في "صيدنايا عفرين" يشوى البشر وهم على قيد الحياة
من رب أسرة معيل إلى شخص مقعد لا يتذكر من أفراد عائلته سوى القليل، قطعت أصابع أرجله وسلخ لحمه عن عظمه في جريمة جديدة تضاف إلى سجل جرائم جيش الاحتلال التركي ومرتزقته في عفرين المحتلة.
يُقال إن من عاشر قوماً أربعين يوماً أصبح منهم، إلا أن هذه المقولة لم تنطبق حرفياً على المواطن (م، ص) الذي تحول من أب لثلاثة أطفال خلال 42 يوماً من الاختطاف على أيدي مرتزقة جيش الاحتلال التركي إلى جسد هامد، خالٍ من الروح والذكريات.
وطلبت العائلة عدم كشف الاسم الكامل أو تصويرهم لأسباب عديدة، منها تخوّفهم من تعدّي المرتزقة التابعين لدولة الاحتلال التركي على باقي أفراد عائلتهم في عفرين المحتلة، من باب الانتقام، وعدم السكوت عن الجرائم المرتكبة.
فاقد الذاكرة
في الساعات الـ 3 التي مكث فيها المراسل مع المواطن (م،ص) لمحاولة فهم ما جرى له، باءت بالفشل كون الذاكرة لم تسعفه حتى في تذكر أسماء بعض من أفراد عائلته، إلا أنه في النهاية مع مساعدة من ذويه استطعنا توثيق جزء مما تعرض له من جرائم وانتهاكات.
تبدأ قصة اختطاف المواطن (م،ص) مع احتلال المرتزقة لما تبقى من قرى مقاطعة عفرين والشهباء بتاريخ 1/12/2024، ليتم اقتياده بسبب هويته الكردية إلى جهة مجهولة ويتعرض للضرب على مدار 5 أيام متواصلة.
وأجبر بعدها على التوجه لمدينة عفرين المحتلة وتم وضعه في سجن معراته سيء الصيت، والمدار من قبل ما يسمى بمرتزقة "الحمزات" التابعة لجيش الاحتلال التركي، إلى جانب الاستخبارات التركية.
"كانوا يعذبوننا بينما نستمع لتلاوة القرآن الكريم"
يردد الأخير مقولات بقيت في ذهنه أثناء التعذيب مثل "احرقوه... اشنقوه.. أنتم كفرة.. أيها اللصوص" وغيرها من العبارات والشتائم التي باتت لا تفارق ذاكرته.
بالإضافة عند سماعه صوت الباب يبدأ بإغلاق وجهه وتبدأ نوبة من الرجفان المستمر والصراخ النابع من الخوف الشديد، وللوهلة الأولى عند التقاء مراسلنا مع (م ص)، صادف ردة فعل هستيرية نابعة من الخوف تجاهه بسبب حمله للكاميرا ظناً منه على أنه أداة أخرى للتعذيب.
وأفاد بأنه في العديد من الأحيان كان يتم تعذيبهم على وقع تشغيل تسجيلات "للقرآن الكريم"، في لوحة تجسد التناقض المعاش ما بين تعاليم الدين الحنيف التي تدعو إلى السلام والإخاء وتكريم النفس البشرية، وبين وقع التعذيب الوحشي غير الإنساني الذي يندى له جبين البشرية.
180 جلدة بالسوط
بعد مراجعة الطبيب المسؤول عن حالته الحالية، والذي قال إنه نجا "بأعجوبة"، تبيّن أن المواطن (م، ص) تعرض لتعذيب فظيع في جميع أجزاء جسده دون استثناء. بدءاً من الوجه الذي تعرض لكسور في أربع أسنان بالفك، وتشققات في جوانب الشفاه وصولاً إلى بدايات الخد نتيجة الضرب المبرّح.
كما انتشرت آثار كدمات سوداء وتشققات في الجلد واللحم في عموم جسده نتيجة الضرب بالسوط. ويشير المواطن إلى أنه تعرض في إحدى المرات للجلد المستمر وأحصاها بـ 180 جلدة، مما جعله يغيب عن الوعي.
قطعوا أصابع قدمه بالمنشار
أما الأقدام فهي الحالة الأسوأ وفق التقييم الطبي الجسدي، فقد جرى تقطيع الأصابع الـ 9 من أصل 10 بشكل جزئي أو كلي باستخدام منشار أو أي أداة حادة أخرى.
أما أسفل القدم فيشير الطبيب إلى أن المعذبين أجبروه للوقوف على سطح سخن مسبقاً ما تسبب بحروق من الدرجة الثالثة وسلخ اللحم عن القدم لالتصاقه بالسطح الساخن، وكأنما يشوى وهو على قيد الحياة.
وتبيين الصور قعر عظم القدم إلى جانب مساحة السلخ الشاسعة الحاصلة، بالإضافة لانتشار الالتهابات نتيجة تدنّي الظروف الصحية في مكان الاختطاف.
عند طرح السؤال "ماذا فعلوا بك؟" يجيب بصوت يشوبه الدهشة: "أجروا لي 11 عملية جراحية كلها ناجحة، هكذا قالوا لي".
500 ألف ليرة لقاء كل حبة دواء
كما ويشير الأطباء إلى أنه قبل الاختطاف كان يعاني من بعض أمراض العصب وعليه كان يأخذ جرعة من الأدوية، الأمر الذي أكدته العائلة وقالت إنها كانت إحدى أنواع الاختلاجات، إلا أن منع المرتزقة الأدوية عنه تسبب في سوء حالته العصبية وكانت إحدى الأسباب المباشرة إلى جانب التعذيب الوحشي في فقدان جزء كبير من ذاكرته.
خلال تلك الفترة حاولت العائلة السؤال عن مصير فقيدها ليطالب المرتزقة بفدية مقدارها 2000 دولار أمريكي، لقاء إطلاق السراح؛ المبلغ الذي لم تستطع العائلة جمعه لسوء أحوالها الاقتصادية، أما عن إمكانية إيصال الدواء له، فطلبت المرتزقة من العائلة 500 ألف ليرة لقاء كل حبة دواء لإيصالها.
تركوه ظناً منهم أنه مات
بعد مرور 42 من اختفاء المواطن (م، ص) وجده أحد المارة أمام مشفى عفرين العسكري كجثة هادمة ملقاة على الأرض بجانبه هويته، ليسارع المواطن لمساعدته عبر قراءة معلوماته الشخصية من الهوية والتواصل مع أحد أقربائه من القرية التي ينتمي إليها.
ليعمل أقربائه على إسعافه إلى إحدى مشافي مدينة حلب، المكان الذي التقى فيه بمراسلنا.
لعنة صيدنايا لا زالت تلاحق السوريين
على الرغم من أن السوريين تخلصوا من نظام بشار الأسد، إلا أن لعنة سجن صيدنايا انتقلت إلى السجون التي تدار من قبل جيش الاحتلال التركي ومرتزقته خاصةً في عفرين لا زالت تلاحقهم.
بالتوازي مع عدم تحقيق العدالة في تقديم مجرمي الحرب من أمثال حاتم أبو شقرا وسيف أبو بكر وأبو عمشة إلى القضاء لمحاكمتهم بارتكاب جرائم بحق السوريين خدمةً للأجندات الاحتلالية التركية.
(سـ)
ANHA