دلائل وبيانات تنذر بخطر تراجع الموارد الطبيعية في السلة الغذائية لسوريا

تُظهر المؤشرات تدهور بالموارد الطبيعية في مقاطعة الجزيرة من الماء والغطاء النباتي والهواء والتربة، ويرى مختص أن استمرار العوامل المسببة مثل الأنشطة غير البيئية وأزمة المناخ وسياسات تركيا المائية ستترك آثاراً كبيرة، وتشكل تهديداً على الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي ومستقبل المنطقة.

دلائل وبيانات تنذر بخطر تراجع الموارد الطبيعية في السلة الغذائية لسوريا
28 تموز 2024   09:43
قامشلو
خالد عته

يحتفل العالم في الـ 28 من تموز من كل عام باليوم العالمي للمحافظة على الطبيعة ومواردها، بهدف زيادة الوعي بأهمية الموارد الطبيعية لكوكب الأرض، والحاجة لضمان حمايتها على المدى الطويل.

ويعتمد البشر على الموارد الطبيعية بشكل أساسي في الحصول على متطلبات الحياة من غذاء وماء وهواء، لكن الإفراط في استغلال هذه الموارد قد ازداد وبلغ ذروته في هذا العصر.

فوفق تقرير "توقعات الموارد العالمية لعام 2024 لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة"، الصادر في آذار الماضي، فإن "الاقتصاد العالمي يستهلك المزيد من الموارد الطبيعية التي تنفد بسرعة غير مسبوقة، وسيزداد استخدام الموارد الطبيعية 3 أضعاف خلال 50 عاماً القادمة، وأن الاستغلال العشوائي المفرط يؤثر على قدرة الموارد على التجدد التلقائي، ويخلّ بالتوازن الطبيعي للحياة ويسهم في إلحاق الضرر بالبيئة الطبيعية".

واقع الموارد الطبيعية للسلة الغذائية في سوريا

تُعد مقاطعة الجزيرة بمواردها الطبيعية سلة غذائية للبلاد، ولكنها تعاني من نقص كبير في الموارد الطبيعية وتدمير لموائلها، حسب المؤسسات المعنية.

يرى المختص وعضو مديرية الرصد البيئي في هيئة البيئة لمقاطعة الجزيرة، منذر سليمان، أن المنطقة شهدت خلال سنوات الأزمة "تدهوراً في حالة عناصر وموائل الموارد الطبيعية كالمياه والتربة والهواء والغطاء النباتي نتيجة عدة عوامل منها مناخية".

وحول عوامل وأسباب التدهور يشير: "أغلب منابع الأنهار من تركيا، التي عمدت لقطعها وتقليل الوارد منها، ما أدى إلى انخفاض نسبة المياه في الأنهار والبحيرات والسدود والتي تُعد مصدراً للزراعة والشرب، إلى مستويات دنيا، وهذا أثر بشكل مباشر على تقلص الغطاء النباتي وتدهور التربة.

كما أن الأزمة المناخية وارتفاع درجات الحرارة نتيجة السياسات الصناعية أثر بشكل كبير على هذه الموارد، إلى جانب أنشطة البشر غير البيئية، هذه العوامل الثلاثة تُعد مسببات في تدمير الموارد الطبيعية."

وعن مؤشرات التدهور في الموارد الطبيعية، يوضح لوكالتنا "تشهد الأعوام الأخيرة تقلصاً كبيراً في الغطاء النباتي والأشجار، جراء ظاهرة التحطيب، والاستجرار الكبير للمياه الجوفية والسطحية، وما سبقها من أعوام من قلة هطول الأمطار، لذلك تقلصت الثروة المائية وشهدت التربة تغيراً كبيراً في طبيعتها وفقدانها للكثير من العناصر الغذائية.

والهواء أيضاً يشهد تلوثاً كبيراً لانتشار المولدات الكهربائية "الديزل"، وازدياد عدد المركبات، جميعها عوامل أدت إلى ظهور مؤشرات وجود أزمة وتدهور في الموارد الطبيعية".

مصادر المياه

وتُعد مياه السدود مصدراً رئيساً للمياه في المقاطعة، ويوجد فيها 10 سدود ذو مساحات متفاوتة، ولكن مصدر مياه جميعها من أنهار تتحكم بها الدولة التركية، حيث يبلغ تخزينها الأعظمي مجتمعةً مليار و16 مليون متر مكعب، أما تخزينها الحالي فهو 160 مليون متر مكعب فقط، إلى جانب بحيرة طبيعية واحدة هي بحيرة الخاتونية بطاقة تخزينية تقدر بـ 15 مليون متر مكعب.

وتستخدم تركيا المياه سلاح ضد السوريين، حيث عمدت منذ عام 2019 باحتلالها لمناطق سري كانيه، على قطع مياه الشرب عن أكثر من مليون شخص في الحسكة من محطة علوك ما جعلتها منطقة منكوبة، وفق بيانات الإدارة الذاتية الديمقراطية، ناهيك عن حبس مياه نهر الفرات والعديد من الأنهار الأخرى في الإقليم.

كما تُصنّف المياه الجوفية كأحد مصادر المياه اللازمة للزراعة التي تُعد أكثر القطاعات استهلاكاً للمياه، حيث يبلغ عدد آبار الزراعة في المقاطعة 27150 بئراً تؤمن المياه للأراضي الزراعية، إلى جانب 2150 بئراً منزلياً وصناعياً.

إلى جانب النقص في المياه السطحية المتمثلة بالأنهار والسدود، تشهد المياه الجوفية في المنطقة انخفاضاً في منسوبها، بلغت في بعض المناطق عدة أمتار خلال السنتين الماضيتين، وفق المختص البيئي.

تراجع نسبة الغطاء النباتي

وتبلغ المساحة الخضراء من أشجار وحراجيات وغابات في شمال وشرق سوريا، 2 إلى 4 % من المساحة العامة، فيما تبلغ في مقاطعة الجزيرة 0.17 %، بعدد 4 مليون شجرة حراجية ومثمرة، موزعة بين المدن والأرياف والمحميات الطبيعية، وفق مديرية الحراجيات في هيئة الزراعة والري في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا.

هذه المساحات شهدت خلال سنوات الأزمة وسيطرة مرتزقة داعش تعدّياً كبيراً عليها من خلال قطع الأشجار، على الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة، فإن نصف مليون شجرة قطعت من محمية جبل عبد العزيز.

وتُعد المقاطعة جزءاً من إقليم شمال وشرق سوريا الذي يعد ثلثي مساحته جافة ويواجه مشكلات في التملح حيث إن 1 إلى 2 ألف هكتار من التربة يتدهور سنوياً، كما أن 85 % من الأراضي مهددة بالتصحر.

آثار هذه التدهور على الأمن الغذائي

يشير المختص أن هذا الواقع من تدهور موارد الطبيعية يؤدي بالمنطقة إلى حالة عدم استقرار وتؤثر بشكل مباشر على حياة السكان والأمن الغذائي وعلى التنوع الحيوي الموجود والنباتات والتربة والمراعي.

في حين يُعد نهر الخابور من أكبر الأنهار الرئيسة في المقاطعة بطول 320 كم، فواردها طوال فصول السنة متوقف، وفق بيانات مديرية الموارد المائية في هيئة الزراعة والري.

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في وادي الخابور من قمح وشعير وأشجار مثمرة التي تتأثر بقطع المياه قرابة 16 مليون دونم متوزعة بين مقاطعتي الجزيرة ودير الزور.

كما يؤثر هذا التدهور على التنوع الحيوي الموجود في المحميات الطبيعية البالغ عددها 8 محميات في المقاطعة، فمن الأشجار التي تقلص أعدادها بشكل كبير هي شجرة الحور الروماني والتوت البري والتين البري وباتت مشاهدها نادرة، كما لوحظ اختفاء بعض الحيوانات مثل الخنزير البري والطيور الجارحة والذئاب البرية وبعض أنواع الأسماك كسمك المشط، والغزال في محمية جبل عبد العزيز، وفق بيانات مديرية الحراجيات والمحميات.

المستقبل في خطر وعلى الجميع التحرك

ويُعد القطاع البيئي وموارد الطبيعية من القطاعات التي تشغل اهتمام الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، وعليه أسست هيئة خاصة بها وأصدرت في عام 2022 قانون البيئة، الذي يهدف إلى حماية البيئة والموارد الطبيعية في المنطقة.

وهذا ما يؤكده منذر سليمان، قائلاً: "تعمل هيئة البيئة في الإدارة الذاتية وبالتعاون والتنسيق مع المبادرات المجتمعية والمؤسسات والهيئات والمجتمع وفق سياسات معتمدة ووفق الإمكانيات للعمل على الحد من الآثار المترتبة جراء هذه الأزمات البيئة من خلال العمل على زيادة المساحة الخضراء، والعمل وفق برامج لرفع المستوى التوعوي البيئي في المجتمع".

وحسب بيانات مديرية الحراجيات في هيئة الزراعة والري، فإنها وزعت وزرعت منذ تأسيسها في 2014 لوحدها، 1 مليون شجرة وشتلة في مدن وأرياف المقاطعة وهي مستمرة في مشاريع التشجير.

ويضيف المختص: "هذه المشاريع غير كافية لذلك تعمل الهيئة وعبر مديرية الرصد البيئي على وضع الإجراءات والشروط ووضع سياسات بيئية لجميع المؤسسات والمعامل والشركات الصناعية للعمل وفقها".

ويؤكد في ختام حديثه "لكي لا يسوء هذا الواقع ويخرج عن سيطرتنا، من الضروري أن تقوم المؤسسات والشركات والمجتمعات والأفراد بالحفاظ على الموارد الطبيعية، حيث تُعد المصدر الرئيس للاحتياجات اليومية للعالم، كما أن الأجيال القادمة تحتاج إلى موارد طبيعية أيضاً، وذلك بتقليل استنزاف الموارد وحمايتها واستخدام بدائل الطاقة النظيفة والتقيد بالسياسات الصديقة للبيئة".

ويرى مراقبون ومهتمون بالبيئة، في مجموعة من الإجراءات والخطط التي من شأنها الحفاظ على الطبيعة :

"تقليل الاستخدام المفرط للموارد الطبيعية كالأخشاب والوقود الأحفوري.

تقليل انبعاثات الغازات الضارة من المصانع والمركبات.

استخدام مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح، والاعتماد على وسائل ترشيد استهلاك المياه، كاستخدام طرق الري بالتنقيط أو الرش للحدّ من الفاقد.

الحدّ من استخدام المبيدات الكيميائية في الزراعة.

الحدّ من الصيد الجائر للحيوانات البرية.

الإسهام في حملات التشجير والتنظيف.

التثقيف البيئي من خلال "نشر الوعي البيئي وأهمية المحافظة على البيئة، وتضمينها في المناهج التعليمية، وتشجيع الأفراد على تبنّي سلوكيات صديقة للبيئة".

(ك)

ANHA