الوضع الاقتصادي في لبنان بين التحديات المعيشية والآمال بالنمو الاقتصادي

منذ 2019، يشهد لبنان أزمة اقتصادية حادة، حيث خسرت الليرة أكثر من 90% من قيمتها. الخبراء يؤكدون أن تجاوز هذه الأزمة يتطلب تعزيز قدرات المؤسسات والقطاع الخاص، وتفعيل الرقابة لمكافحة الاحتكار.

الوضع الاقتصادي في لبنان بين التحديات المعيشية والآمال بالنمو الاقتصادي
الوضع الاقتصادي في لبنان بين التحديات المعيشية والآمال بالنمو الاقتصادي
18 حزيران 2024   07:00
بيروت
رانيا عبيد

منذ عام ٢٠١٩ ولبنان يعيش تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أطاحت بالواقع المعيشي والاقتصادي لدى اللبنانيين، ففقدت العملة المحلية أكثر من ٩٠٪ من قيمتها، ما أدى إلى ارتفاع هائل في الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، وانتشار الفقر بشكل كبير.

الأرقام الأخيرة تشير إلى أن أكثر من 80% من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وأفاد البنك الدولي بأن معدل الفقر في لبنان ارتفع 3 أضعاف خلال عقد ليشمل واحداً من كل 3 لبنانيين.

وأجبرت الأزمة الاقتصادية، وفق التقرير "الأسر على اعتماد مجموعة متنوعة من استراتيجيات التكيف، بما في ذلك خفض معدل استهلاك الغذاء والنفقات غير الغذائية، فضلاً عن خفض النفقات الصحية، مع ما قد يترتب عليه من عواقب وخيمة على المدى الطويل".

لبنان يواجه الانهيار الاقتصادي بعامل الصمود

يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن لبنان وعلى الرغم من أزماته السياسة والاقتصادية والمعيشية، وبالإضافة إلى الحرب التي يشهدها على الجبهة الجنوبية، فهو يعيش حالة من التأقلم مع الواقع الاقتصادي.

الباحث في الاقتصاد وخبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي، تحدث لوكالتنا في هذا السياق، موضحاً أن الواقع الاقتصادي والمعيشي في لبنان يجب أن ينطلق من قدرة المؤسسات والقطاع الخاص من الوقوف في وجه الأزمات.

كما أن المواطن الذي عاش تداعيات السياسات الخاطئة أعاد النظر في سلة الاستهلاك، من خلال تركيزه على الصناعات المحلية أكثر من الاستيراد، واليوم أصبح يعيش ضمن قدرته المحدودة.

وأضاف محمد فحيلي، أن ما زاد الوضع الاقتصادي تعقيداً في المرحلة السابقة، هو سلوك المصارف التي لم تعد تؤمن التسليفات للمؤسسات والأفراد، وهذا الامر لم يكن صحياً على الاقتصاد لكنه ضروري لاستمرار المؤسسات ومكونات القطاع الخاص.

في المقابل، شهد القطاع العام في السنوات الماضية الاستبعاد الاقتصادي؛ لأنه اعتمد على العملة اللبنانية التي فقدت قيمتها وبالتالي لا يزال يعتمد على سوء الإدارة المالية العامة، وحالياً الدولة اللبنانية بدأت تستعيد عافيتها لجهة الخدمات التي تقدمها، لكن ليس بالشكل المطلوب، وهنا يجب التركيز على البيئة الاقتصادية لمعرفة ما هي الثغرات وكيف يمكن معالجتها.

فحيلي لخّص عبر وكالتنا المشهدية الاقتصادية في السنوات الأخيرة، ففي العام 2019 عاش لبنان انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، وفي العام 2020 طغت حالة من النكران وعدم فهم للواقع، ثم في العام 2021 شهد لبنان سياسة الدعم التي فاقمت الوضع نحو الأسوأ، فالدولة عمدت إلى سياسة دعم الاستيراد بدلاً من الاعتماد على الانتاج المحلي، أما في العام 2022 فكانت هنالك محاولة لاستعادة العافية، ولكن القطاع الخاص كان يطالب باستمرار الدعم واستمرت الدولة في تلبية مطالبه، وهذا كلفها المزيد من التدهور الاقتصادي.

وأضاف فحيلي أنه في العام 2023 خفف القطاع الخاص من المصاريف التشغيلية، واستعاد الهيكلية الاقتصادية لإنتاجه، وركز على الأمور التي يطلبها الاقتصاد اللبناني والتي تساعده في تحقيق الإيرادات بما يدعم الاقتصاد المحلي.

أما حالياً ومع بداية العام 2024 يعيش لبنان حالة من الانتعاش بانتظار النمو الاقتصادي، وحسب فحيلي فإن هذا النمو يتطلب الإصلاحات من قبل الدولة التي تصر على عدم إقرار الإصلاحات التي تنهض بالقطاع العام.

النمو الاقتصادي هو السبيل لعافية لبنان 

فحيلي يعتقد أن الممر الإلزامي لتحسين واقع المواطن اللبناني هو النمو الاقتصادي من خلال اعتماد سلسلة مسارات، من إنقاذ الاقتصاد، ثم الإنعاش، فالتعافي، وصولاً إلى النمو الاقتصادي.

وفي سياق متصل، يؤكد فحيلي أن نهج الدولة اللبنانية المعتمد ترقيعي وتعديل الرواتب غير فعّال؛ لأن هذا التعديل ليس بالضرورة أن يُفضي إلى تحسين للرواتب، هذا ويمكن إثباته من خلال قدرة المواطن الشرائية المحدودة التي لا يمكن استعادتها إلى ما قبل العام 2019، تاريخ بدء الأزمة الاقتصادية؛ لأن العوامل الاقتصادية الداخلية والخارجية تغيرت.

ويرى فحيلي بأن اليوم وبفضل العوامل الاقتصادية، صار لبنان يستورد ما يقارب 70% من استهلاكه، كذلك من المواد الأولية التي يستعملها في صناعاته المحلية، بالإضافة إلى الضغوطات التضخمية في كل أنحاء العالم التي أثرت على لبنان وعلى واقع المواطن المعيشي، وتدهور العملة المحلية بسبب سوء إدارة المالية العامة وهذا عامل إضافي ضاغط لزيادة نسبة التضخم.

ومن العوامل التي تنعكس أيضاً على الاقتصاد اللبناني، غياب الرقابة من قبل السلطات أصحاب الاختصاص، لا سيما وزارة الاقتصاد، على التجار، ما يسهم في زيادة الاحتكار.

فحيلي شدد على ضرورة التركيز في المرحلة المقبلة على الإنتاج المحلي وليس على الاستيراد، كما المطلوب إدارة فعالة للاقتصاد ولا سيما المالية العامة، من أجل الاعتماد على الإيرادات أكثر وليس على الدين من أجل سد العجز في الموازنة العامة.

يبقى الأهم تفعيل الرقابة من أجل الحد من الاحتكار ومن أجل العبور من مرحلة التعافي إلى النمو الاقتصادي الجيد.

(أ ب)

ANHA