تطورات متسارعة وأزمات جديدة تشهدها ليبيا هذه الأيام عقب الإعلان عن توقيع اتفاق نفطي بين حكومة الدبيبة المنتهية الولاية والحكومة الإيطالية.
ووفق تقارير صحفية ليبية، أغلق محتجون مجمع "مليتة" للنفط والغاز، النقطة الرئيسية لخط الغاز الرابط بين ليبيا وإيطاليا، بعد ساعات من الإعلان عن الاتفاقية التي وقعتها رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني مع الدبيبة خلال زيارتها إلى طرابلس، السبت.
وطالب المحتجون بوقف الاتفاقية، معتبرين أنها تمثل تنازلاً عن جزء كبير من حق الدولة في حقول الغاز التي يرتقب العمل بها من جانب شركة إيني الإيطالية، كما اتهموا المؤسسة الوطنية للنفط بإخفاء تفاصيل وبنود الاتفاقية.
اتفاق تاريخي
وكانت وسائل إعلام إيطالية قد وصفت الاتفاقية التي وقعتها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني السبت، في العاصمة الليبية طرابلس، بالتاريخية حيث تقدر بقيمة ثماني مليارات دولار لتطوير قطاع الغاز والطاقة الشمسية ومشاريع لالتقاط الكربون بهدف تعزيز إمدادات الطاقة إلى أوروبا.
وتشمل الصفقة إنتاج ما يصل إلى 850 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز البحري من البحر المتوسط.
وخلال المؤتمر الصحفي لمراسم التوقيع على الاتفاقية، وصف رئيس شركة إيني الإيطالية الاتفاقية بأنها الأهم في السنوات العشرين الأخيرة بين إيطاليا وليبيا.
انقسام معسكر الدبيبة
على الجانب الليبي، شدد فرحات بن قدارة، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، على مراعاة الاتفاقية لمصالح الدولة الليبية، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقية ستمكن من استثمارات لم تشهدها ليبيا منذ ربع قرن، مبيناً أن ليبيا تؤمّن جزءاً من مصادر الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي وسيتم العمل على تعزيز هذه الشراكة.
في حين أعلن وزير النفط بحكومة الدبيبة، محمد عون، رفضه أي صفقة تبرمها المؤسسة الوطنية للنفط مع إيطاليا، وقال في مقطع فيديو على موقع الوزارة على الإنترنت إن مثل هذه الاتفاقات يجب أن تعقدها الوزارة.
وقال وزير النفط في كلمة مرئية، إنه يجب على رئيس المؤسسة الوطنية للنفط أن يتقدم بمذكرة بالمبررات القوية لإعادة وفتح التفاوض مع الجانب الإيطالي في هذه المنطقة، مضيفاً أنه لا علم لديه بموافقة مجلس الوزراء على الاتفاقية، وإذا نوقشت القضية في غيابه فهو إجراء باطل، حسب قوله.
وحسب المادة 10 من الاتفاق السياسي الموقع بين القوى السياسية الليبية، فإن حكومة الدبيبة غير مصرح لها بتوقيع اتفاقيات إلزامية مع دول أخرى، وهي المادة التي استند إليها القضاء في طرابلس حين حكم ببطلان الاتفاقيات الموقعة بين الدبيبة وتركيا.
وكانت حكومة الدبيبة قد وقعت مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتفاقية مع دولة الاحتلال التركي للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية في خطوة رفضتها دول إقليمية مثل مصر واليونان.
اللجوء للقضاء
وعززت الاتفاقية النفطية مع إيطاليا الانقسامات الموجودة داخل ليبيا، حيث أعلنت حكومة فتحي باشاغا المكلفة من البرلمان رفضها توقيع أي اتفاقيات لها علاقة بالغاز من جانب حكومة الدبيبة.
ووصف باشاغا في بيان بحسب وسائل إعلام ليبية الاتفاقية بالغامضة، حيث تقضي بزيادة حصة الشريك الأجنبي وتقليص حصة الشريك الوطني في شركة مليتة للنفط والغاز، مشدداً على أن حكومة الدبيبة غير مؤهلة لتوقيع أي اتفاقات أو مذكرات تفاهم طبقاً لنص المادة 10 من الاتفاق السياسي والدولة الليبية لن تلتزم بأي اتفاقات أو مذكرات تفاهم مشبوهة الغرض والمألات بحسب وصفه.
كما أعلن باشاغا اللجوء للقضاء من أجل إبطال الاتفاقية كما سبق وتم في أكثر من مناسبة إبطال اتفاقات غير مشروعة.
واعتبر مراقبون أن الاتفاقية محاولات جديدة من قبل حكومة الدبيبة للبقاء في السلطة والحصول على دعم دول كبرى لحكومته حتى لوكان المقابل التنازل عن الثروات والسيادة الليبية كما سبق وفعل مع دولة الاحتلال التركي.
بيع ثروات ليبيا
ويرى الباحث السياسي أحمد عرابي أن شرعية الاتفاق غير موجودة نظراً لأنها لم يتم الموافقة عليها من البرلمان الليبي وهو أمر من شأنه تعميق الازمة السياسية في ليبيا خاصة بعد بيان وزير النفط في حكومة الدبيبة محمد عون واتهامه لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، بأنه يفرط في ثروة البلاد وفي مكتسبات تم الحصول عليها بعد مفاوضات مضنية.
وبحسب عرابي فإن الدولة الليبية الآن في حالة وهن، لذا فالجميع يسارع كي يستغل هذا الوهن، مشيراً إلى أن كل الاتفاقيات التي توقعها الحكومات المنقسمة ستكون في مصلحة الجانب القوي على حساب الجانب الأضعف الذى تمثله ليبيا.
وحول الدور التركي في الأزمة، اعتبر الباحث الليبي أن تركيا هي العسكري الأميركي في الخارطة العالمي الجديدة ولها دور كبير في ليبيا خاصة بعد توقيع الاتفاقيات الجديدة بين الدولتين، بالرغم من اعتراض مجلس النواب والقوى السياسية في البلاد إلا إن كل هذا الاعتراض لم يغير من الواقع شي، كما لم يتغير شيء بعد حكم المحكمة ببطلان الاتفاقية خاصة بعد أن قامت تركيا بمد نفوذها وعلاقاتها من الغرب للشرق الليبي وهو ما مثل دعم لحكومة الدبيبة.
ووفقاً لعرابي فإن الدبيبة بمثل هذه الاتفاقيات يبيع ثروات ليبيا مقابل بقاء الحكومة التي يترأسها فترة أطول حتى موعد الانتخابات التي لم يحدد موعد لها عقب فشل انتخابات 24 ديسمبر الماضية.
مصلحة روما
من جانبها ترى الكاتبة الصحفية مروة محمد الباحثة في العلاقات الإيطالية الليبية أن الحكومة الإيطالية تنظر للاتفاقية مع الجانب الليبي على أنها تاريخية نظراً لأنها تقود روما لتنويع مصادر الطاقة والعمل على استدامتها، والأهم أنها تجعل إيطاليا مركزاً لإمدادات الطاقة. كما ستسمح باستثمارات مهمة في قطاع الطاقة في ليبيا وتعزيز مكانة شركة إيني باعتبارها المشغل الأول في ليبيا.
وقالت لوكالتنا إن الاتفاق بين شركة إيني الإيطالية والمؤسسة الوطنية للنفط يأتي في إطار "خطة ماتي" وهو مشروع الطاقة السياسي لحكومة ميلوني مع دول شمال إفريقيا وشرق البحر المتوسط بهدف ضمان أمن الطاقة الإيطالي بعد "الغزو الروسي لأوكرانيا"، كما يهدف المشروع لتحويل روما إلى قطب لتوزيع الغاز إلى شمال أوروبا حيث يكون الاستهلاك أكبر مقارنة بالمناطق الأخرى.
وبحسب مروة فإن نجاح "خطة ماتي" معقد إلى حد ما بسبب قلة الاستثمارات في شمال إفريقيا وعدم الاستقرار خصوصاً في ليبيا.
وحول وجود تنسيق بين روما وأنقرة قبل توقيع الاتفاق، أكدت الباحثة المهتمة بالشؤون الإيطالية أن روما تخطط عبر حكومة ميلوني لاستعادة دورها الريادي في منطقة المتوسط والذي تراجع الفترة الماضية مع صعود منافسين كروسيا وتركيا.
وحول احتمالية بطلان الاتفاقية بحكم قضائي أو وقف تنفيذها حال رحيل الدبيبة، أكدت أن الإعلام الإيطالي لم يتطرق لهذه المخاوف مشددة على إن هدف روما الأكبر هو ضمان أمن الطاقة.
(ي ح)
ANHA