منبج والطريق إلى الإدارة الذاتية

شهدت مقاطعة منبج عمليات تحول كبيرة خلال سنواتٍ مضت، حيث شكل اتحاد المكونات وخوضهم لمعركة التحرير ضد داعش، النقطة الفارقة في رسم معالم المقاطعة التي تشهد تهديدات متكررة وتواجه تحديات اجتماعية وأمنية.

منبج والطريق إلى الإدارة الذاتية
14 آب 2024   06:30
منبج

 لموقعها الجغرافي المتميز وأهميتها الاستراتيجية بقيت منبج في قلب الأحداث الدائرة خلال الأزمة في سوريا، إذ شارك أبناء المدينة في التظاهرات السلمية التي دعت إلى الحرية عام 2011، وكان أولها في الـ 21 من نيسان.

أُسست عشرات المجموعات المسلحة في منبج عام 2012؛ تحت رايات ومسميات مختلفة، وتمكنت من طرد قوات حكومة دمشق من المدينة والريف في تموز عام 2012.

وكانت أبرز تلك المجموعات "كتيبة عمر بن الخطاب، وصقور الشام، وثوار منبج، وعلي بن أبي طالب، وأحرار سوريا، ومجاهدو منبج، وأم العواصم، وجند محمد، ورماح الرافدين، وأحرار الشام، وأنصار السنة، وصقور الشام، وعباد الرحمن، والفاروق، والنعمان، والسلطان سليمان شاه، وعائشة، وفرسان الفرات، وأبو أيوب الأنصاري، وأجيال المستقبل، وأصحاب اليمين، وثوار سوريا وحركة الأمة".

قسمت تلك المجموعات أحياء وقرى منبج فيما بينها، لتُدار كل منطقة على حدة، على وقع عمليات سطو وجرائم يومية، وعمليات اقتتال داخلي، ورافق كل ذلك قصفٌ جوي لقوات حكومة دمشق كان يستهدف المدينة بشكلٍ شبه يومي.

سيطرة داعش على منبج

تسلل مرتزقة داعش في كانون الثاني عام 2014 إلى أحياء مدينة منبج، وتمكنوا من احتلال المدينة بعد تفجير 4 سيارات مفخخة، واستهداف المدينة بعدد من قذائف الهاون من قرى قريبة.

احتلت داعش كامل المدينة والريف بالتزامن مع إحكام سيطرتها على مناطق واسعة في الرقة، والحسكة ودير الزور ومناطق بالقرب من مدينة حلب وفي العاصمة دمشق ووسط البادية السورية.

واتخذت من المدينة المحاذية للحدود التركية، كمركز لاستقبال آلاف المرتزقة والجهاديين القادمين من مختلف دول العالم، وكمكانٍ آمن لأبرز قادة داعش في سوريا.

كما عدّت المدينة صلة ربطٍ بين مناطق سيطرة مرتزقة داعش في سوريا والعراق والمناطق الخارجية كتركيا وأوروبا، إذ أثبتت اعترافات ووثائق متزعمي مرتزقة داعش؛ انطلاق عشرات المرتزقة من منبج لتنفيذ عمليات انتحارية داخل المدن الأوروبية، بتواطؤ تركي.

وتحولت المدينة الثقافية وموطن الشعراء، كما كانت تُعرف، إلى أحد أكثر المناطق رعباً؛ نتيجة الأحكام والعمليات الإجرامية التي كانت تقوم بها مرتزقة داعش، وسط وجود كبار عناصر المرتزقة في المدينة.

اتحاد المكونات

أطلقت قوات مجلس منبج العسكري التي ضمت الآلاف من أبناء المنطقة من مكونات مختلفة، والمنضوية تحت راية قوات سوريا الديمقراطية، بدعمٍ جوي من التحالف الدولي في الأول من حزيران عام 2016، عملية عسكرية من محورين وهما جسر قره قوزاق شرق المدينة، وسد تشرين جنوبه لتطويق مدينة منبج وتحريرها من داعش بعد عامين من سيطرتها.

في 3 حزيران أصيب فيصل سعدون أبو ليلى أحد القياديين العسكريين للحملة بجروح بليغة، إثر قصفٍ نفذته داعش على أطراف بلدة أبو قلقل جنوب مدينة منبج بـ 15 كم، وفي الـ 5 من حزيران عام 2016 استشهد القائد العسكري فيصل سعدون أبو ليلى في إحدى المشافي في مدينة السليمانية بجنوب كردستان بعد نقله لتلقي العلاج.

غيّرَ مجلس منبج العسكري اسم عملياته التي انطلقت باسم "حملة تحرير منبج"، إلى "حملة القائد الشهيد فيصل أبو ليلى لتحرير مدينة منبج"، عقب أسبوعٍ من بدء الحملة العسكرية.

القضاء على داعش في منبج

استمرت المعارك بعد تطويق المقاتلين للمدينة من 4 جهات، وبجهود كبيرة تم تحرير المدينة من مرتزقة داعش الذين استخدموا المدنيين كدروع بشرية في 12 آب وتم الإعلان بشكلٍ رسمي في 15 آب.

اتجهت بعض مجموعات من مرتزقة داعش التي كانت تتحصن في حي السرب شمال مدينة منبج باتجاه مدينة جرابلس التي احتلتها تركيا في 26 آب.

في الـ 12 من آب عام 2016، وبعد 73 يوماً من المعارك؛ رفع مقاتلو مجلس منبج العسكري رايات المجلس وقوات سوريا الديمقراطية، وصور شهداء المجلس في أحياء المدينة، وأعلنوا إنهاء سيطرة مرتزقة داعش على المدينة والريف، والقضاء على آخر نقطة اتصال بين داعش والخارج عن طريق الأراضي التركية.

شكلت عملية تحرير مدينة منبج صيف عام 2016، انتصاراً استراتيجياً، في قطع أهم طرق داعش بين معقله في مدينة الرقة والخارج السوري مروراً بالأراضي التركية، ومنعطفاً كبيراً في الحرب ضد الخطر العالمي بتشاركٍ دولي؛ أفضى إلى تدمير "خلافة" داعش المزعومة في سوريا والعراق في الباغوز.

عُدّ المجلس العسكري لمنبج؛ الدرع الحصين لسكان المدينة والريف، لينضم الآلاف من الشبان إلى الأكاديميات العسكرية، ويشاركوا في عمليات تحرير مناطق سورية أخرى، وخاصة مدينة الرقة العاصمة المزعومة لمرتزقة داعش، إذ استشهد القائد العام لمجلس منبج العسكري عدنان أبو أمجد إلى جانب عشرات الشبان من منبج، في معارك تحرير مدينة الرقة من داعش صيف عام 2017.

شارك أبناء منبج، ربيع عام 2019 في المعارك التاريخية حول بلدة الباغوز آخر معاقل داعش في سوريا، إذ تمكنت المجالس العسكرية تحت راية قوات سوريا الديمقراطية من إنهاء وجود داعش على الأراضي السورية، بعد 3 سنوات من تحرير منبج، الذي شكل المنعطف الكبير في حملة القضاء على داعش.

تجربة الإدارة الذاتية وتشارك المكونات

تمتعت المدينة وريفها بمجلسٍ مدني مع بداية تحرير المدينة بشكل إسعافي، والذي تشكل في نيسان عام 2016، لتطفو مشكلات إزالة أنقاض الدمار في المدينة، وتفعيل المؤسسات الخدمية والأمنية، كمسائل أولية، والتي عمل المجلس عليها في المرحلة التي تلت التحرير.

واتخذ المجلس أولوية تشكيل المجالس المحلية في القرى والبلدات وأحياء المدينة في حملةٍ تنظيمية، وبلغ عدد المجالس ما يقارب الـ 400 مجلس، بالإضافة إلى استقبال مئات النازحين الفارين من خارج المنطقة، والمساهمة في إعادتهم إلى قراهم، وتقديم الخدمات لهم.

مع بداية عام 2017 وبعد ما يقارب العام من تحرير المدينة من مرتزقة داعش، وفي إطار توسيع عمل المجلس وإشراك ممثلين عن جميع المكونات، أعلنت المكونات من شركس، وعرب، وكرد، وتركمان عن تأسيس الإدارة الذاتية بمجالسها التشريعية، والتنفيذية والقضائية.

وضمت الإدارة الرئاسة المشتركة حينها، وهما زينب قنبر وابراهيم القفطان، إلى جانب لجان تابعة للهيئات في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وهي "الصحة، والمرأة، والاقتصاد، والشباب والرياضة، والدفاع، والثقافة والفن، والشؤون الاجتماعية والعمل، والإدارة المحلية والبلديات، والتربية، والداخلية، والخارجية، وعوائل الشهداء والمالية".

وبعد الإعلان عن العقد الاجتماعي والمصادق عليه من قبل مجلس الشعوب الديمقراطي في 12 كانون الأول 2023، تحولت منبج إلى مقاطعة ضمن إقليم شمال وشرق سوريا الذي يتألف من سبع مقاطعات، وبذلك بدأ العمل على تنظيم المؤسسات واللجان في منبج وفق العقد الجديد.

منبج والتحولات الجيوسياسية

أعلن مجلس منبج العسكري في الـ 15 من تموز عام 2017، انسحاب آخر دفعة من المستشارين العسكريين من وحدات حماية الشعب، ليدير المجلس العسكري كامل مدينة منبج والريف، بوجود قواعد للتحالف الدولي على خطوط التماس مع الاحتلال التركي.

وأثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا، ردود فعلٍ شعبية غاضبة بالتزامن مع تشابك الأزمة في البلاد، ودخول لاعبين دوليين وإقليمين، وتهديد المناطق الآمنة شمال وشرق سوريا من بينهم تركيا وحكومة دمشق.

في الـ 15 من تشرين الأول عام 2019 أعلن التحالف الدولي رسمياً سحب قواته من مدينة منبج والتوجه صوب المناطق الشرقية لسوريا.

وعقب يومٍ من انسحاب قوات التحالف، دخلت القوات الروسية ووحدات من قوات حكومة دمشق إلى خطوط التماس مع الاحتلال التركي، إثر دعوةٍ من قوات سوريا الديمقراطية للوقوف في وجه الأطماع التركية.

منبج والتهديدات التركية

تتواصل التهديدات التركية باجتياح منبج وضمها إلى المناطق المحتلة ضمن المساعي التركية في اقتطاع الجزء الشمالي من سوريا تحت ذريعة "المنطقة الآمنة"، وذلك ما ترفضه المكونات القاطنة للمدينة والريف من خلال تظاهرات وفعاليات يومية تدعو الاحتلال التركي إلى الخروج من سوريا. وسط صمت حكومة دمشق.

وباتت الهجمات ضد القرى على خطوط التماس مشهداً يومياً، تعمل من خلاله دولة الاحتلال التركي على خلق حالة عدم استقرار في المنطقة، وتهجير أكبر عدد ممكن من السكان في المقاطعة، وذلك ما لم تحققه الدولة التركية طيلة 8 سنوات.

(ز س/د)

ANHA