سياسي سوري: ثورة 19 تموز وضعت قطار الحركة الجماهيرية على سكته الصحيحة

سياسي سوري: ثورة 19 تموز وضعت قطار الحركة الجماهيرية على سكته الصحيحة
26 تموز 2022   00:23

وصف الكاتب والسياسي السوري، محمد عيسى، ثورة 19 تموز بالمولود الجديد، وأن تجربة الإدارة الذاتية المستلهمة مبادئها من الفلسفة الأوجلانية أحدثت ضجة حقيقية، ودخلت أذهان الشعوب كفكرة واقعية تزداد الثقة بها يوماً بعد يوم.

دخلت ثورة 19 تموز عقدها الثاني، بعد أن حققت إنجازات مهمة على مختلف الصعد، السياسية والعسكرية والدبلوماسية والتعليمية، والأهم أنها وحدت صفوف المكونات تحت سقف الإدارة الذاتية. وقضت جغرافياً على داعش الذي أرهب العالم برمته. ووصفها الكاتب والسياسي السوري محمد عيسى بالمولود الجديد الذي استطاع وضع قطار الحركة الجماهيرية على سكته الصحيحة.

حديث محمد عيسى جاء في حوار مع وكالتنا، حول عقد من عمر ثورة 19 تموز، حيث قال: "إن تجربة الإدارة الذاتية مشروع قابل للتعميم على كل البلاد ضمن إطار سوريا واحدة ديمقراطية وﻻ مركزية، أسوة بما هو حاصل في الدول المتطورة التي جابهت معضلات مشابهة".

وفيما يلي نص الحوار:

* في 19 تموز، دخلت ثورة شمال وشرق سوريا عامها العاشر، هذه الثورة التي انطلقت على أسس ومبادئ الأمة الديمقراطية وحافظت على النسيج السوري ووحدة صفوف المكونات في شمال وشرق سوريا، وتصدت لأعتى أنواع الإرهاب في العالم والمتمثل بمرتزقة داعش، كيف تقيّمون هذه الثورة في عامها العاشر؟

في الواقع، وكما هو حاصل في كل ثورات الشعوب، وضع الحراك الشعبي بعد 19 تموز 2012 مولوداً جديداً، كان ينمو جنيناً في رحم الحركة النضالية لفئات وقطاعات عديدة من مكونات الشعب السوري؛ مولود استطاع أن يضع قطار الحركة الجماهيرية على سكته الصحيحة، وأن يعطي لحركة الجماهير زخماً ثورياً حقيقياً عن طريق تبني رؤية سياسية واضحة، رؤية ديمقراطية ثورية بعيدة عن اللغط والفوضى والتلطيف والعنف الذي تميزت به حركة الشارع بعد آذار 2011، ليكبر المولود بعد ذلك ويطور صيغة تحالف قوى سياسية وشعبية تألفت تحت مسمى مجلس سوريا الديمقراطية.

ويقود بدوره، قوات عسكرية لا يستهان بها، من مكونات سكان شمال وشرق سوريا من الكرد والعرب والسريان والآشوريين والتركمان وسائر الأعراق، سميت بقوات سوريا الديمقراطية؛ نجحت هذه القوة في بسط نفوذها وإقامة نموذج لإدارة مناطقها على مبداً حق الجميع في المشاركة، وعلى قدم المساواة في الحياة السياسية وفي الحصول على حقوق متساوية من موارد البلاد. بالإضافة إلى تقديم نموذج غير مسبوق لمشاركة المرأة، كل ذلك ضمن إطار رؤية متكاملة لمشروع الوطن الواحد المتمثل في سوريا واحدة ديمقراطية لا مركزية.

وفي الذكرى العاشرة لانطلاقتها ووفق أي مقاربة موضوعية؛ يسجّل في حسابها رزمة من الإنجازات، ﻻ يمكن غض الطرف عن حجمها وأهميتها، ويقع في رأس تلك الإنجازات الانتصار التاريخي على داعش كأكبر تهديد إرهابي عرفته العقود الأخيرة للسلم الأهلي والاستقرار على مستوى المنطقة والعالم، يضاف إلى ذلك خطى متسارعة لتعميق القيم الديمقراطية وقيم العدالة الاجتماعية وسيادة القانون نحو تكريس حق المواطنة للجميع.

* برأيكم، كيف استطاعت ثورة 19 تموز تغيير العقلية السائدة في الشرق الأوسط، حيث إن دول الشرق الأوسط تعتمد على مفهوم المركزية. أما الإدارة الذاتية فتعتمد على اللا مركزية؟

إن نضال الجماهير بعد 19 تموز لم يكسر المفهوم السائد للدولة القومية والعقائدية، إنما استطاعت تأسيس مفهوم جديد يتمتع بفرص الحياة والانتصار حول فكرة الدولة الديمقراطية، لم يكن معروفاً من قبل.

ففي تجربة الإدارة الذاتية القائمة على مبداً المشاركة الحرة وأخوة الشعوب تظهر على السطح مستوى الرأي العام، وعلى صعيد الثقافة والفلسفة السياسية هي مدرسة جديدة لتنظيم حياة الشعوب والمجتمعات، مدرسة تهتم بحياة البشر وحقوقهم والارتقاء بقيمهم وفرصهم بالحياة وليس بفرض العقائد عليهم، والتغني بأمجادهم على حساب بعضهم البعض؛ فهي بالمجمل تسعى إلى النجاح، في الوقت الذي فشل فيه نموذج الدولة القومية والعقائدية في تقديم أي حل لمشاكل الشعوب، هذا غير الفقر والجوع والحروب الأهلية والتخلف. وتسعى تجربة الإدارة الذاتية إلى سوق الأمور إلى طريق مختلف.

* برأيكم ما هو التأثير الذي أحدثته الإدارة الذاتية إلى الآن، وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه من الآن فصاعداً؟

إن تجربة الإدارة الذاتية القائمة على المبدأ السامي في أخوة الشعوب الحرة، المستلهمة لمبادئها من الفلسفة الأوجلانية، أحدثت ضجة حقيقية، ودخلت إلى أذهان الشعوب كفكرة واقعية تزداد الثقة بها يوماً بعد يوم، وإن انشغال أنظمة الاستبداد في المنطقة بالتآمر عليها سيزيد من ترسيخها مع الزمن في أذهان المثقفين والحالمين بالانعتاق والكرامة.

* يسعى أبناء شمال وشرق سوريا وعبر مشروعهم الديمقراطي إلى دمقرطة سوريا، إلا أن حكومة دمشق وإلى الآن ترفض فتح حوار بنّاء مع الإدارة الذاتية، برأيكم ما السبب وما المطلوب من الحكومة السورية والإدارة الذاتية الآن؟

إن أي إضاءة على آفاق التفاهم والاتفاق بين النظام والإدارة الذاتية، لابد لها أن تؤدي إلى حقيقة واحدة مفادها غياب أي نتائج أو إنجازات على هذا الطريق؛ فالنظام يرمز للقديم المتشبث بذاته وخصائصه الشمولية وعقيدته القومية ونزعاته الاستبدادية، والإدارة الذاتية الديمقراطية تعتمد رؤية وفلسفة سياسية مناقضة لبناء الدولة وطرق إدارتها، وبالتالي لا مجال لمنطقة وسط بين المفهومين، فأي فتحة جدية في جدار الاستبداد ونموذج دولة السيطرة الشاملة ستؤدي إلى الانهيار كما تنهار السدود عندما تنشأ ثغرة في ساترتها. من هنا ﻻ يبدو أن هناك أفق جدي لهكذا بحث أو تفاوض، وستبقى المسالة في ذمة الديالكتيك لحسمها، فديالكتيك التطور هو من سيقدم حسماً لهذه المسالة؛ وإذا كان الأمر قد دخل أو سيدخل في مهام التاريخ، فهو وحده من سيقدم الإجابة.

أما بالنسبة لحماية حدود البلاد، فهناك فرصة للتفاهم أو نقاط تقاطع حول سلامة حدود البلاد ومنع العدوان على أراضي الدولة، فهده قضية يمكن التوافق حولها وتستوجب موقفاً موحداً حولها من جميع الأطراف والمكونات.

* تشهد سوريا أزمة حقيقية؛ نتيجة تعنّت حكومة دمشق في العقلية الأحادية كما ذكرتم أنتم أيضاً، مما حوّل سوريا إلى ساحة لتصفيات الحسابات الدولية، وفتح المجال أمام تركيا لاحتلال أجزاء منها، وهناك دراسات تؤكد أن مشروع الإدارة الذاتية كفيل بحل كافة المشاكل العالقة في سوريا، كيف تقرؤون هذه التقييمات؟

طبعاً طبيعة النظام الشمولية المتكلسة حول ذاتها القومية والاستبدادية الضيقة أنتج كل هذا الخراب ووضع البلاد أمام حالة الضعف والاستباحة من قبل الدول والأطراف الطامحة بموارد ومقدرات البلاد، ولكي تخرج البلاد من حالة التدهور والأزمة من الطبيعي هي بحاجة إلى بناء جديد مؤسس على عقد اجتماعي جديد، يضمنه دستور عصري، يضمن حماية البلاد من مسببات الصراع، ولا أعتقد بأن هناك صيغة ملائمة تمشي على هذا الطريق أنجح من تجربة الإدارة الذاتية كمشروع قابل للتعميم على كل البلاد ضمن إطار سوريا واحدة ديمقراطية وﻻ مركزية، أسوة بما هو حاصل في الدول المتطورة التي جابهت معضلات مشابهة.

* هناك هجمات إعلامية وعسكرية واقتصادية، وبشكل خاص من الجانب التركي ضد الإدارة الذاتية، برأيكم ما السبب؟

تركيا الإسلاموية القومجية العصملية هي أكثر من تستشعر القلق من هذا المولود الديمقراطي الناشئ على تخومها، لأنها تمثل النموذج الأكثر تخلفاً واحتقاراً لحقوق المكونات التي تشكلها، وبالتالي الذي فيه شوكة ستبقى تنخزه.

(ل م)

ANHA