تستعد الدولة التركية بالتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، لشن هجمات إبادة جماعية جديدة وشاملة في باشور (جنوب كردستان)، فما هي خطتها في سوريا وروج آفا؟ كيف سيكون رد روج آفا على اعتداءات المحتلين على باشور؟ هل روج آفا مجرد جزء من هجمات المحتل على باشور كردستان أم أنها منطقة استراتيجية وهدف للدولة التركية؟ كيف سيتم تنفيذ خطة الهجوم المحتمل على روج آفا، وما هي التطورات المحتملة؟
يمكن إضافة المزيد من الأسئلة، لكن التطورات الميدانية تظهر أن الدولة التركية، بدعم من حلف الناتو وتعاون من الحزب الديمقراطي الكردستاني وتابعيه في روج آفا المتمثلين بالمجلس الوطني الكردي، يمكن أن تشن هجوماً واسع النطاق على روج آفا، واستغلال الفراغ الذي أحدثته صراعات القوى العالمية.
وجدت الدولة التركية فراغاً جديداً بين روسيا والولايات المتحدة بسبب حرب أوكرانيا. على الرغم من أن هذا قد يكون مؤقتاً، إلا أنها تريد استغلال هذا الفراغ لشن هجمات جديدة.
الاستعدادات لاحتلال باشور كردستان وضعت هجوماً محتملاً على روج آفا على جدول الأعمال.
ما هي خطة الدولة التركية؟
الهدف الأساسي للدولة التركية هو أن تصبح قوة مهيمنة إقليمية في الشرق الأوسط، من خلال تنفيذ إبادة الشعب الكردي. وتحاول بالفعل إلحاق مناطق جديدة وإضافتها إلى الأراضي المحتلة في روج آفا وسوريا. تم تعليق القضية السورية الآن بسبب الحرب في أوكرانيا بين القوى العالمية. قد يخلق هذا فرصة لهجمات جديدة من قبل الدولة التركية. لهذا قلصت روسيا وكذلك حكومة دمشق هجماتهما على إدلب.
إن تراجع حماسة روسيا حول إدلب يسمح للدولة التركية بإعادة تأسيس مرتزقتها. وتشير الأنباء أيضاً إلى إرسالها قوة جديدة إلى إدلب مؤخراً. كما سارعت في بناء المستوطنات في عفرين وغيرها من الأراضي المحتلة بدعم مالي من دول مثل قطر والكويت.
يبدو أن الدولة التركية قد رأت فرصة لتعزيز قواتها في مناطق مثل روج آفا وشمال سوريا وإدلب. تظهر هذه الحقيقة أيضاً أن اعتداءات وهجمات الدولة التركية في سوريا وروج آفا هي هجمات استراتيجية.
ومن الخطأ ربط الهجمات المحتملة للدولة التركية على روج آفا بما يحدث في باشور كردستان فقط؛ بل الحقيقة هي أن الدولة التركية تعتزم الوصول إلى حدود الميثاق المللي في خضم الحرب العالمية الثالثة، لذلك فهي تهدف إلى احتلال جميع أنحاء كردستان وجعل الإبادة الجماعية للكرد هدفاً استراتيجياً لها.
الهجمات على عين عيسى وتل تمر
صعّدت الدولة التركية هجماتها على مناطق الشهباء انطلاقاً من المناطق التي تحتلها في الباب وإعزاز، وليس هذا فحسب؛ بل إن عين عيسى وتل تمر هما أيضاً هدفان رئيسان للهجمات. وعلى الرغم من الصراعات العميقة الموجودة في هذه المناطق، إلا أن الدولة التركية لم تحقق أهدافها عامي 2020-2021. حيث أبدت قوات سوريا الديمقراطية مقاومة تاريخية.
لكن الدولة التركية التي تستعد لهجمات احتلالية على باشور كردستان، تستعد من جهة أخرى لشن هجمات جديدة على روج آفا وشمال وشرق سوريا، بشكل متزامن أو مؤقت، وهجمات الاحتلال الأخيرة على عين عيسى وتل تمر دليل على ذلك.
ما أهمية هاتين المنطقتين، ولماذا تستهدفهما الدولة التركية؟
أولاً؛ الهجمات على تل تمر تأتي في إطار مساعي فصل خط الحسكة وقامشلو، وكذلك فصل خط الجزيرة وإقليم الفرات والرقة من خلال الهجمات على عين عيسى.
كما تسعى الدولة التركية من خلال هجماتها على متينا إلى احتلال مناطق الدفاع المشروع تباعاً واحدة تلو الأخرى، فإنها تنفذ هجمات احتلالية على عين عيسى وتل تمر بالتكتيكات نفسها.
إذا أمكنها احتلال تل تمر، فإن هجمات الاحتلال ستمتد على خطين إضافيين إلى الشرق والشمال، ومن ناحية أخرى سيحاولون تطويق الحسكة وقامشلو. إن فصل هاتين المقاطعتين الكبيرتين يعني تقسيم إقليم الجزيرة.
في 20 شباط، تعرض سجن الصناعة في الحسكة لهجوم من قبل مرتزقة داعش من الخارج، وكان الهجوم من ضرورات هذه الخطة. لكنها لم تنجح. الآن قد يتم السعي إلى تحقيق هذا الهدف مرة أخرى بتكتيكات مغايرة.
في حال حدث أي هجوم محتمل، فسيتم السيطرة على طرق المواصلات في إقليم الفرات بشكل كامل، مما يترك كوباني عرضة لهجوم إبادة خطير من قبل الاحتلال. علاوة على ذلك، فإن ما يعتبر ميزة كبيرة بالنسبة للدولة التركية هو أن روج آفا تقع تقريباً على الحدود مع كردستان الشمالية المحتلة بالكامل، وتعتبر ذلك فرصة لهجوم محتمل.
إذا حاولت الدولة التركية تنفيذ هذه الخطة في روج آفا وشمال سوريا، فستصبح المنطقة كلها ساحة حرب، وقد تواجه أكبر حرب في سوريا منذ عام 2011، لأنه في مثل هذه الحالة سيتم تعبئة واستنفار جميع القوات الدفاعية في شمال وشرق سوريا؛ بل يمكن أن تتحرك القوات لصد هجمات الاحتلال المحتملة على كل من عين عيسى وتل تمر وكوباني وقامشلو والحسكة وصولاً إلى منبج، دون انتظار وقوع هذه الهجمات من قبل الدولة التركية. كما ستتحول المنطقة الممتدة من ديرك إلى عامودا وعلى طول الخط وصولاً إلى الدرباسية إلى ساحة حرب.
الخنادق
وردت أنباء في الأيام الماضية عن قيام الدولة التركية بحفر خندق على خطي سري كانيه - تل تمر وكري سبي - عين عيسى، مما يشير إلى نيتها إلحاق هذه المناطق بأراضيها. علاوة على ذلك، إذا حدثت هجمات احتلالية على خطي عين عيسى وتل تمر، فإن الغرض من هذه الخنادق هو منع قوات سوريا الديمقراطية من دخول المناطق المحتلة وتحريرها.
وقد أوكلت مهمة بناء التحصينات والجدران بين باشور وباكور، إلى الميليشيات الموجودة في روج آفا، وكذلك الاعتماد على التكنولوجيا المتطورة والخنادق.
كما أن إنشاء الخنادق دليل على خوف الدولة التركية، على الرغم من أنها حشدت كل قواتها في الهجمات على عين عيسى - تل تمر، إلا أنها لم تستطع التقدم خطوة واحدة. في حال اندلاع حرب أوسع، يمكن تحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة المرتزقة مرة أخرى.
حكومة دمشق والحسابات الخاطئة
من القضايا المهمة الأخرى هي السياسة الحالية لحكومة دمشق.
تدّعي حكومة دمشق أنها تحاول تحرير إدلب من احتلال الدولة التركية ومرتزقتها، لكنها لا تزال تحافظ على عداءها لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية. وهذا ليس التناقض الوحيد. فمن جهة، تدّعي حكومة دمشق أنها تحاول تحرير إدلب من الاحتلال التركي، ومن جهة أخرى تجري محادثات سرية مع الدولة التركية.
تدل هذه الحقيقة على أن حكومة دمشق تستسلم للدولة التركية، وحولت بلادها إلى ساحة لذهنية الدولة القومية القائمة على الإنكار، وحولتها إلى منطقة هيمنة.
من الواضح أن حكومة دمشق مضطرة للتراجع عن هذه السياسة المضللة والاعتماد على مصادر قوتها الأساسية. يجب تحييد المخططات القائمة على بقاء النظام البعثي وإقامة علاقات مع الإدارة الذاتية والتوصل إلى اتفاق حول جمهورية ديمقراطية خالية من الاحتلال والإبادة الجماعية والصهر القومي.
يجب على حكومة دمشق ألا تتهرب من هذا الأمر. الإدارة الذاتية ليست بحاجة إلى دمشق، لكن دمشق بحاجة إليها بشكل أكبر. عندما احتل داعش والنصرة ومجموعات مرتزقة أخرى سوريا بدعم من الدولة التركية، لم تكن حكومة دمشق هي التي تدافع عن المنطقة، بل وحدات حماية الشعب والمرأة، ولاحقاً قوات سوريا الديمقراطية. إن تشكيل وظهور هذه القوات الأمنية وتنظيمها لم يتم بدعم حكومة دمشق، إلا أن بقاء حكومة دمشق كان نتيجة مقاومة هذه القوات الأمنية. على حكومة دمشق أن تتخلص من عقليتها القوموية وترى وتقبل هذه الحقيقة. إنها مضطرة للتغيير والتصالح مع الديناميكيات الداخلية للبلاد، ومن جهة أخرى الوقوف ضد الاحتلال وضمان تحولها الداخلي بطريقة ديمقراطية.
إذا تحقق التوافق سوف يكون ذلك لصالح سائر الشعب السوري
إذا تم التخلص من رهاب معاداة الكرد ضد الاحتلال التركي، فستجد حكومة دمشق حينها أرضية للمصالحة مع الإدارة الذاتية. هذا هو الخوف الحقيقي للدولة التركية. الصفقات السرية مع حكومة دمشق تدور حول هذا الأمر. لكن هذا لا يفيدها ويجعل بلادها عرضة للاحتلال التركي.
إذا تخلت حكومة دمشق عن هذه العقلية والسياسة الخاطئة، فمن المؤكد أنها ستفيد شعب سوريا والشرق الأوسط بأكمله، وستتحرر المنطقة من فاشية الدولة التركية. في هذه الحالة سيكون المستفيدون هم كل أبناء سوريا والمنطقة. وعليه فإن الخاسر الأكبر هو حكومة دمشق نفسها. لأنه إذا أقيمت علاقة مع الدولة التركية من خلال هزيمة الإدارة الذاتية، فإن الدولة التركية ستحاول احتلال كل شمال وشرق سوريا وحلب وإدلب أيضاً بما يتوافق مع الأطماع العثمانية. إن لم تكن الدولة التركية قادرة على تنفيذ هذه الخطط اليوم، فإن هذا بفضل الإدارة الذاتية وقواتها الدفاعية. لكن حتى لو واصلت حكومة دمشق سياستها الحالية، فسوف تواصل الإدارة الذاتية وقواتها الدفاعية المقاومة، وهناك بالتأكيد فرص لتحقيق النصر وإنهاء الاحتلال التركي للمنطقة بأكملها. في مثل هذه الحالة سوف ينتهي وجود حكومة دمشق. كما أن الشعب السوري لن يقبل بذلك.
(ك)