درعا تعود إلى الواجهة من جديد... هل من تحوّلٍ أو تغيير؟_ هيفيدار خالد

درعا تعود إلى الواجهة من جديد... هل من تحوّلٍ أو تغيير؟_ هيفيدار خالد
24 آذار 2024   04:32

تشهد مدينة درعا جنوبي سوريا منذ أيّامٍ موجة احتجاجاتٍ شعبية عارمة تطالب برحيل بشار الأسد، على الرغم من أن هذه المحافظة تحسب منذ سنواتٍ ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق، بعد أن خضعت لما تسمّى بالتسويات التي تقودها روسيا في البلاد منذ عام 2018 خدمةً لأجنداتها الخاصّة، وتوسيعاً لدائرة نفوذ الحكومة واستعادة هيبتها التي فقدتها مع بدء الأزمة في البلاد، ومنذ ذلك التاريخ تعيش المحافظة على وقع أزماتٍ متتالية، من انعدامٍ للأمن وانتشارٍ لحالات القتل والخطف والسرقة، فضلاً عن فوضى السلاح التي فرضتها سنوات الحرب المتواصلة.

لم تهدأ درعا إثر تلك التسويات ولم تشهد أيَّ استقرارٍ البتة، بل على العكس تماماً، زادت عمليات الاقتحامات والمداهمات من قبل قوات الحكومة حكومة دمشق ضد المدنيين وممتلكاتهم ومنازلهم. كما شهدت تنفيذ سلسلة حوادثَ وجرائمَ واغتيالاتٍ، طالت عسكريين من الطرفين أي من حكومة دمشق وما تسمّى المعارضة، إضافةً لمدنيين وناشطين وإعلاميين، وقد حمّل الكثيرون الفيلق الخامس الممثّل الرئيس للحكومة مسؤولية تلك الممارسات والأعمال الإجرامية، مشيرين إلى أنه طالما عمل على إثارة الفتنة بين مكونات الجنوب السوري. وهو من يقف وراء انتشار تجارة المخدرات والسلاح.

حكومة دمشق بعد سيطرتها على المدينة ومحاولاتها إحكام قبضتها الأمنية على السكان المحليين فيها بشكلٍ كامل، زرعت الخوف والرعب والترهيب في المنطقة. إلا أن ذلك لم يقف عائقاً أمام الأهالي للخروج في مظاهراتٍ عارمة ووقفات احتجاجية تطالب برحيل رموز السلطة عن مدينتهم ووضع حدٍّ لكافة مخططاتها وألاعيبها، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وإيقاف ما تسمّى بالحملات الأمنية؛ لأنّ الأجهزة الأمنية مفكّكةٌ أساساً وغير قادرةٍ على ضبط نفسها لتضبط الأمور هناك، إذا صح التعبير.

وأفاد ناشطون وإعلاميون من المحافظة لوسائل إعلامٍ دولية، أنه لم يخرج من درعا، أي خبرٍ أو حتى صورةٍ للأهالي الموجودين فيها، جراء التعتيم الإعلامي الممنهج حول ما يجري هناك من قبل جهات تابعة لحكومة دمشق، ولم تقم فيها أيُّ مشروعاتٍ تصبّ في إطار "إعادة الإعمار"، سوى تلك البسيطة التي تنفذها برامج الأمم المتحدة الإنمائية.

نعم لم تقمِ المؤسّسات التابعة لحكومة دمشق بتقديم الخدمات الأساسية لسكان درعا أو بناء البنية التحتية وإعادة الإعمار، وحتى على مستوى فرض الأمن عميت وتغافلت، وصمّت الآذان؛ إذ ترى الحكومة الراهنة نفسها غيرَ معنيةٍ بأي شيءٍ من هذا القبيل، إلى جانب غياب الإمكانات اللازمة لتقديم خدماتٍ لمناطق "التسويات" من ماءٍ وطرقٍ وكهرباء. كما أنه كشف كل ذلك مرة أخرى للجميع بأن ما تسمى بالتسويات التي هي صناعة روسية بامتياز، لم تجلب حلاً حقيقياً لمعاناة السوريين.

نعم عادت درعا إلى واجهة الأحداث من جديد وذلك بعد 13 سنة من بدء الحَراك الشعبي فيها ضد سياسات الحكومة، وخاصّة في الجنوب حيث مارست القمع بكافة أشكاله، لذلك بات الشعب في درعا يصرّ على أن تلحق درعا بالسويداء في المظاهرات والاحتجاجات الراهنة حتى الوصول إلى آليةٍ ملموسةٍ لتحقيق أهدافها وإيجاد حلٍّ جذريٍّ للمعضلة السورية، وتقديم نتائج مرضية للشعب السوري، وسلوك طريقٍ جديدٍ نحو توحيد الصفوف ورصّها والنضال من أجل الوصول إلى مسار حلٍّ يمرّ عبر حوارٍ سوريٍّ ـ سوري، ودون ذلك لن يستطيع الشعب تحقيق أهدافه التي خرج من أجلها ونادى بها وقدّم تضحياتٍ عظيمةً من أجل التحوّل والتغيير والانتقال إلى سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية، على غرار النهج القائم في شمال وشرق سوريا، الذي يتكون من نموذج الإدارة الذاتية، والتي تضم جميع مكونات المنطقة، التي ارتأت في هذا النموذج المخرج الوحيد الذي يمكن أن ينهي الأزمة المستمرة في البلاد منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً.