" محال بلوغ العشق دون التوصلِ إلى الحقيقة المجتمعية"

يشدد القائد عبد الله أوجلان خلال تقييمه لقضية المرأة والأسرة وثورة المرأة في الشرق الأوسط، إلى ضرورة تَبديد سحاباتِ الضبابِ التي أحاطَ المرأة بيد الإنسان، وعدّها من أولى المهام الاجتماعيةِ العاجلة لتحقيق حياة ثمينة ومشرفة مع المرأة، وأي تعاطٍ آخر عدّه "خيانة للعشق وخدمة للعبودية".

" محال بلوغ العشق دون التوصلِ إلى الحقيقة المجتمعية"
19 آب 2024   02:20
مركز الأخبار

قيّم القائد عبد الله أوجلان في المجلد الرابع لـ "مانيفستو الحضارة الديمقراطية" والمعنون بـ (أزمة المدنية وحل الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط) ما يجري في الشرق الأوسط، وأولى أهمية كبيرة لقضية المرأة ضمنها، حيث جاء في الفصل السادس (قضية المرأة والسلالة والأسرة والسكان، وثورة المرأة في الشرق الأوسط) ما يلي:

"واحَيفَتاه على المرأةِ التي تحوَّلت في يومِنا إلى أَرخَصِ السلعِ في الشرقِ الأوسط، بعدَما تَمَكَّنَت من خلالِ هويتِها المجتمعيةِ الرائعةِ من أنْ تَجعلَ نفسَها خليقةً بدورِ الإلهةِ الأمِّ في فجرِ التاريخ. نحن نفتقرُ لإمكانيةِ الشرحِ اللازمِ لتاريخِها هذا، الذي ينبغي أنْ يَكُونَ قصتَها المأساويةَ القائمةَ بذاتِها. لكننا نستطيعُ انتقادَ نتائجِه. ذلك أنّ كشفَ النقابِ عن حقيقةِ المرأة، وتَبديدَ سحاباتِ الضبابِ التي أحاطَتها بها يدُ الإنسان، هو من أُولى المهامِّ الاجتماعيةِ العاجلة.

عليَّ التبيانُ بمنتهى الصراحةِ أني أَجِدُ تحليلاتِ الجنسويةِ الاجتماعيةِ وضعية، ولا أعتَقِدُ بإمكانيةِ تحليلِنا للمرأةِ بالمقارباتِ الموضوعانيةِ الفظة. خاصةً وأننا نَجهَلُ رموزِ العبوديةِ المُرَسَّخةِ في المرأة. إني على قناعةٍ بأنّه ثمة تَدَنُّسٌ وانغماسٌ زائدٌ في عقليةِ القضيبِ – المهبَل، وأنّ هذه العقليةَ تَشلُّ مهاراتِ الإنسانِ الأخرى. والأمرُ اللافتُ للنظرِ في هذا السياق، هو أنّ ظاهرةَ الجِماعِ التي تتميزُ بوظيفةٍ قَيِّمةٍ وبفترةٍ بَيِّنةٍ وشكلٍ محدودٍ في عالَمِ النباتِ والحيوانِ أجمع، قد اتَّخَذَت لدى النوعِ البشريِّ حالةً هيوليةً لا حدود لها ولا ملامح ولا توقيت زمنيّ، وتتفسخُ فيها معالِمُ وظيفتِها إلى أقصاها. ومن المؤكَّدِ أنّ هذا دليلُ رعونةٍ وتَفَسُّخٍ اجتماعيِّ المنبع. أو بالأحرى، بالمقدورِ التبيان أنّها حالةٌ تَطَوَّرَت تزامُناً مع ولادةِ وتعميمِ القضيةِ الاجتماعية (القمع والاستغلال). من هنا، فالقدرةُ على تحديدِ كونِ قضيةِ المرأةِ من جميعِ مناحيها هي قضيةُ المجتمعِ الأوليةُ النابعةُ من تفكيكِ للمجتمعِ الأموميّ، إنما هي ضروريةٌ لصياغةِ تعريفٍ سليم.

بالإمكانِ رصد أنانيةِ الرجلِ وتَعَسُّفِه الجائرِ في موضوعِ المرأةِ كظاهرةٍ بَيِّنةٍ يومياً على مدارِ الساعة. كما أنّ قدرةَ الرجلِ من جميعِ الشرائحِ والطبقاتِ الاجتماعيةِ على قتلِ المرأة دونَ أنْ تَرِفَّ له عَينٌ أو يَأبَهَ بأيِّ ضابطٍ أخلاقيٍّ أو قاعدةٍ حقوقيّة؛ إنما هي واقعٌ يستحيلُ على كلِّ مَن له ضميرٌ أنْ يَغضَّ الطَّرْفَ عنه. وغالباً ما تُسلَكُ هذه المواقفُ الوحشيةُ باسمِ العشق. عِلماً أنه لدى تفسيرِ علاقةِ العشقِ بالحقيقةِ قليلاً أم كثيراً، فسيُدرَكُ فوراً أنّ هذا القولَ من أشدِّ أنواعِ الرياءِ انحطاطاً وسفالة. إذ ما من ذاتٍ فاعلةٍ تَكُونُ موضوعَ عشقٍ تَنعَكِفُ على العشقِ بممارسةٍ كهذه، لا في عالَمِ النباتِ ولا الحيوان، ولا حتى في العالَمِ الفيزيائيِّ الذي نُفَسِّرُه على أنه "جامد". إذن، واضحٌ جلياً أنّ دوافعَ ومعاني هكذا جناياتٍ ملحوظةٍ لدى النوعِ البشريِّ مختلفةٌ للغاية، حتى لو لوحِظَت بعضُ حالاتِ الشذوذِ التي لا يَزالُ العجزُ سائداً في تحليلِ معناها ضمن تلك العوالِمِ المذكورة. أما عُرى هذه الجناياتِ وأواصرُها مع الحاكميةِ والاستغلال، فتتصدرُ الأمورَ التي ينبغي الإشارة إليها قبلَ كلِّ شيء.

السؤالُ الأساسيُّ الواجب طرحه في هذا المضمارِ هو: لماذا يصبحُ الرجلُ حَسوداً ومتحكِّماً وجانياً لهذه الدرجةِ بشأنِ المرأة، ولِمَ لا يتخلى عن العيشِ في وضعِ المغتَصِبِ لها والمعتدي عليها على مدارِ الساعةِ في اليوم؟ ما من ريبٍ في أنّ الاغتصاب والتَّحَكُّمَ مصطلحان مرتبطان بالاستغلالِ الاجتماعيّ. فهما يُعَبِّران عن الماهيةِ الاجتماعيةِ للمُجريات، وغالباً ما يُذَكِّران بالهرميةِ والبطرياركيّةِ والسلطة. أما معناهما الآخرُ الكامنُ في الأعماق، فهو تعبيرُه عن خيانةِ الحياة. لكنّ تَشَبُّثَ المرأةِ بالحياةِ من نواحي عديدة، بمقدورِه الكشف عن الموقفِ الجنسويِّ الاجتماعيِّ للرجل. فالجنسويةُ الاجتماعيةُ تُعَبِّرُ عن فناءِ غِنى الحياةِ تحت نِيرِ الجنسويةِ الاستهلاكية التي تتسببُ بالشلل، وما يتولدُ عنه من حقدٍ واغتصابٍ وموقفٍ تَحَكُّمِيّ. علاقةُ غريزةِ الجنسِ باستمرارِ الحياةِ واضحة. ولكن، يستحيلُ رصد أيِّ كائنٍ حيٍّ يتميزُ بعَقليةٍ تَغُوصُ في الشبقيةِ الجنسية على مدارِ الساعة. كما ومن الواضحِ جلياً أنّ الحياةَ ليست عبارة عن ممارسةِ الجنسِ وحسب. بل، وعلى النقيض، بالإمكان القول أنّ الاتصالَ الجنسيَّ ضربٌ من لحظاتِ الموت، أو بالأحرى، أنه حملةٌ فانيةٌ للحياةِ تجاه الموت. بناءً عليه، فمزيدٌ من الممارسةِ الجنسية، يعني أيضاً فقدانَ الحياةِ بالمِثل.

لا أشيرُ إلى أنّ العمليةَ الجنسيةَ مُميتةٌ وفانيةٌ كلياً. بل وتَحمِلُ بين أحشائِها هدفَ خلودِ الحياة. لكنّ هذا الهدفَ ليس الحياةَ بالتحديد. بل بالعكس، هو تدبيرٌ حيال الخوفِ من الموت. وهذا ما يُمكِنُ القول إنه لا يَحمِلُ قيمةَ الحقيقةِ كثيراً. بالإمكان إيضاح هذا القول كالتالي: هل تكرارُ دوامةِ الحياةِ هو المهم، أم الدوامةُ بحَدِّ ذاتِها منفردة؟ فبَعدما يُعَبَّرُ تماماً عن حقيقةِ المنفردِ بذاتِه، فإنّ تَكرارَ الدوامةِ إلى مالا نهاية لا يَحتوي معاني كثيرة. والمعنى الذي سيَحتَويه، هو الحاجةُ إلى بلوغِ "المعرفةِ المطلقة". وفي هذه الحال، فبمقدارِ ما تُدرِكُ الدوامةُ نفسَها جيداً، سيَكُونُ قد تمَّت تلبيةُ احتياجِ المعرفةِ المطلقةِ بنفسِ القدر. وهذا ما مفادُه أنه لا تبقى هناك قيمةٌ أو معنى ملحوظٌ للدوامات، وبالتالي للتكاثُرِ الجنسيّ.

النتيجةُ التي يُمكِنُ استخلاصها من هذه التقييماتِ المقتَضَبة، هي أنّ المرأةَ تَخضَعُ لقمعٍ واستغلالٍ اجتماعيَّين مؤسّساتِيَّين ومُمَنهَجَين منذ العصرِ الأبويّ. فعبوديةُ المرأةِ مُعَقَّدةٌ وبُنيَويةٌ لدرجةٍ يستحيلُ مقارنتها بأيِّ شكلٍ آخر من أشكالِ العبودية. وأسواقُ بيعِ العبيدِ من النساء، ومؤسساتُ الجواري والحَرَمِ القائمةُ ضمن سياقِ تاريخِ المدنية، قد تَعكِسُ الظاهرةَ نسبياً. لكنّ ممارساتِ الحداثةِ الرأسماليةِ في تطبيقِ الاستعبادِ على المرأة، قد تكاثرت بما لا يُمكِنُ حسابه. إذ ما من مدنيةٍ تلاعَبَت على المرأةِ ومَأسَسَت استغلالَها لهذه الدرجة، بقدرِ ما هي الرأسمالية. حيث استُغِلَّت الظاهرةُ إلى درجةٍ باتت نسبةٌ ساحقةٌ من النساءِ فيها يَعكِسن الممارساتِ التي تُسقِطُهنّ إلى أكثرِ الأوضاعِ انحطاطاً وسفالةً على أنها الخصائصُ الأساسيةُ لهويةِ المرأة. بل وحتى إنهن تَقَبَّلن أنْ يَكُنَّ جزءاً من الألاعيبِ الملعوبةِ عليهن، وبِتنَ في حالةٍ مُستَولى عليهنّ فيها إلى درجةٍ لا يَرَين مانعاً من لعبِ هذه الألاعيبِ بذاتِهن. إننا لا نتحدثُ فقط عن القمعِ والاستغلالِ الظاهراتيّ. فالمرأةُ لا تتوانى عن عرضِ نفسِها طوعيّاً لعبوديةٍ مُستَساغةٍ في جميع خلايا الحياةِ صوتاً ولوناً وبَدَناً وذهناً. إنها غيرُ منتَبِهةٍ حتى إلى انقطاعِ أواصرِها مع تلك الحقيقةِ المجتمعية، وأنها صُيِّرَت مجردَ حياةٍ يتمُّ التلاعُبُ بها على خشبةِ المسرح. أو بالأصحّ، إنها عاجزةٌ عن العثورِ على إمكانيةِ إدراكِ هذه الحقيقة. لذا، وللتمكُّنِ من الحظي بكرامةِ الحياةِ وعِزَّتِها وحقيقتِها، فإنّ تبديدَ الضبابِ الملتفِّ حول المرأةِ لا يَبرَحُ محافظاً على أهميتِه بكلِّ حِدَّتِها.

إلى جانبِ حقيقةِ استحالةِ الحياةِ من دون المرأة، فاستحالةُ مشاطَرةِ حياةٍ مُشَرِّفةٍ وثمينةٍ مع امرأةٍ حُطَّ شأنُها إلى هذه الدرجةِ أيضاً حقيقةٌ جليةٌ تماماً. من هنا، فالسبيلُ الصحيحُ لخَلاصِ الحياةِ وتَحَرُّرِها، هو التحلي بالتحليلِ والممارسةِ بالإدراكِ والإحساسِ بأنّ الحياةَ القائمةَ مع المرأةِ حالياً هي نمطٌ يغوصُ فيه الكلُّ حتى الحَلقِ في العبوديةِ حتى الحضيض. ينبغي عدم النسيان بتاتاً أنّ الحياةَ الثمينةَ والمُشَرِّفةَ مع المرأة، تَقتضي الحِكمةَ والسموَّ العظيمَين. كما وعلى المتطلعين إلى العشقِ أنْ يَتَذَكَّروا كلَّ لحظة، أنّ السبيلَ إلى تحقيقِه يَمُرُّ من هذه الحكمةِ وذاك السموّ. وأيُّ تعاطٍ آخر هو خيانةٌ للعشقِ وخدمةٌ للعبودية. أي، محالٌ بلوغُ العشقِ دون التوصلِ إلى الحقيقةِ المجتمعية".

ANHA