يشهد الشرق الأوسط والعالم أحداثاً واجتماعات ومساومات، البعض منها يجري ضد شمال وشرق سوريا، ويتم في وقت تشن فيه دولة الاحتلال التركي هجمات عليها وترتكب أفظع المجازر بحق شعبها، ويرى مراقبون ومحللون أن من يتفاوض أو يساوم مع تركيا شريك في مجازرها.
مؤخراً عقد في العاصمة الإسبانية مدريد قمة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) من أجل ضم السويد وفنلندا للحلف، وحاولت تركيا ابتزاز الحلف من أجل شن هجوم بري على شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى وضع قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي على "قوائم الإرهاب" وفشلت في ذلك، أعقبه اجتماع في العاصمة الإيرانية طهران بين روسيا وتركيا وإيران، وحاولت تركيا الحصول على ضوء أخضر لشن هجمات ضد شمال وشرق سوريا وبحسب المعطيات فإنها فشلت في ذلك أيضاً، إلا أنها أخذت الإذن بشن هجمات عبر المسيّرات ضد قياديين في قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية وأبناء شمال وشرق سوريا.
تغيّرات على المستوى العالمي.. والقوى الكبرى تعيد التموضع
وفي تصريح لرئيس المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، لوكالتنا أشار إلى أن العالم بأسره يشهد تغيّرات جديدة، وليس هناك أوضح مما قاله الرئيس الأميركي، جو بايدن خلال اجتماع مع رؤساء الشركات الكبيرة: "إن نظاماً عالمياً جديداً يتشكل"، وقبله أيضاً قال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي: "ما إن بلغني فجر ذلك اليوم المشؤوم أن القوات الروسية بدأت تقصف كييف، حتى أدركت أننا طوينا صفحة من التاريخ، وأصبحنا على عتبة مرحلة جديدة تقتضي منا، نحن الأوروبيين، أن نكون جاهزين لهذا التحدي الذي وضعتنا أمامه روسيا. في عالم تحكمه القوة، علينا أن نكون مستعدين لتطوير قدراتنا الدفاعية والوسائل العسكرية اللازمة".
بيّن نواف خليل: "هذه المسألة لا تؤثر على طبيعة العلاقات السياسية فحسب، بل تؤثر على الجانب الاقتصادي والأمن السيبراني، وهذا ينعكس على الشرق الأوسط. الأميركيون الذين كانوا يتحدثون عن مغادرة الشرق الأوسط وعدم الاعتماد على الطاقة فيها، بدأوا بتغيير البوصلة ويتجهون الآن باتجاه الشرق الأوسط، حتى الرئيس الأميركي الذي كان يتحدث بصورة سلبية عن المملكة العربية السعودية وولي العهد السعودي، والذي وصف السعودية بالدولة المنبوذة اضطر للذهاب إلى السعودية والاجتماع مع ولي العهد السعودي ومحاولة الضغط من أجل أن تزيد السعودية من حجم الصادرات النفط لتخفيف التضخم الذي تشهده أميركا والدول الأوروبية، وبالتالي إعادة تموضع القوى الكبيرة وخاصة أميركا والدول الغربية من جهة، والصين التي تبقى ذات التأثير الكبير والتي تأخذ الشيء الكثير من الموقف والتحركات الأميركية من جهة أخرى".
أوضح نواف خليل أن كل الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي بالنسبة لأميركا، وروسيا والصين على الصعيد الاقتصادي، تقوم بإعادة تدوير الزوايا لاتخاذ الموقف الذي يجب اتخاذه في منطقة الشرق الأوسط، وأن هذه التحركات تؤثر على الجميع بكل تأكيد.
قمة مدريد حدد الاستراتيجية الغربية اتجاه روسيا والصين
أشار خليل إلى ما تمخضت عنه قمة مدريد، وقال: "بالنسبة لقمة مدريد حددت الاستراتيجية الغربية اتجاه روسيا والصين، وجميع التحديات التي تواجه حلف الناتو على الصعيد العالمي. وبالنسبة لإرضاء تركيا من أجل الموافقة على دخول السويد وفنلندا للحلف لم تكن بالنسبة لهم بالقضية الكبيرة، وتركيا الأردوغانية كانت تدرك تماماً أنها ستضطر لقبول دخول السويد وفنلندا للحلف، وحاولت الاستفادة من تلك النقطة؛ لأنها الدولة الوحيدة التي كانت ترفض ذلك، ولم تستطيع الحصول كل على ما تريد".
خليل نوّه إلى أن تركيا كانت تريد وضع وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي على "قوائم الإرهاب" ولم تحصل على ذلك، وحتى الآن المسألة لم تنتهِ، تركيا الآن تقول إذ استمرت فنلندا والسويد على موقفهما اتجاه الكرد فإنها لن توافق من خلال البرلمان على دخولهما لحلف الناتو.
وعرج نواف خليل إلى النتائج التي حصل عليها أردوغان من قمة مدريد، وقال ربما أهم ما حصل عليه أردوغان كان اتصال من الرئيس الأميركي جو بايدن الذي لم يتواصل معه سوى مرة واحدة منذ إعلانه رئيساً، وتم ذلك حينما أبلغ أردوغان أن أميركا ستعلن ما جرى للأرمن إبادة. في النتيجة أردوغان لم يحصل على ما يريد، وأكثر ما حصل عليها كان على الصعد المعنوية لإظهار نفسه أمام الحاضنة الاجتماعية التي بقيت له بأنه الرئيس الذي رفض ويفرض شروطه على الغرب، ولكن الواضح أن الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا التي تقول من خلال وزارة خارجيتها: "إن أي غزو تركي لشمال وشرق سوريا سيزيد الأوضاع تعقيداً"، وتذهب إلى توصيف خطير ودقيق حيث قال المتحدث باسم الخارجية الألمانية تعليقاً على التصعيد التركي للقيام بعملية عسكرية في شمال وشرق سوريا: "من وجهة نظرنا فإن مثل هذا التصرف لن يؤدي إلى تفاقم الوضع الصعب بالفعل بالنسبة للناس هناك فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى استعادة داعش لقوته".
قال خليل: "بالمحصلة أردوغان لم يستطيع من خلال قمة مدريد الحصول على ما يريد، وخاصة العلاقة في الملف الكردي وإدراج قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والمرأة ضمن "قوائم الإرهاب" أو قطع العلاقات مع الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا".
أردوغان لم يحصل على ما يريد في اجتماع طهران
كما لم يحصل على ما يريد من اجتماع طهران، حيث سعى للحصول على الضوء الأخضر من الجانبين الروسي والإيراني لشن غزو ضد شمال وشرق سوريا، وهذا ما رفضه الجانبان الروسي والإيراني".
وأوضح نواف خليل أن المساومات الجارية تؤثر بكل تأكيد على المنطقة، وقال: "لذلك يجب أن تتابع لحظة بلحظة التغيرات المتسارعة التي تحدث في المنطقة وعلى الجميع أن ينتظر ما الذي ستتمخض عنه قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان. البعض يمكن أن يقول إن روسيا قد تتراجع عن موقفها وتسمح لتركيا بشن غزو ضد المنطقة ولكن مقابل ماذا؟، حتماً سيكون المقابل كبير جداً. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أردوغان لا يمكنه تطوير علاقاته مع روسيا دون أن يكون هناك موقف أميركي مضاد مع تأييد غربي لهذا الموقف. فرضية أن يحصل أردوغان على كل شيء مقابل لا شيء باتت من الماضي".
شكل النظام العالمي الجديد بدأ بالتشكل
وأكد أن المساومات لم تنتهِ بعد، وإن شكل النظام العالمي الجديد بدأ بالتشكل، ولكن يحتاج إلى وقت للتبلور بشكل واضح، هذه المسألة ستأخذ وقتاً ليس بقليل، سواءً للدور التركي- الإيراني- السعودي- المصري- ودول الخليج والدول الأخرى، لهذا لا يمكن أن نقول إن الحراك الدبلوماسي والحرب الروسية الأوكرانية وإعادة تموضع الدول الإقليمية والكبرى بات منتهياً.
قال خليل: "مقابل التغيرات التي تحصل ومن خلال متابعتي لما تقوم به قيادة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، هناك متابعة ومرونة في التعاطي مع ما يجري، وعملية بحث دائمة لالتقاء المصالح مع الأطراف الفاعلة خاصة روسيا وأميركا".
نوّه خليل إلى أنه لا يمكن للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية أن تكونا مع طرف ضد طرف آخر، وقال: "كما نبحث ونحلل فإنها تبحث عن نقاط مشتركة لحماية المنطقة وتطويرها ومنع أي عملية غزو تقوم بها قوات الاحتلال التركي من جهة، ومرتزقة داعش الذين لم يقف نشاطهم الإجرامي، حيث إن خلايا داعش تنتظر أي عملية غزو لتنفيذبقية مخططاتها ضمن المنطقة".
وسلط خليل الضوء على التواطؤ الدولي مع تركيا، وقال: "روسيا تواطأت بشكل علني وواضح مع الدولة التركية، وصمت حكومة دمشق أثناء غزو تركيا لعفرين، روسيا ليست متواطئة مع تركيا من أجل غزوها ضد عفرين واحتلالها والقيام بعملية التغيير الديمغرافي وجرف آثارها التاريخية، وتنفيذ عمليات قتل واغتصاب واعتقال فحسب، بل ساهمت في نقل أولئك السوريين الذين هم أداة بيد تركيا وبعض السوريين القومويين الشوفينيين والإسلاميين إلى المناطق المحتلة من قبل تركيا. كل عملية مساومة كانت خلفها عملية تهجير وتغيير كبيرة، عفرين كانت مقابل الغوطة الشرقية وغيرها من المناطق. وتلك المساومة كانت علنية على رؤوس الأشهاد وبتواطؤ بين الجانبين الروسي والتركي وصمت أميركي مطبق".
ما فعلته أميركا لا يليق بتاريخ التحالف القائم بين أمريكا وقوات سوريا الديمقراطية
وتابع خليل: "وفي ما يتعلق بسري كانيه وكري سبي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان يهدد أردوغان وبتدمير الاقتصاد التركي في حال شن أي غزو ضد تلك المناطق سمح له بشن عملية ضد كري سبي وسري كانيه، الأمر لا يحتاج إلى دلائل، الرئيس الأميركي دونالد ترامب فتح الطريق أمام أردوغان لشن عدوان وسحب قوات بلاده الموجودة في تلك المناطق، على الرغم من أن قوات سوريا الديمقراطية تصرفت بحكمة عظيمة لمنع أي عدوان تركي، وابتعدت عن الحدود ودمرت بعض التحصينات القريبة من الحدود، وبعدها سُيّرت دوريات مشتركة أمريكية - تركية في تلك المناطق دون أن يتعرض لها أحد، إلا أن حكومة اللا عدالة واللا تنمية بعدما تأكدت من أنها لم تعد تملك الذريعة لعزو المنطقة، بدأت بالغزو والاحتلال، ما هو ثمن قبول الرئيس الأميركي السابق ترامب بذلك، لربما الوثائق اللاحقة التي قد تُكشف وتوضح ذلك، إن ما فعلته أميركا لا يليق بتاريخ التحالف القائم بين أميركا وقوات سوريا الديمقراطية، أميركا التي دائماً تشيد بدور قوات سوريا الديمقراطية الكبير في هزيمة داعش.
تطرق نواف خليل إلى هجمات دولة الاحتلال التركي على شمال وشرق سوريا، وقال: "لا أعتقد أن أميركا وروسيا ستمنعان تركيا من تنفيذ ضربات عبر المسيّرات ضد أبناء شمال وشرق سوريا. أغلب المحللين والباحثين يؤكدون أن كلتا الدولتين تغضان الطرف عن تلك الضربات، أحياناً وأثناء الحديث مع الباحثين الأميركيين يتحدثون عن الجهود التي تبذلها القيادات الأميركية خلف الكواليس لمنع تركيا من القيام بغزو ضد شمال وشرق سوريا وشن ضربات ضد القوات التي تحارب داعش، لا أعتقد أن ذلك سيظهر إلى العلن في المنظور القريب؛ لأن لتركيا مكانة جيوسياسية مهمة في المنطقة، والدول الغربية تحاول إبعاد تركيا عن روسيا، وفي المقابل روسيا تحاول إبعاد تركيا عن التحالف الغربي، وتركيا تستفيد من ذلك، تركيا ليست تلك الدولة التي يمكن أن يقول لها الغرب بضرورة إنهاء علاقاتها مع روسيا سواءً على الصعيد العسكري أو السياسي، نعم تركيا مهمة للغرب ولكن الحزب الحاكم في تركيا لم يعد المشروع الغربي المدعوم، والذي تم العمل عليها ليقدم ما يعرف بالإسلام المعتدل، خاصة بعد إسقاط الرئيس الاخواني محمد مرسي في مصر".
الجميع يترقب إلى أين ستصل العلاقات الروسية التركية
أوضح نواف خليل أن العالم يتابع اللقاء المرتقب بين أردوغان وبوتين في الخامس من شهر آب الجاري، ونوّه إلى أن العالم يعرف حجم العلاقات بين الدولتين من حيث تصدير روسيا الغاز لتركيا، ومسألة السياح والاقتصاد.. إلخ. والعالم بانتظار ما سيتمخض عنه اللقاء؟، وإلى أين ستصل العلاقات الروسية التركية؟، وإلى الدور التركي في تصدير الحبوب الأوكرانية؟؛ وقال: "النظام السوري والإيراني أيضاً بانتظار انعكاس نتائج اللقاء في الداخل السوري، أما الشعب السوري في الداخل وأبناء شمال وشرق سوريا سيتابعون اللقاء بقلق".
ولا يتوقع نواف خليل حدوث تحوّل استراتيجي في العلاقة الروسية - التركية فيما يتعلق بالملف الأوكراني وملف الأسلحة الروسية المقدمة لتركيا، وقال: "لا أتوقع أن يكون هناك تحوّلاً دراماتيكياً فيما يتعلق بالموقف الروسي بمسألة الغزو التركي لشمال وشرق سوريا".
(ف)
ANHA