​​​​​​​سكرتير الرابطة الدولية لجيولوجيا المياه: تركيا تضع سوريا والعراق على شفا كارثة إنسانية

​​​​​​​سكرتير الرابطة الدولية لجيولوجيا المياه: تركيا تضع سوريا والعراق على شفا كارثة إنسانية
21 حزيران 2022   01:42

أوضح خبير الإستراتيجيات والسياسات المائية، رمضان حمزة، أن سوريا والعراق سيواجهان جفافاً غير طبيعي؛ بسبب إحكام تركيا سيطرتها على تدفقات نهر الفرات بالكامل، واستخدام النهر كسلاح صامت.
وتحبس دولة الاحتلال التركي، منذ 16 شهراً، مياه نهر الفرات عن الأراضي السورية؛ ما ينذر كارثة تهدد الملايين من سكان سوريا والعراق.

وبهذا الصدد أجرت وكالتنا حواراً مع رمضان حمزة، خبير الإستراتيجيات والسياسات المائية وسكرتير الرابطة الدولية لجيولوجيا المياه للحديث عن مخاطر ممارسات الدولة التركية التي تطال المياه في المنطقة، لا سيما المياه العابرة للحدود.

واعتبر رمضان حمزة أن نهر الفرات هو عصب الحياة لكل من سوريا والعراق، وهو مهدد حالياً بالشحّ والندرة، ما قد ينتج كوارث مزدوجة بيئية وإنسانية؛ في  ظل الظروف السياسية غير المستقرة في البلدين والتي حرّم البلدين من تحديث أنظمة الري والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لغرض تقنين استخدامات المياه، وأشار إلى أن فرض تركيا هيمنتها على النهر جاء لضعف الإرادة السياسية لدمشق وبغداد، وأن جميع المشاريع التركية ضمن مشروع "الكاب" تتعارض مع أحكام قوانين مياه الأنهار الدولية والبروتوكولات الخاصة بالتعامل مع الحصص المائية للأنهار الدولية المشتركة بين الدول.

فيما يلي نص الحوار:

*ما الأهمية التي يشكلها نهر الفرات بالنسبة لسوريا والعراق؟

تكمن أهمية نهر الفرات لسوريا والعراق في أنه عصب الحياة لكل منهما. حيث كان سكان أراضي السهول الفيضية وخاصة في العراق يستخدمون مياهه منذ ما لا يقل عن 6000 عام لأعمال الري والزراعة، وبذلك، ازدهرت الإمبراطوريات التي كانت تعتمد على الزراعة المروية. ولكن لكون معظم مستجمعات مياه نهر الفرات تقع داخل حدود تركيا، وتقارب نحو 90٪ من الجريان السطحي للنهر من الحوض داخل مرتفعات (شرق تركيا)؛ نتيجة ذوبان الجليد الذي يحدث خلال أواخر الربيع وأوائل الصيف وتجري إلى سوريا والعراق، ولكن تحكّم تركيا بتصاريف هذا النهر الحيوي ترك وراءه أراضٍ قاحلة عملياً في البلدين المتشاطئين.

منذ منتصف الستينات، خططت تركيا لإنشاء سدود رئيسة للاستفادة من مياه نهر الفرات. وقد تم بالفعل كبداية بناء سد كيبان في تركيا، وخططت تركيا لأعمال هيدروليكية رئيسة أخرى على طول عمود نهر الفرات وروافده داخل حدودها السياسية. عندما تعمل مشاريع الري المرتبطة بهذه المخططات بشكل كامل كما هو الآن، يبدو أن الطلب المحتمل على المياه لكل من سوريا والعراق سيكون أكبر من التدفق المتاح للنهر من قبل تركيا.

ومن المرجح أن يكون البلدان هما الأكثر معاناة نتيجة لذلك، ويكون التأثير أشد على العراق؛ بسبب وضعه كدولة مصب من الحوض. يبدو أن الحل الدائم والوحيد للمشكلة هو إنشاء هيئة دولية للإشراف على التوزيع العادل للموارد المائية لنهر الفرات بين تركيا وسوريا والعراق. في الوقت الحاضر يبدو من غير المحتمل أن يتم التوصل إلى اتفاق دائم بين الدول الثلاث.

*خلال السنوات الماضية وإلى اليوم خفضت الدولة التركية منسوب مياه نهر الفرات بمعدل 60% من الكمية المتفق عليها، ما تأثيرات هذه الممارسات على الشعبين السوري والعراقي في الوقت الحالي؟

حسب إحصائيات الأمم المتحدة، فإنّ نحو 5 ملايين سوري و7 مليون عراقي يعتمدون على مياه نهر الفرات التي باتت مهدّدة بالشحّ والندرة، في ظل الظروف السياسية غير المستقرة في البلدين، والتي حرًم البلدين من تحديث أنظمة الري والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لغرض تقنين استخدامات المياه، حيث الانخفاض الكبير في مستويات هطول الأمطار والجفاف والتي أثرت بشكل واضح إلى عدم الحصول على مياه للشرب وري المزروعات في بعض المحافظات في البلدين. وهذا انعكس بشكل مباشر على الأمن الغذائي السوري والعراقي وسيكون أشد وأقسى مستقبلاً، إن سياسات الحكومة التركية فيما يتعلّق بالتحكّم بمنسوب مياه نهري دجلة والفرات هو خرق واضح لأبسط حقوق الإنسان، وأحكام القانون الدولي فيما يتعلق بحصة وحقوق الدول المتشاطئة في الأنهار، وإن عدم التنسيق والتفاهم مع الدولتين الجارتين المعنيتين بهذا الموضوع أي سوريا والعراق، ستفرز نتائج كارثية على البلدين. حيث أصبح منسوب هذين النهرين في كل من العراق وسوريا ضحلاَ وسطحياً يضاعف من حالة الجفاف المترافقة مع شح مياه الأمطار؛ نتيجة تغيرات المناخ حيث سيفقد الكثير من سكان الريف المعتمدين على الزراعة والثروة الحيوانية مصادر رزقهم. وبالتالي هذا سيسبب في زعزعة الاستقرار المجتمعي جراء تزايد وتكرار مواسم الجفاف والقحط؛ الأمر الذي يؤدي بالمزارعين إلى النزوح الداخلي والسكن في هوامش المدن الرئيسة القريبة من قراهم، وهذا سيشكل أحزمة الفقر ويتحول المزارع إلى مهن أخرى مما يغير من خطط التنمية.

*في حال استمرار سلوك الدولة التركية ما هي التأثيرات على المدى البعيد، أو ما هي المخاطر؟

أولاً يجب تحميل تركيا دولياً، مسؤولية شح المياه في سوريا والعراق، حيث قامت بتخفيض منسوب تدفق الفرات من 500 متر مكعب في الثانية والذي نصت عليه الاتفاقية المبرمة بين سوريا وتركيا عام 1987 إلى 200 متر مكعب في الثانية، ما يُعتبر جريمة حقيقية في حق الشعبين السوري والعراقي. وأن سيطرة تركيا على محطة مياه “علوك” الرئيسة التي تضخّ المياه إلى مدينة الحسكة، كانت إشارة واضحة باستخدام تركيا المياه سلاحاً في حربها للاستحواذ على نهر الفرات على الأقل داخل الاراضي السورية؛ لتقوم بالتالي بالمساومة على مياه هذا النهر سياسياً عبر تحكمها بالوارد المائي لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ما يفسّر تخفيضها تدفق نهر الفرات. إن استخدام المياه كسلاح هو الأخطر من جميع الجوانب، والحاجة الى إنقاذ سكان البلدين مرهون بتحرك شعبي وحكومي يعقبه تحرك دولي من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بشؤون الإنسان والمياه والزراعة والبيئة على الأقل للتخفيف من شحّ المياه والجفاف الذي يهدّد البلدين وأمنهما الغذائي.

*ما مدى التزام أنقرة بالقوانين الدولية فيما يخص الأنهر العابرة للحدود، والتفاهمات المبرمة مع دمشق وبغداد، وكيف يمكن قراءة دور المنظمات الحقوقية الدولية المتجاهلة للملف؟

مع شديد الأسف؛ تركيا لا تعترف بالقوانين الدولية التي تنظم شؤون هذه الأنهار وأنها لم توقع على الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لعام 1997 والخاصة بالأنهار الدولية المشتركة غير الملاحية.. وهي تكيل بمكيالين؛ فمن جهة تطالب سوريا بحقوقها في نهر العاصي، وكذلك مع بلغاريا واليونان وجورجيا كونها دولة مصب.. ولكن تفرض سيادتها على حوضي نهري دجلة والفرات، وهذا يعود إلى ضعف الإرادة السياسية لدى سوريا والعراق.. والمنظمات الحقوقية الدولية لا تستطيع إنجاز مهمة ما لم يطلب منها رسمياً المساعدة في هذا المجال. تركيا لم تجرِ أي مفاوضات مع الدول المشاركة في نفس حوض النهر حول هذه المشاريع، أثناء التخطيط وإجراء التحريات والتصاميم استناداً لأحكام القانون الدولي الخاص بتقاسم مياه الأنهار الدولية المشتركة أو بنود البنك الدولي ومفوضية السدود العالمية والخاصة بإيقاف تمويل مشاريع السدود التي تخطط لها الدول والمؤسسات على الأنهار الدولية المشتركة من التي لا يتم إجراء مفاوضات واتفاقات مع الدول المتشاطئة مع نفس حوض النهر. ولذا فإن منع تدفق مياه نهر الفرات إلى سوريا والعراق هو سلاح تركيا الصامت وخاصة في شمال وشرق سوريا، مما ينذر بكوارث بيئية وإنسانية. وهذا الأمر يكشف زيف ادعاءات تركيا بأنها ليست السبب في هذه الكارثة التي تهدد سوريا والعراق. وخاصة شمال سوريا وشمال شرقها، بل هي فقط ناتجة عن تراجع مستوى الأمطار، لأن تركيا استفادت وبمكر وخداع سياسي لصالحها ومن منطلق جيوسياسي للاحتلال.. وبناءً على معظم المعطيات الطبيعية والبشرية فإن سوريا والعراق وخاصة شمال شرق سوريا، سيواجهان جفافاً غير طبيعي بسبب إحكام تركيا سيطرتها على تدفقات نهر الفرات بالكامل، لذلك، فإن أكثر من 50 في المائة من المنطقة ستعاني بالفعل من جفاف شديد.. وندرة المياه ونفوق الأسماك وهبوط مناسيب الآبار المائية، وجميع المؤشرات التي لدينا تروي قصصاً كئيبة.. هطول الأمطار ظل أقل من نصف المعدل الطبيعي، وأقل من ثلث المعدل الطبيعي في أجزاء أخرى من البلاد، وخزانات السدود السورية والعراقية شبه فارغة لأن مخزونها الإستراتيجي تدنى إلى مستويات منخفضة قياسية، وعيون وينابيع كانت مصدر مياه شرب وزراعة للكثير من القرى والأرياف لم تعد كما كانت في السنوات السابقة.

ومما يؤسف له أيضاً هو دعم الإسراع في إنجاز مشاريع تركيا مالياً وفنياً وسياسياً من قبل الغرب وحتى بعض منظمات الأمم المتحدة التي من المفروض أن يكون عملها الحفاظ على بيئة الأنهار وفق مقررات مؤتمرات قمة الأرض في ريو دي جانيرو وغيرها. وأهم أسباب هذا الدعم سياسية بحتة متعلقة باحتواء الأنظمة المتشاطئة على الجزء الأسفل من النهرين اقتصادياً وسياسياً؛ كونها تمثل مرتكزاً للتطور ومنافسة تركيا تجارياً كما فعلت سوريا.

*هل تستغل الدولة التركية الفوضى الأمنية في العراق والحرب في سوريا في تحويل الأنهار المتدفقة من تركيا من أنهار دولية إلى أنهار تركية وتسيّر سياستها واستراتيجيتها، وفقاً لذلك. وبالتالي فرض هيمنتها في المنطقة؟

نعم وبكل تأكيد، ولولا هذه الفوضى التي خلقتها تركيا في المنطقة وأشعلت نار حروب أهلية لما كان بمقدورها أن تستغل الملف المائي كابتزاز سياسي في المنطقة وتفريغ الريف السوري والعراقي من سكانه، وخاصة سكان أهوار العراق؛ ليرتفع بهذا الإجراء سكان المدن إلى نسب عالية لتثير الفوضى؛ نتيجة البطالة والفقر وتفشي الجهل، وإفشال خطط التنمية في الريف وخاصة في القطاع الزراعي، وبالنتيجة يسود البلدين الفساد والاضطهاد والفقر والحرمان.. وجميع المشاريع التركية ضمن مشروع "الكاب" تتعارض مع أحكام قوانين المياه والأنهار الدولية والبروتوكولات الخاصة بالتعامل مع الحصص المائية للأنهار الدولية المشتركة بين الدول، وكذلك jتعارض مع مبدأ الحفاظ على مقومات بيئة الأنهار من المنبع إلى المصب ونظم الأحياء المائية في عمود النهر. في تقرير بعنوان "مثلث الفرات"، بخصوص التداعيات الأمنية لمشروع جنوب شرق الأناضول، والصادر عن جامعة الدفاع الوطني الأمريكية،1999، حددت التصريحات فيه بوضوح موقف الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي من بناء مشروع (الكاب)، مثل :من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية الوطنية أن تكون تركيا آمنة ومستقرة، وأن تركيا هي المعقل الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، وهي على حدود ثلاث دول قد تشكل تهديداً للولايات المتحدة - العراق وسوريا وإيران.           

*إلى أي مدى يمكن فهم جدية تعامل دمشق وبغداد مع هذا الملف؟

لا نرى أي جدية من الحكومتين السورية والعراقية في تفهم مخاطر هذه الأزمات المائية والتي تحولت إلى معضلات مائية. وها هي  تضع البلدين على شفا كوارث إنسانية لا تحمد عقباها، لأن انخفاض منسوب نهر الفرات يهدد بفقدان المخزون المائي في السدود السورية والعراقية وبارتفاع معدلات التلوث وتعرّض الثروة السمكية للخطر، أي حدوث كوارث مزدوجة بيئية وإنسانية”، إن آثار الجفاف وظروف المناخ القاسية مثل تلك التي تجتاح المنطقة الآن، لها عواقب وخيمة على الناس والبيئة والطبيعة، وهذه التأثيرات ليست موزعة بالتساوي، فالمجتمعات الصغيرة والريفية، وخاصة الجزيرة السورية والبادية العراقية ومناطق الفرات الأوسط - وكثير منها لديها نسبة أكبر من الأسر ذات الدخل المنخفض - غالباً ما تشعر بأسوأ الآثار، حيث تتعرض النظم البيئية للمياه العذبة إلى خطر جسيم بسبب انخفاض تدفقات المياه من تركيا، وارتفاع درجات الحرارة، علاوة على تفاقم مشاكل جودة المياه بسبب زيادة تركيز الأملاح والملوثات وانخفاض مستويات الأكسجين. كما يؤدي نقص المياه السطحية للزراعة إلى مزيد من ضخ المياه الجوفية، واستمرار السحب على المكشوف ينجم عنه تلف الممتلكات وتجفيف الآبار المائية، وخسارة دائمة في خزين المياه الجوفية.

*ألا ترى أن الأمن المائي أصبح ضرورة ملحة من أي وقت مضى ويستوجب التحرك فوراً لحماية مصالح الدولتين وخاصة أن حرب المياه باتت مقلقة أكثر من الحرب الاعتيادية؟

 المسّ بالأمن المائي الذي يضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي للدولة من المياه بصفة مستدامة أمر في بالغ الخطورة، لذلك فإن ضمان الأمن المائي إنما يستجيب فيها عرض المياه للطلب عليها من كافة القطاعات التي تستخدم المياه، وبالتالي خلق وضعية مستقرة لموارد المياه يمكن الاطمئنان عليها، من خلال تحقيق التوازن (كماً ونوعاً — زماناً ومكاناً)، بين الموارد المائية المتاحة والاحتياجات المائية المختلفة في الحاضر والمستقبل. وأن المياه الدولية المشتركة قد أصبحت ضمن الأجندة السياسية لكل من تركيا وإيران بشكل واضح وجلًي، فعندما يتم الحديث عن  إطلاق حصص  سوريا والعراق المائية يلاحظ أن الرئيس التركي أو نظيره الإيراني يتدخلان ويرسمان السياسية المائية بدلاً من أن يترك هذا إلى الجانب الفني بين الهياكل المعنية بالشأن المائي وهذا مؤشر خطير جداً، وما التخفيض من تدفّق الفرات إلى أدنى حدوده  نحو سوريا والعراق إلا ترجمة فعلية لهذا الواقع بتسييس الملف المائي ومن ثم العمل على جعله ”بضاعة” مقابل ثمن وتفعيل مبدأ مقايضة الماء بالنفط مع العراق وبمتطلبات أخرى مع سوريا.! ومن شأن هذه العوامل أن تفرض على العراق وسوريا، الآن ومستقبلاً، وتحتّم وضع استراتيجية مشتركة لتنمية الموارد المائية وترشيدها، لذلك تدعو الضرورة إلى انتهاج سياسات مائية حكيمة لاستثمارات الموارد المائية المتاحة لغرض بناء أساس لاقتصاد متين يعتمد على الزراعة الحديثة والمتطورة بعيداً عن الزراعة التقليدية”السومرية” قبل الاعتماد على النفط كاقتصاد ريعي كما هو الحال في العراق، وخاصة القطاع الزراعي الذي يعتبر أكبر مستهلك للمياه بمعدل من 70 إلى 90 بالمائة.

(د)

ANHA