عام على الأزمة السودانية ولا حلول في الأفق – هيفيدار خالد

عام على الأزمة السودانية ولا حلول في الأفق – هيفيدار خالد
26 نيسان 2024   07:00

دخلت الحرب السودانية عامها الثاني، تاركة وراءها آلاف القتلى والجرحى، وآلاف الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل نتيجة عمليات التهجير القسري واللجوء إلى دول الجوار هرباً من آلة الحرب القاتلة، والبحث عن حياة أكثر أماناً بعيداً عن المحرقة التي اصطلوا بنارها، لا سيما النساء والأطفال، الذين تعرضوا لعشرات الانتهاكات وعمليات الإتجار بالبشر والاعتداءات الجنسية على يد طرفي الصراع في البلاد.

فبعد مرور عام على ما شهدته البلاد من قتل ودمار، تحوّلت العاصمة السودانية الخرطوم إلى مدينة أشباح وسط وضعٍ مأسويٍّ كارثي، زاد المشهد تعقيداً، فلا أحد يستطيع التنبّؤ بما ستؤول إليه الأوضاع، فالملايين من النازحين السودانيين في ولاية كردفان، وإقليم دارفور والخرطوم جائعون يتربص بهم الموت، دون أي وسيلة تمكنهم من الوصول إلى المساعدات أو إيصالها إليهم بشكل مستمر، كي يواصلوا حياتهم على الرغم من الحرب التي أتت على جميع مقدراتهم وما تزال تستعر في أغلب مناطق البلاد.

الحرب التي اندلعت بسبب الخلاف بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، الحليفين السابقين، على خطة سياسية مدعومة دولياً للانتقال بالسودان إلى حكم مدني، تسببت بخسائر هائلة في قطاعات الحياة الرئيسة كافة، ودمرت البنية التحية والمراكز والمؤسسات الخدمية بشكل كامل، لبلد كان يعاني أساساً من أزمة اقتصادية كبيرة، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه للتدخل في شؤونه من كل حدب وصوب، بدءاً من الدولة الجارة أثيوبيا التي زاد تدخلها الأزمة تعقيداً، إلى إيران، وأمريكا ومن ثم روسيا، الباحثة عن موطئ قدم لها وتحقيق مصالحها على حساب الشعب السوداني ومصلحته.

الصراع على ما يبدو، سيطول بسبب استمرار التدخل الخارجي المباشر، وسط مخاوف من تمدده إلى دول أخرى وخروجه عن السيطرة، وهو ما ينذر بنتائج كارثية وتداعيات كبيرة وخطيرة على المنطقة برمتها.

أحد الأسباب التي ساهمت في إطالة عمر الأزمة في السودان عدم إجراء حوار مباشر بين طرفي الصراع المتمثلين بالجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ بدء المعارك بينهما منتصف شهر نيسان الماضي، بالإضافة إلى عدم وجود مكون مدني قوي في البلاد يستطيع قيادة تفاهمات حقيقية على الأرض بين أطراف الأزمة السودانية وفتح مسار حقيقي لحوار جاد يفضي إلى حل ناجع للمعضلة السودانية.

ومن الأسباب التي فتحت الطريق أمام تعمّق الحرب السودانية أكثر، اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث توجّهت أنظار الدول الغربية جميعها إلى التطورات الجارية في أوكرانيا، وانشغالها بتقديم الدعم اللازم لها ضد روسيا، بالإضافة لتقصير القوى والأطراف الدولية في معالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وتعمّد أطراف الصراع التمسك بمواقفها وعدم تقديم أي تنازلات تذكر؛ لعدم وجود أي ثقة فيما بينها من شأنها خلق أرضية مناسبة تفضي إلى تفاهمات، أضف إلى ذلك ضعف المؤسسات الأفريقية في طرح مبادرات جادة أو العمل على تنفيذها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من الدول العربية كمصر والسعودية، حاولت إيجاد مخرج للحرب المشتعلة، ودعت لعقد جلسات ومشاورات مرات عدة في العاصمة المصرية القاهرة وفي مدينة جدة السعودية، بالإضافة إلى وساطات دولية وخارجية، إلا أن جميعها فشلت في إيجاد حل للأزمة التي استعصت على الحلول جميعها.

ودون اجتماع الأطراف المعنية التي تهمها قضية الشعب السوداني، على طاولة حوار داخلي يؤسس لمرحلة مناقشات حقيقية وجادة، فإنه من المستحيل أن نشهد أي تطورات ملموسة بهذا الخصوص، بل سيزداد عدد القتلى والجرحى وعدد النازحين واللاجئين في دول الجوار وتتفاقم أوضاع النساء اللواتي يتعرضن لشتى الانتهاكات ولجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بشكل ممنهج. بالإضافة إلى تفشي العديد من الأمراض المعدية والمزمنة نتيجة استخدام الأسلحة بشكل كثيف ولفترة طويلة من الزمن وخاصة بين الأطفال.

السودانيون عامة والمرأة على وجه الخصوص، ذاقوا الأمرّين ما بين التشرد والنزوح والاعتداء، وسط وضع كارثي يعد الأسوأ في العالم، فالمرأة هناك باتت وحيدة تكافح الموت في معارك خاضها الرجال على حساب حياتها واستقرارها وأملها الذي تلاشى مع إغراق البلاد في دوامة الغد المجهول.

آلاف الأطفال حرموا من التعليم وآلاف فُقدوا والديهم وأشقاءهم وذويهم وشُرِّدَ الملايين وبات مصير الكثير منهم مجهولاً بعد أن تحوّلت جغرافية البلاد إلى كتلة نارٍ ملتهبة أحرقت الأخضر واليابس، لذلك لا بد للسودانيين من مخرج من هذه الحرب عبر الحلول السلمية لا العسكرية؛ لأن العنف لا يولد سوى المزيد من الدمار والنهب والسلب والقتل والموت.

وبحسب التقديرات الأولية فقد خلفت الحرب آلاف القتلى، بينهم نحو 15 ألفاً في مدينة واحدة في إقليم دارفور غرب البلاد، لكن العدد الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير، فضلاً عن نزوح ستة ملايين ونصف المليون سوداني، بينما لجأ أكثر من مليونين ونصف المليون إلى دول الجوار، وبقي ما يقارب 18 مليون سوداني، من بين إجمالي السكان البالغ عددهم 48 مليوناً، يعانون في بلاد تشهد الويلات من حرب ضروس تعذرت عليها الحلول على الرغم من الوساطات الإقليمية والدولية المكثفة.