة الانتقالية في دمشق لم يلبِّ الطموحات الوطنية الصادقة والآمال بمرحلة انتقالية مشرقة تعددية ومواطنية".

وأوضح الحافظ أن هذا الإعلان يأتي في إطار محاولات فرض واقع سياسي جديد بدلاً من بناء إجماع وطني حقيقي حول مستقبل سوريا منوهاً إلى أن "المشكلة الأساسية فيه ليست فقط كونه أُقِرّ بشكل أحادي دون توافق وطني شامل، بل أيضاً لأنه يعكس رؤية ضيقة للحكم، وتحصره في شخص واحد وكأن الإعلان يسميه (القائد الضرورة)، وليتم تكريس سلطات معينة دون تقديم ضمانات حقيقية لحقوق المواطنين وحرياتهم، المواطنة الحقيقية غائبة والديمقراطية غابت صراحة أو تلميحاً". 

وأضاف الحافظ "في هذه المرحلة الحساسة، كان يفترض أن يكون الإعلان الدستوري وثيقة توافقية تمثل كل أطياف المجتمع السوري، وليس مجرد نص يكرس واقع السلطة الانتقالية الحالية، وكأنه دستور مصغر لخدمة "القائد الضرورة" - "الرئيس الرمز". ما نتج عن عدة مواد في الإعلان من الطبيعي أن تزيد من الانقسامات بدلاً من أن تكون خطوة نحو الاستقرار السياسي".

إطاراً هشاً

وأشار الحافظ إلى إن "الإعلان الدستوري ليس دستورًا متكاملًا بأي شكل من الأشكال، بل هو نص قانوني مؤقت، يُفترض أن ينظم المرحلة الانتقالية، لكنه عملياً ووفق ما صدر عن دمشق يبدو وكأنه محاولة لصياغة دستور مؤقت أمر واقع، دون المرور بالآليات الديمقراطية الطبيعية التي يتطلبها وضع دستور دائم".

وأكد بأن "الدساتير عادة ما تكون نتاج حوار وطني عميق، وعملية سياسية شاملة، تشمل استفتاءً شعبياً ونقاشات موسعة في الأوساط السياسية والقانونية. أما هذا الإعلان، فقد جاء بقرار أحادي من السلطة الانتقالية، لكنه لم يكتفِ أن يكون إعلانا دستوريا يسيّر المرحلة، بل منح الحاكم الذي عيّن اللجنة وعيّن مجلس الأمن القومي، وسيعيّن الوزراء ويرأسهم، ويعيّن الثلث المعطل من مجلس الشعب ويمدد له إلى ما لانهاية، ولا أحد يحاسبه أو يسائله، دون حتى أن يكون هناك توافق سياسي عليه، مما يجعله إطاراً هشاً لا يمكن أن يشكّل أساساً مستداماً لمرحلة انتقالية تطمح فعلياً للانتقال نحو دولة متطورة ومستقرة وموحدة".

إعلان دمشق الدستوري ودساتير حزب البعث.. اختلاف شكلي وتطابق في الجوهر

وحول نقاط الفرق البارزة بين هذا الإعلان الدستوري ودساتير حزب البعث السابقة، أشار الحافظ إلى أنه "من الناحية الشكلية، يبدو الإعلان الدستوري مختلفاً عن دساتير حزب البعث السابقة، لكنه في الجوهر يعيد إنتاج الأسلوب السلطوي نفسه في إدارة الدولة، مع تغيير الأدوات والأيديولوجيا المهيمنة".

لكنه رأى أن "هناك بعض الفروق البارزة مثل غياب اللغة القومية المتشددة، رغم إقحام العربية في مسمى الدولة (وهذا مثلاً منوط به أن يكون في الدستور الدائم هو وشكل النظام السياسي في الدولة أيضاً) التي كانت تُستخدم في دساتير البعث، حيث لم يعد هناك تركيز على الفكر القومي العربي كإيديولوجيا حصرية للدولة، لكن تم استبدال مفهوم "الاشتراكية" بخطاب ديني-سياسي يربط بين الشرعية الدستورية والمفاهيم الدينية، مما قد يمهد لتحولات أكثر راديكالية في شكل الحكم".

تهديد لمدنية الدولة

وحول إمكانية أن يؤدي هذا الدستور إلى إنهاء الدولة المدنية في سوريا وأسلمة البلاد، رأى الحافظ أن "الإعلان الدستوري يتضمن إشارات واضحة إلى منح الدين دوراً أساسياً في التشريع والحكم، وهو ما يتعارض مع فكرة الدولة المدنية التي تقوم على فصل الدين عن السياسة، (الإعلان الدستوري ذكر صراحة أن الفقه الإسلامي هو المصدر التشريعي الرئيس للدولة) وتضمن حقوق المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية. إدخال الدين في الدستور بهذه الطريقة يعني فتح الباب أمام تفسير قانوني ديني قد يقوّض حقوق الأفراد، خاصة الأقليات والمرأة".

وأضاف "هناك أيضاً عدم ذكر الديمقراطية بشكل واضح في الإعلان، وهو يعكس رغبة في تجنب التزامات دستورية تُجبر السلطة على تبنّي ممارسات ديمقراطية فعلية، الديمقراطية تعني تعدد الأحزاب، حرية الصحافة، استقلال القضاء، انتخابات نزيهة، وتداول السلطة، وهذه كلها مبادئ يبدو أن القوى المهيمنة على السلطة الانتقالية لا تريد أن تلتزم بها، وبدلاً من ذلك، نجد أن الخطاب المستخدم في الإعلان يركز على مفاهيم عامة مثل الشورى أو الحوكمة وفق مبادئ غير محددة، مما يسمح بتأويلات واسعة تخدم سلطة معينة على حساب مبدأ المشاركة الشعبية الحقيقية".

بيئة قانونية تعيد إنتاج الاستبداد

الحافظ تحدث عن إمكانية أن يؤسس هذا الإعلان الدستوري لحالة استبدادية جديدة في سوريا، وقال إنه "مثل دساتير الأنظمة السلطوية، يمنح الإعلان الدستوري السلطة الانتقالية هيمنة شبه مطلقة على القرار السياسي، دون وجود ضمانات دستورية لرقابة شعبية أو قانونية فعالة على الإطلاق".

 وأوضح: "كذلك لم يتضمن الإعلان أي التزام صريح بآلية محددة لإنهاء المرحلة الانتقالية، أو تحديد إطار زمني واضح لها، مما يفتح الباب أمام استمرار الحكم المؤقت إلى أجل غير مسمى، كما حدث في تجارب سابقة لدول أخرى مرت بمراحل انتقالية غير ناجحة".

وتابع "كذلك لم يكن هناك مشاركة حقيقية من مختلف القوى السياسية السورية في صياغة الإعلان، ما يعني أن من وضعه يهدف إلى ترسيخ سلطته الخاصة، لا إلى بناء دولة قائمة على التعددية والتوافق الوطني، مثل مجلس حكماء موسع، أو هيئة حكم انتقالية تمارس دوراً رقابياً وتشارك في السلطة التنفيذية، واستشارياً وتنفيذياً بمستويات محددة، وهذا دور اللجنة التي كان منوطاً بها كتابة إعلان دستوري للسوريين ولمستقبل سوريا".

واختتم الحافظ حديثه بالقول: "تتجلى مخاطر هذا الإعلان الدستوري، بما يلي: تقنين حكم الأمر الواقع بدلاً من بناء دولة حديثة، وإضفاء شرعية زائفة على سلطة انتقالية غير منتخبة، وكذلك خلق بيئة قانونية تُعيد إنتاج الاستبداد بمسميات جديدة، وإلغاء مبدأ المواطنة المتساوية لصالح هوية دينية أو فئوية".

(آ)