تواصل دولة الاحتلال التركي أطماعها الرامية إلى توسيع نطاق احتلالها ونفوذها في مناطق الشرق الأوسط، وخاصة في العراق وسوريا، واستهداف شعوبها وإبادتها.
فبعد تراجع حدود السلطنة العثمانية بموجب معاهدة لوزان 1923 إلى حدود تركيا الحالية، والتي تضم الأناضول وجزءاً كبيراً من جغرافية كردستان، تواصل دولة الاحتلال التركي اتباع سياسة الإبادة الثقافية والجسدية بحق الشعوب، وقد أعلنت في عدة مناسبات نيتها في إلحاق الموصل وحلب بأراضيها، حيث تراهما ولايتين تركيتين من حدود "الميثاق الملّي".
وفي كلمة ألقاها أردوغان في 29 أيلول عام 2016 قال: "إن معاهدة لوزان كانت هزيمة بالنسبة للأتراك"، قاصداً بها التوجّه نحو احتلال أراضي شمال سوريا والعراق.
بعد مرور فترة على خطاباته، انتشرت مشاهد لمسرحية أداها جيش الاحتلال التركي في 24 آب عام 2016، تبادل فيها الأدوار مع داعش الذي كان يحتل مدن جرابلس والباب ومارع وإعزاز في ريف حلب الشمالي، ليعلن جيش الاحتلال احتلاله لهذه المناطق.
كان الهدف من ذلك احتلال المنطقة قبل أن تحررها قوات سوريا الديمقراطية، نظراً لسير حملة تحرير مدينة منبج بسرعة التي انطلقت في حزيران ذلك العام، حتى أن تركيا في هجومها استهدفت بعض نقاط مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية في ريف منبج وريف الباب الشرقي التي كانت قد تحررت حديثاً.
وفي مقابلة متلفزة لرئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو بثتها قناة "خبر تورك" اعترف بالاتفاقية التي جرت بين الاحتلال التركي وروسيا، وهي انسحاب ما يسمى بـ "الجيش الحر" التابع للاحتلال التركي من أحياء حلب الشرقية، مقابل السماح لجيش الاحتلال التركي بإطلاق ما يسمى بعملية "درع الفرات"، التي احتلت إبانها جرابلس والباب وإعزاز.
لماذا 24 آب؟
اختارت دولة الاحتلال التركي يوم 24 آب لشن هجماتها على الشمال السوري واحتلال المنطقة الممتدة من جرابلس حتى مدينة إعزاز، حيث يعد ما يسمى "يوم النصر" للأتراك في معركة مرج دابق في الـ 8 من آب عام 1516 بين العثمانيين والمماليك، التي أفضت إلى قضاء السلطان العثماني سليم الأول على قائد المماليك قانصوه الغوري في 24 آب من العام ذاته في منطقة دابق، لذلك سميت بمعركة مرج دابق.
ودابق هي قرية في منطقة إعزاز وتتبع إدارياً لناحية اخترين، على بعد 35 من مركز مدينة حلب السورية.
تحركات دبلوماسية
ترافق الهجوم التركي على جرابلس والباب وإعزاز في 24 آب عام 2016 مع زيارة لنائب الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن إلى تركيا، حيث أبدى دعمه المباشر للتحركات التركية في سوريا.
كما سبقها في 23 آب، وصول نيجيرفان البرزاني إلى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة رسمية تلبية لدعوة أردوغان.
وأبدى نيجرفان البرزاني تأييده للهجمات التركية وهاجم حزب العمال الكردستاني، بعد أن كان مسعود البرزاني نفسه قد ادّعى عام 2013 بأنه لا توجد ثورة في روج آفا، وأن مرتزقة تركيا من "الجيش الحر" لم يرتكبوا أي مجازر بحق الكرد في تل عران وتل حاصل.
ومن أبرز الخطوات التي قام بها الاحتلال التركي؛ أنه تعمّد خلال هجومه على المناطق المحاذية للشريط الحدودي في الشمال السوري، تدمير أحياء بأكملها، لا سيما في مدينة الباب المحتلة، وواصل إنشاء قواعد عسكرية على أنقاض منازل المدنيين المدمرة.
رفضاً لذلك، انتفض أهالي حي الشيخ عقيل في مدينة الباب المحتلة في وجه الاحتلال التركي مراراً في الفترة الأخيرة، إلا أن مرتزقتها قمعوا تلك المظاهرات.
المستوطنات
بعد احتلالها بفترة وجيزة، باشر الاحتلال التركي إنشاء المستوطنات في المنطقة الممتدة من جرابلس حتى مدينة إعزاز.
حيث عمل الاحتلال التركي على إنشاء أكثر من 500 وحدة استيطانية في مدينة الباب، تنتشر بشكل مكثف على الطريق الرئيس الواصل إلى مدينة جرابلس وإعزاز.
أما في مدينة جرابلس، فأنشأ أكثر من 300 وحدة استيطانية في المرحلة الأولى، ضمن ما يسمى مشروع "التجمّع السكني الاقتصادي"، وفي المرحلة الثانية نحو 540 وحدة استيطانية، وفي المرحلة الثالثة أنشأ أكثر من 800 وحدة استيطانية.
ويقع المشروع الاستيطاني في قرية العمارنة بريف مدينة جرابلس على الطريق الرئيسي، يصله بجميع القرى والبلدات التابعة لمدينة جرابلس.
وحسب ما كشفته ما تسمى "المجالس المحلية" التابعة للاحتلال التركي، فإن عدد الوحدات الاستيطانية في جرابلس وصل إلى 3782 وحدة سكنية، وأنشئ مجمع استيطاني في مدينة إعزاز من 400 وحدة.
نوايا احتلال طويل الأمد
لم تقتصر جرائم الاحتلال على النهب والتدمير وبناء المستوطنات فقط، بل استهدف الواقع التعليمي أيضاً، حيث فرضَ اللغة التركية.
وحسب مراقبين، محاولات اكتساب للسيادة التركية على الأراضي السورية، ونية بقاء طويلة الأمد للاحتلال التركي في الشمال السوري وضم المناطق السورية المحتلة للأراضي التركية حين تسمح الظروف الدولية بذلك.
لكن وفقاً لمعاهدة لاهاي عام 1907، والمواد من 42 إلى 56 واتفاقية جنيف الرابعة، المواد من 27 إلى 34 ومن 47 إلى 78، فإنه لا يجوز لأي سلطة احتلال أن تكتسب سيادة على أراض محلية لدولة أخرى.
الشمال المحتل.. مظاهر تجعلها أشبه بالمدن التركية
وحوّلت دولة الاحتلال التركي المظاهر العامة التي تدل على أن الشمال السوري من المدن السورية، إلى مظاهر شبيهة بتلك الموجودة في المدن التركية، من خلال رفع العلم التركي وصور أردوغان فوق جميع المؤسسات والدوائر التابعة للاحتلال ومرتزقته، بالإضافة إلى المدارس والساحات العامة والشوارع، كما تعمّدت تغيير أسماء الشوارع والساحات والمدن إلى أسماء تركية، وأبرز مثال هو تغيير اسم مدينة الراعي إلى (جوبان باي).
مصير الكرد
يوجد أكثر من 125 قرية كردية في المنطقة الممتدة من جرابلس حتى مدينة إعزاز، تمارس تركيا الضغط على سكانها بهدف طمس هويتهم الحقيقية.
وحسب مواطنين كرد في مدينة الباب المحتلة، فإن الاستخبارات التركية تستغل المدنيين في الشمال السوري المحتل، عبر فتح سجلات مزيفة على أن سكان المنطقة هم من أصل تركماني، وتواصل استغلالهم من خلال تزويدهم بالمواد الإغاثية والمال، بهدف ضمهم إلى الأحزاب التركمانية المشكّلة من قبلها.
وأشار المواطنون إلى أنهم يُمنعون من التحدث باللغة الكردية في تلك المنطقة، كما أنهم يُجبرون على تعلّم اللغة التركية، إذ يُمارس الضغط عليهم من قبل أحزاب والمجموعات المرتزقة التركمانية التي تعمل لصالح الاستخبارات التركية.
عين تركيا على حلب
وفي هذا السياق، قال الأمين العام لحزب التحالف الديمقراطي السوري، أحمد الأعرج، إن دولة الاحتلال التركي احتلت الشمال السوري بذريعة محاربة مرتزقة داعش، بعد تقدّم قوات سوريا الديمقراطية لتحرير منبج ومناطق جرابلس والباب.
وأوضح الأعرج أن تركيا احتلت الشمال السوري نيابة عن وكيلها داعش، حيث غيّر الأخير لباسه وانخرط ضمن ما يسمى "بالجيش الحر".
ولفت الأعرج إلى أن تركيا، بعد احتلالها للشمال السوري من جرابلس وحتى عفرين، لا تزال عينها على مدينة حلب وكامل الشريط الحدودي، تحت ما يسمى "الميثاق الملّي".
وبيّن الأعرج أن السوريين بحاجة إلى قوى وإرادة وطنية حقيقية والبدء بالحوار السوري ـ السوري لإنهاء الأزمة السورية وإنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية، وعدم المراهنة على مسار أستانا ومنصة جنيف وموسكو التي لا تخدم السوريين.
وطالب الأمين العام لحزب التحالف الوطني الديمقراطي السوري، حكومة دمشق بالإصرار على خروج الاحتلال التركي من الأراضي السورية.
احتلال طويل الأمد
من جانبه، أفاد المحامي علاء الدين خالد بأن القوانين الدولية والأممية لا تمنح تركيا حق احتلال الشمال السوري، كون سوريا "دولة عضوة في هيئة الأمم المتحدة".
وأوضح أن دولة الاحتلال التركي كانت ولا تزال تمد مرتزقة داعش بالسلاح والعتاد والمال أثناء احتلالهم للمنطقة الممتدة من جرابلس حتى إعزاز، مؤكداً أن جميع الطرق والمعابر كانت مفتوحة أمامهم، متسائلاً: كيف لتركيا أن تحارب داعش؟
وأكد المحامي أن عملية احتلال الشمال السوري كانت عبارة عن صفقة بين روسيا الاتحادية والاحتلال التركي لتسليم الأحياء الشرقية في مدينة حلب لقوات حكومة دمشق مقابل احتلال الشمال السوري.
وأشار إلى أن الشمال السوري لا يتوفر فيه الأمن والاستقرار في ظل وجود الاحتلال التركي ومرتزقته، على عكس ما تدّعيه دولة الاحتلال التركي بإنشاء منطقة "آمنة".
وفي ختام حديثه، أكد المحامي علاء الدين خالد أن التحرك التركي في الشمال السوري، تعزز وترسخ عملية احتلال طويلة الأمد.
تجدر الإشارة إلى أنه تسود هذه المناطق جرائم القتل والاشتباكات والتفجيرات التي تؤرق قاطنيها وتعرض حياتهم للخطر، إلى جانب الخطف والنهب والسطو على الممتلكات بشكل متعمد.
(س ر)
ANHA