تعمل دولة الاحتلال التركي على مشروع استيطان جديد في المناطق السورية المحتلة، عبر ما تسميه "مشروع إعادة مليون لاجئ سوري من تركيا إلى البلاد"، بعد أن هجّرت سكان المنطقة الأصليين، من خلال هجماته المستمرة، واحتلالها لمناطق متفرقة من الجغرافية السورية.
ففي الـ 3 من أيار/ مايو الحالي، أعلن رئيس دولة الاحتلال التركي عن نية بلاده في بناء مستوطنات جديدة في 13 منطقة من المناطق المحتلة، لاستيعاب ما أسماهم "مليون لاجئ سوري عائد طواعية"، بعد أن قامت ببناء مستوطنات بدعم من منظمات وجمعيات اخوانية قطرية وكويتية، في مناطق من عفرين المحتلة.
ويؤكد المحلل السياسي الكردي، جوان يوسف، أن مسألة الإعادة الطوعية التفافٌ على القرار الدولي ٢٢٥٤ الذي ورد في حيثياته ضرورة إعادة اللاجئين الطوعية إلى أماكن سكناهم بعد توفير البيئة الآمنة، وهذا ينسجم تماماً مع قوانين الهجرة واللجوء الذي يمنع الإعادة القسرية للاجئين دون توفير البيئة الآمنة لهم.
وقال في تصريح هاتفي لوكالتنا: "ليس هناك بيئة آمنة كي تتم إعادة اللاجئين وتوطينهم في مناطق غير مناطقهم، فكل التقارير تشير إلى أن الأمان ما زال مفقوداً وأن أسباب الحياة تكاد تكون معدومة، يضاف إلى ذلك أن الإعادة يجب أن تتم إلى مناطق سكناهم الأصلية، وليس إلى مناطق يتم اختيارها من قبل أردوغان"، لافتاً إلى تناقضها مع الاتفاقات الدولية بما فيها قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ المتعلق بسوريا.
'خلق مجتمع موالٍ لتركيا'
وأشار يوسف إلى أن مشروع أردوغان بتوطين اللاجئين السوريين هو جزء من محاولة لاستحقاق انتخابي، في الانتخابات المقرر إجراؤها عام 2023، إلا أنه في جوهره، له علاقة بمسألة أخرى وأخطر من ذلك، قائلاً "يهدف إلى خلق مجتمع موالٍ لتركيا كما فعل ويفعل في الشمال السوري منذ سنوات وإحداث تغيير جيو سياسي في المنطقة الكردية الموجودة على طرفي الحدود".
وأضاف: "حيث يتم إيجاد منطقة سكانية مختلطة لقطع الطريق على أي حلم كردي كما فعل حزب البعث في الجزيرة عبر مشروع الحزام العربي في بداية السبعينات من القرن الماضي، فبلا شك، يتفق النظامان التركي والسوري في ذلك ـ من الناحية الاستراتيجية ـ ولا أعتقد أن ذلك سيكون عائقاً أمام عودة العلاقات التركية السورية"، مؤكداً على اتفاق النظامين على إضعاف الكرد وحلمهم.
والحزام العربي مشروع أطلقه حزب البعث في عام 1963 وجرى بموجبه ترحيل الكرد من قراهم في منطقة الجزيرة بعد الاستيلاء على أراضيهم وإسكان آخرين من مناطق سورية مكان الكرد.
ولفت يوسف إلى مخاطر مشروع أردوغان بتوطين اللاجئين، على الشعوب الكردستانية عموماً، قائلاً: "ما يفعله الرئيس التركي أردوغان أخطر من مشروعه التغيير الديمغرافي؛ لأن الأمر يتعلق بالجغرافية والمجتمع الكردستاني ومحاولة قطع أي ارتباط وامتداد كردستاني بين الجزء المحتل من قبلها والجزء الملحق بسوريا، وهذا في واقع الأمر أخطر مشروع يمكن أن يواجه مستقبل القضية الكردستانية. وأقول كردستانية؛ لأن الأمر لا يتعلق بالكرد وحدهم، وإنما بكل المكونات المتجاورة والمتعايشة على أرض كردستان".
وقال يوسف مبيناً أطماع دولة الاحتلال التركي "تركيا لم تخفِ أطماعها على الإطلاق، وهي على لسان أردوغان تكرر ذلك مراراً، إذ أعلن مراراً عن رغبته في استعادة ماضي وأمجاد الدولة العثمانية، لذلك تعمل تركيا على خلق مجتمع موالٍ لها في المناطق التي احتلتها، بحيث إنها حتى وإن لم تتمكن من البقاء فيها فقد أوجدت أدوات تستطيع الاعتماد عليها وتحريكها متى شاءت".
وأضاف "وربما تأتي اللحظة التي يستطيع استخدامها في استفتاء شعبي للانضمام إلى تركيا أو إعطائها مبرراً لدخول المنطقة عسكرياً كما فعلت روسيا في أوكرانيا عندما قامت بتجنيس مليون أوكراني وتذرعت بحمايتهم وهم اليوم يقاتلون إلى جانبها في دونباس".
ولا يرى يوسف في مشروع دولة الاحتلال التركي "المستوطنات" ضمن المناطق المحتلة، تغييراً ديمغرافياً فحسب، مؤكداً أنه تغيير جيو سياسي يشمل الجغرافية والبشر والهوية والانتماء.
ولفت يوسف إلى أن دولة الاحتلال التركي تستغل اللاجئين السورين سياسياً وأمنياً وعسكرياً، حينما تشاء ولا ترى فيهم لاجئين فروا من الحروب الدائرة في بلادهم، وقال "وقد فعلت، جعلتهم مرتزقة وأرسلتهم إلى ليبيا وحاربت بهم في سري كانيه وعفرين، والآن تستخدمهم في مشروعها لتغيير التركيبة السكانية، وقامت بتجنيسهم لتعيدهم إلى سوريا كقوة انتخابية لصالحها في المستقبل".
(أم)
ANHA