تدخل الدولة التركية الفاشية والمحتلة عبر انتخابات 14-28 أيار القرن الثاني للجمهورية، مع الحكومة الفاشية لتحالف الجمهور.
يتم تشكيل سوسيولوجيا (حالة اجتماعية) جديدة بهذه الانتخابات، إذ سيجري تنظيم حشد ديني متشدد لتتمكن الحكومة الحالية من الاستناد إليه وسيبدؤون بالمؤسسات التعليمية من خلال الملالي الذين تم تعيينهم في المدارس ويغيّرون المجتمع. وحقيقة أن حزب العدالة والتنمية هو الحزب الأول الذي يحظى بمساندة المجتمع ودعمه على الرغم من أنه في السلطة منذ 21 عاماً ومسؤول عن المشاكل والأزمات في تركيا، ترتبط بالسمات الأساسية للفاشية، ويتطلب فهم الهيكل السياسي لتركيا أخذ التغيير الاجتماعي بعين الاعتبار، فالبنية الاجتماعية تشير إلى منهجية الفاشية وتنظيمها.
تحوّلت تركيا إلى دولة الحزب الواحد وأنهت النظام البرلماني بانتقالها إلى النظام الرئاسي، ودخلت الدولة بكافة مؤسساتها إلى عملية تغيير شاملة، واختفى فصل السلطات والوظائف نهائياً، وتحوّلت جميع المؤسسات إلى مكاتب للحزب. وخلال العملية الانتخابية، كانت هناك مؤسسات تعمل لصالح الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية بالفعل، وعلى رأسها TRT، الهيئة العليا للانتخابات، والأجهزة الأمنية والقانونية، وزعماء الإدارة المدنية، والمؤسسات الدينية والمساجد والعديد من المؤسسات والمنظمات غيرها، إذ حشدوا جميع مؤسسات الدولة وسخروها لمصلحتهم. أي بعد البنية التحتية الاجتماعية، تم تصميم المؤسسات الأخرى أيضاً وفقاً للفاشية.
كما أن هناك حقيقة أخرى تتمثل بعدم تقييم المستوى الذي وصلت إليه تركيا جيداً، إذ تهيْكل الفاشية ذاتها وترسخ نفسها يوماً بعد يوم، فيما تتصرف المعارضة وكأن الظروف طبيعية وتساهم في احتدام الفاشية وترسيخها أكثر. وفي الأساس لا يمكن القول إن أحزاب تحالف الشعب مختلفة جداً عن الحكومة، ونظراً لأن تلك الأحزاب قد انبثقت عن حكومة حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، فلا يمكن وصفها بالمعارضة حتى. ولا يمكن أن يتوقع المرء أن تقوم هذه الأحزاب بالمعارضة وتقف ضد الفاشية.
تحولت الرئاسة إلى ديكتاتورية وحالة دائمة الهيكل الإداري، ونُظمت جميع مراكز القرار وفقاً للسلطة المطلقة. ومؤسسات الدولة وأجهزتها مجبرة على تنفيذ كل ما تمليه عليها الديكتاتورية، فكل كلمة تخرج من فم الديكتاتورية، تُعد قانوناً، وذلك القانون يُعد أمراً، وهي تُنفذ وكأنها أمر من السلطان. إنها أداة تحييد من خلال تطبيق وسائل قانونية أو قسرية لإسكات الأصوات الضعيفة ضد الديكتاتورية، لقد أصبحت الوزارات والمؤسسات الإدارية الأخرى مجرد دمى، واضطرت المحاكم إلى اتخاذ الأحكام وفقاً للأوامر والتعليمات التي تتلقاها. وسيكون العمل التالي للديكتاتورية من الآن فصاعداً هو القضاء على التعددية. إذ ستحوّل التنوع إلى هيمنة أحادية، وستبني أشياء جديدة على أساس عقلية الهيمنة الأحادية.
ويُعد النظام الرئاسي على الطراز التركي شكلاً جديداً من أشكال الفاشية، كما أنه يعتمد في الوقت ذاته على الوضع العالمي، فالمخاطر العالمية والحروب الحالية تثير ردود الفعل الوطنية للشعوب، إذ تقودهم الحدود القومية وعقلية الدولة القومية إلى العنصرية والعصبية القومية والشوفينية وأخيراً الفاشية، ويعود ما يحدث في تركيا إلى حقيقة هذه العملية. لقد صعّدوا العنصرية والعصبية القومية في تركيا وعززوا العنصرية الدينية وشكلوا بهذا الشكل حكومة ذات نهجٍ رجعي، تُعد الفاشية في تركيا هيكلاً أشد خطورة ويمكن أن تتسبب بانهيار كبير بكل سهولة.
يُعد الديكتاتور أردوغان أسوأ بكثير من الديكتاتوريين الفاشيين الذين سبقوه كموسوليني وفرانكو وهتلر، وسيسعى أردوغان خلال ولايته هذه إلى استكمال تنظيمه الأساسي من أجل تعزيز هيكله الداخلي، وسيتوجّه في الوقت ذاته إلى الخارج ولن ينأى بنفسه عنه؛ لأن التوجه الخارجي يخلق أدوات مثمرة جداً في السياسة الداخلية ويساهم في طمس المشاكل الاجتماعية المحلية. وسترتبط الأزمات الاجتماعية كالفقر والجوع والتضخم ببقاء الدولة وديمومتها وستدعم الدولة. ولهذا ستستمر الهجمات الاحتلالية على روج آفا، هجمات الإبادة على مناطق الدفاع مديا، وعمليات الإنكار، والمحو والتدمير، والإبادة السياسية والاجتماعية ضد الكرد في الداخل بشكل واسع.
كما يتضح من مصير جميع الحكومات الفاشية، فإنها ستأخذ بالبلاد نحو الهاوية والدمار، إذ سيدمرون البلد وشعبه مع انهيارهم ولن يكترثوا لذلك. ولن يجلب المستقبل السياسي لتركيا لها سوى الدمار. وأصعب اختبار للفاشية هو حربها ضد الكرد. سيكيدون للكرد، لأنهم لن يستطيعوا الحديث عن انتصار الفاشية ما لم يهزموا الكرد. ولهذا سيبلغ عداؤهم تجاه الكرد ذروته خلال المرحلة القادمة. يُعتبر الكرد أكبر عقبة تعترض نظام الرئاسة الفاشية بالطراز التركي والديكتاتور أردوغان.
مما سبق نفهم أن الفاشية ستهاجم الكرد بحقدٍ أكبر وبشكل أعنف. لقد تبنت كافة الشرور ووصلت إلى حيث يمكن أن تصل. وقد دخلت حالياً في مرحلة الفشل داخلياً وخارجياً. وقد انتهى تقدم حزب العدالة والتنمية تماماً كالقلم المكسور. والانهيار أقرب من أي وقتٍ مضى. وتُعد مقاومة الكرد بمثابة ترياقٍ مضادٍ للفاشية. وسيكون نضال حركة التحرر الكردستانية حاسماً في هذه العملية.
(ر)