​​​​​​​هل السودان ضحية للصراع الدولي على ثروات أفريقيا؟

دخلت الأزمة السودانية شهرها الثاني دون توقف للصراع المسلح بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وحليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو الشهير حميدتي قائد قوات الدعم السريع.

رغم الجهود الأميركية والسعودية لوقف إطلاق النار والاتفاق على أكثر من هدنة إلا إن المعارك لم تتوقف ولم يلتزم كلا الطرفين بالهدنة التي تم الاتفاق عليها بعد مباحثات بالسعودية.

وعلى مدار خمسة أسابيع متواصلة لم يتوقف القتال في العاصمة الخرطوم، فضلاً عن اندلاع العنف في مناطق أخرى من البلاد، من بينها منطقة دارفور الغربية.

وتقول الأمم المتحدة إن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة قفز إلى 25 مليوناً، أي أكثر من نصف سكان السودان.

حرب بالوكالة

https://www.hawarnews.com/ar/uploads/files/2023/05/28/181617_frydh-albndary.jpg

وبحسب خبراء فإن الأزمة في السودان جزء من صراع دولي على السودان تحديداً وأفريقيا بشكل عام، خاصة أن كلا الطرفين المتحاربين يرتبطون بعلاقات دولية وإقليمية متباينة، وهو ما يجعل الأمر أشبه بحرب الوكالة.

الباحثة في الشؤون الأفريقية ونائبة الرئيس التنفيذي‏ لدى ‏المركز العراقي - الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، فريدة البنداري، ‏‏إن ما يحدث بالسودان جزء من الصراع الدولي وتحديداً الأميركي - الروسي على الثروات في أفريقيا.

وقالت لوكالتنا: "هذا التنافس على تنامي النفوذ والصراع بين موسكو وواشنطن في عموم أفريقيا والسودان ليس بجديد، لافتة أن الحرب الأهلية في السودان طوال فترة الثمانيات حتى انفصال جنوب السودان كانت مجالاً للتنافس بينهما ففي الوقت رحبت الولايات المتحدة الأميركية بانفصال الجنوب، كانت روسيا ترفض الانفصال وتحذر من تداعياته، ولكن سرعان ما تأقلمت روسيا مع القرار السوداني بالانفصال".

وتابعت "كانت روسيا الملجأ والحليف العسكري الأول لنظام البشير في مواجهة ضغوط أميركا، وكان هناك شبه اتفاق على تدشين قاعدة عسكرية بحرية روسية في السودان ولكن واشنطن تدخلت وطلبت عقد اتفاقية عسكرية وبناء قاعدة أميركية في السودان ولكن الأمر لم يكتمل أيضاً نظراً لحدوث الثورة السودانية".

وأشارت الباحثة إلى أنه "عقب سقوط نظام البشير، دعمت أميركا الجيش السوداني بشكل كبير حيث ألغت العقوبات الاقتصادية، ورفعت اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. في المقابل كانت هناك علاقات روسية مع قوات الدعم السريع وزعيمها حميدتي والذي تكررت زيارته لموسكو".

ثروات السودان

ووفقاً للباحثة في الشؤون الأفريقية فإن ما يمتلكه السودان من موقع استراتيجي على البحر الأحمر وموانئ وثروات طبيعية مثل ميناء بورتسودان، فضلاً عن الجيش السوداني على مستوى التكوين والتسليح هما المجالات الأوسع للصراع بين واشنطن وموسكو في السودان خاصة والقرن الأفريقي عامة.

وأشارت إلى أن السودان يمتلك أفضل أرض صالحة للزراعة على وجه الأرض فوفقاً لتقديرات منظمة الفاو فإن زراعة موسم واحد في السودان من القمح والخضروات والفواكه والأعلاف بكل المساحة يكفي لإطعام 800 مليون نسمة لمدة سنة، لكن ما تتم زراعته فعلياً لا يتجاوز 2% فقط من مساحة الأرض الصالحة للزراعة والتي تبلغ 175 مليون فدان (71 مليون هكتار تقريباً) نظراً لقلة الإمكانيات فضلاً عن الصراعات والأزمات التي تضرب السودان والتي يمكن اعتبارها جزء من الصراع الدولي على السودان وخطة دولية معتمدة لعدم السماح للسودان باستخدام خيراته.

كما يعتبر السودان من أوائل الدول في إنتاج الذهب، حيث ينتج بين 95 – 100 طن سنوياً من الذهب، ولكن لا يدخل الخزينة العامة أكثر من 30 طناً، وباقي الكميات يجرى تهريبها إلى الخارج.

أفريقيا وفاغنر

وتعتقد فريدة "أن استراتيجية السياسة الخارجية الروسية تهدف إلى تعزيز نفوذها في الدول الأفريقية، معتبرة أن التدخل الأمني العسكري في جمهورية أفريقيا الوسطى بواسطة مرتزقة فاغنر كان له الفضل في عودة الكرملين إلى الاضطلاع بدور أمني عسكري في القارة الأفريقية لافتة في الوقت نفسه إلى إن هذا لا يعني أن روسيا تملك الآن الأدوات السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية أو أدوات القوة الناعمة اللازمة للتنافس مباشرةً مع واشنطن".

وترى الباحثة أن "روسيا تحاول أن تعزز نفوذها السياسي والعسكري في القارة الأفريقية قدر المستطاع، لكنها بدأت من قاعدة منخفضة للغاية، فعلى سبيل المثال، لم يتم إبرام اتفاقيات الدفاع الأساسية مع عدد معين من البلدان الأفريقية، ولا يعد وجود بضع مئات من المتعاقدين الروس مقارنة بـعدد 7000 فرد فرنسي و6000 فرد أميركي على الأقل سيؤثر على المشهد الاستراتيجي الحالي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى". 

وأشارت إلى أنه رغم نجاح روسيا في السنوات الأخيرة في إحداث اختراقات مهمة في القارة الأفريقية عن طريق مرتزقة فاغنر فإن المقارنة بمنافسيها (واشنطن – فرنسا) تكشف عن وجود قدر من المبالغة في تضخيم الدور الروسي في القارة الأفريقية.

الاستراتيجية الروسية في أفريقيا

وتعتقد الباحثة أن "روسيا تتمتع بالقبول الأفريقي بصفتها دولة ذات وجود غير استعماري في أفريقيا وتمتلك تراث من سياسات مناهضة للاستعمار من سابقاتها في أفريقيا واستعدادها لتبني سياسة شراكة الحقوق المتساوية".

وترى أن "السعي الروسي في أفريقيا هو من باب التنافس بين القوى العظمى، حيث تسعى موسكو للحد من النفوذ والسلطة والوجود الغربي؛ واكتساب نفوذ سياسي على الحافة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية وساحل البحر الأحمر، ودعم وحماية جوانبها في القارة الأفريقية؛ وتأمين الوصول إلى مرافق الدعم لقواتها البحرية في المحيط الهندي؛ ومواجهة النفوذ الصيني".

وبحسب فريدة فإنه "لا ينبغي تجاهل التطورات الأخيرة المتعلقة بالبصمة الأمنية لموسكو في بعض بلدان جنوب الصحراء الكبرى؛ ولكن لا ينبغي المبالغة فيها".

صراع الأفيال

وتشير الباحثة إلى أن "الانفتاح الروسي على أفريقيا لم يتحول حتى الآن إلى دعم سياسي كبير من الدول الأفريقية على المستوى الدولي، وهو ما يكشفه التحليل المتعمق لكيفية تصويت الدول الأفريقية على قرارات الأمم المتحدة التي تؤثر بشكل مباشر على مصالح روسيا، وعلى سبيل المثال الحرب الروسية - الأوكرانية خاصة في بداية اندلاعها فرأينا كم الدول الممتنعة من التصويت والتي لم تحضر أصلاً عملية التصويت".

وبسؤالها هل ستدفع أفريقيا ثمن الصراع بين موسكو وواشنطن؟ أكدت خبيرة الشؤون الأفريقية أن "أفريقيا ستدفع من مواردها وأرضها وشعوبها الثمن، فعندما تتصارع الأفيال لا تسأل عن العشب والأشجار الصغيرة. وهناك تصريح بذلك حين قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، إنها ناقشت موضوع العقوبات ضد روسيا الاتحادية، مع جميع الدول التي زارتها خلال جولتها الأفريقية وحثتها على الالتزام بهذه العقوبات".

(ي ح)

ANHA


إقرأ أيضاً